مرّ الشهر الأول على العودة إلى التعليم في المدارس الرسمية، وعلى عدم تحقيق أيّ من الوعود المقطوعة للأساتذة. لا مضاعفة رواتب، والحوافز الاجتماعية (130 دولاراً) لا تلوح في الأفق، بالإضافة إلى عدم صرف بدلات النقل عن عام 2022 بأكمله. يعلّم الأساتذة اليوم بـ»اللحم الحي». يصرفون مدّخراتهم، يعرضون مقتنيات بيوتهم للبيع على مجموعات البيع والشراء الإلكترونية، ومنهم من أخرج أولاده من الجامعات لعدم قدرته على استكمال دفع الأقساط. في مقابل كلّ ما سبق، تقوم مديرية الثانوي في وزارة التربية بالتذكير بقانون الموظفين 112/1959، سيّما البنود المتعلقة بـ»منع الكتابة والنشر والكلام مع وسائل الإعلام»، وكأنّ المطلوب «الموت بصمت».
سراب الوعود
إلا أنّ محاولات قمع الأصوات الضعيفة لم تجدِ نفعاً، فالأساتذة مستمرون في تذكير كلّ من يعنيهم الأمر بـ»اللاشيء الكبيرة التي حصلوا عليها». مثلاً، حرص أحدهم، عبر مجموعات «الواتسآب» الخاصة بالأساتذة، على إرسال عدّاد يومي تنازلي، يذكّر فيه بعدد الأيام المتبقية من شهر تشرين الأول الماضي، ويسأل فيه عن العودة إلى التعليم بلا أي حقوق، ثمّ يشكر رابطة التعليم الثانوي لموافقتها على هذه العودة، التي تحمل إذلالاً للأساتذة وتكبّدهم أحمالاً كبيرة لن يتمكنوا من الاستمرار بحملها في الأيام القادمة، سيّما أنّ ما حصلوا عليه من راتب عن شهر تشرين الثاني لم يتعدّ الثلاثة ملايين ليرة. والمفارقة، أنّ كلمات هذا الأستاذ لا تلقى أيّ صدى لدى أكثرية أعضاء الهيئة الإدارية، بل تقابل بالاستهجان والاستغراب والاستنكار.
إذاً، تبيّن في الشهر الأول من العودة سراب الوعود المقطوعة من الهيئة الإدارية. لا حلول تلوح في الأفق، والتململ يتسرّب إلى بعض أعضاء هذه الهيئة مع تعب واضح في كلامهم، إذ يشكو أحدهم عدم قدرته على تحمّل «نظرة الأساتذة إليه»، إذ يعتبرونه مشاركاً في ضربهم، وغياب الأحزاب التي ضغطت سابقاً بأقصى قوتها لإجهاض التحرّكات النقابية عن حال الأساتذة اليوم، فتصمّ آذانها في محاولات لتقطيع الوقت وانتظار وصول شهر كانون الأول لعلّ الوعود تتحوّل إلى حقائق بمعجزات إلهية لا إشارات تؤكّدها حتى السّاعة. وفي انتظار الشهر الأخير من السّنة، الذي وضعته الرابطة حدّاً لانتظار تحقق الوعود، لا اجتماعات للهيئة الإدارية، ولا متابعات كتلك التي اعتادت القيام بها في الوزارات من نوع «تعقيب المعاملات»، فقط «رسائل تطمين مجهولة المصدر، يجري تداولها على الواتسآب، تفيد بأنّ كلّ شيء على ما يرام، والأموال في طريقها للدفع»، أو بعبارة أخرى «صارت في السيستم».
معاناة واستقالات
في السياق ذاته تستمرّ المعاناة في الثانويات لتأمين التشغيل اليومي، من كهرباء وقرطاسية، أضيف إليهما أخيراً همّ تأمين المياه النظيفة، وهي تنفق حتى اللحظة من أموال التسجيل التي حصّلتها في بداية العام الدراسي، مع تسجيل «وعود» بانفراجات مرتبطة بكلام الجهات المانحة (اليونيسف) عن دعم الموازنات التشغيلية للمدارس الرسمية بمبالغ تُراوح بين 20 و30 ألف دولار، بحسب عدد التلامذة. إلا أن ما لا يمكن لهذه الأموال حلّه هو تعويض النقص في عدد الأساتذة، وخلوّ بعض الصفوف من معلّمي بعض المواد الذين فضّلوا أخذ إجازات بدون راتب، أو استيداع، أو حتى تقديم استقالاتهم على «العمل بالسّخرة» وفق أستاذة من الشمال، التي ترى أنّه «في حال استمرار الوضع على ما هو، لن يبقى أحد في السنين القادمة، الكلّ سيرحل مع أول فرصة».
تحاول وزارة التربية إخفاء هذا المشهد قدر الإمكان، والتخفيف من تأثيره رغم «عدم قدرتها في الكثير من الأحيان على تأمين أستاذ بديل» بحسب مصادر «الأخبار»، إذ «توقف الموظفون عن قبول طلبات الاستيداع، أو أوحى بعضهم لمقدّمي طلبات الإجازة أنّهم لن يبقوا في مدارسهم بل سيتم نقلهم لدفعهم للعدول عن الفكرة»، تضيف المصادر. إلا أنّ إصرار بعض الأساتذة على عدم التعليم في ظلّ هذه الظروف دفعهم إلى «التهديد بالاستقالة التامة، في حال عدم الموافقة أو العرقلة».
المستعان به مظلوم
يمكن تعميم هذه الصورة على كلّ فئات الأساتذة، من ملاك ومتعاقد ومستعان بهم. والفئة الأخيرة هي الأكثر تهميشاً، «627 أستاذاً لم يتقاضوا حتى اليوم سوى تعويضات الفصل الأول من العام الدراسي الماضي». وكلّ ما يحصلون عليه هو الوعود، سواء من الكتل النيابية أو وزارة التربية. الجهة الأولى توافق بـ»المفرق» على إقرار عقودهم وإخراجها من «بدعة المستعان بهم» نحو التعاقد العادي، ثمّ تنكث بـ»الجملة» في لجنة التربية النيابية، ولا تصل المقترحات إلى الهيئة العامة أبداً. أمّا الجهة الثانية، فلا تعطي أي إجابة واضحة عن تواريخ دفع «المتأخرات المتأخرة»، مطالبة في المقابل بالتعليم بشكل سلس وعادي.