لم تخرج وقائع جلسة الانتخاب الرئاسية الـ11 بنتائجها عن مدار أجندة 8 آذار التعطيلية في ظل احتدام التناحر بين مكوناتها على خلفية معركة “كسر العظم” التي يخوضها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مع رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، والتي نتج عنها أمس تلاعب باسيل برصيد “الأوراق البيض” لتحجيم ثقل الثنائي الشيعي في صندوق الاقتراع رداً على تحجيمه حكومياً.
أما ختام الجلسة فأتى خارجاً عن المألوف وعن سيطرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في ضوء الخطوة المباغتة التي نفذها كل من النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا بالإعلان عن بدء “اعتصام رئاسي” في القاعة العامة انسجاماً مع نص الدستور الذي يفرض بقاء الهيئة العامة في حالة انعقاد عند الشغور حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الأمر الذي أثار حفيظة برّي واستياءه من هذه “الخطوة الاستعراضية” كما وصفتها مصادر نيابية في 8 آذار، مشددةً على أنّ “رئيس المجلس خرج من الجلسة الرئاسية بعدما رفعها لفقدان نصاب انعقاد الدورة الثانية، ومن يعرف الرئيس بري يعلم جيداً أنه لن يعود إلى ترؤس أي جلسة جديدة تحت ضغط هكذا تحركات شعبوية لن تقدّم ولن تؤخر في العملية الرئاسية، طالما لم تنضج ظروف الحوار ولم يتأمن التوافق اللازم لانتخاب الرئيس“.
وفي أول الردود اللوجستية على خطوة خلف وصليبا التي استدرجت تضامناً نيابياً من زملاء لهم في كتل المعارضة داخل القاعة العامة وتعاطفاً شعبياً في محيط ساحة النجمة، أصرّ رئيس المجلس على إقفال مبنى البرلمان وإطفاء المولدات الكهربائية بعد انتهاء الدوام الرسمي ليبقي بعد مفاوضات خاضها نائبه الياس بو صعب مع النواب المعتصمين على “مدخل جانبي” مفتوح أمام حركة دخول وخروج النواب الراغبين بالبقاء في المجلس بغية تأمين مستلزمات مبيتهم فيه من “أكل وشرب ولوازم نوم من أوسدة وأغطية“.
توازياً، وبالتزامن مع تسجيل “الحزب التقدمي الاشتراكي” موقفاً لافتاً للانتباه في مستهل الجلسة الرئاسية لوّح فيه على لسان عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن بالاتجاه إلى “تعليق المشاركة” في الجلسات المقبلة في حال استمرت المرواحة في “الدوامة” نفسها بعد إجهاض محاولات الحوار الرئاسي، اتجهت الأنظار مساءً إلى كليمنصو لرصد مفاعيل استئناف وفد قيادة “حزب الله” التواصل المباشر مع رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط، في زيارة هي الثانية من نوعها قام بها المعاون السياسي للأمين العام لـ”الحزب” حسين خليل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، لاستكمال النقاش حول “الأسئلة والهواجس” التي سبق أن أثارها جنبلاط مع الوفد خلال لقاء كليمنصو الأول عشية الترسيم البحري مع إسرائيل.
ونقلت أوساط واسعة الاطلاع أنّ “حزب الله” يعتزم تعبيد الطريق أمام فتح “نقاش هادئ وهادف مع جنبلاط لاستطلاع مدى إمكانيات التقارب وتعزيز نقاط الالتقاء بين الجانبين حول مفترق الاستحقاقات المصيرية الداهمة وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي”، مشيرةً في المقابل إلى أنّ “جنبلاط يبدي انفتاحه على التشاور مع الجميع في سبيل كسر حالة الجمود الهدامة للبنان ولكل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والمناطقية والطائفية”، لافتةً إلى أنّ رسالة أبو الحسن في المجلس النيابي أمس تندرج ضمن سياق “الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي حرص جنبلاط في الآونة الأخيرة على إيصالها للحلفاء والخصوم على حد سواء تأكيداً على ضرورة الخروج من خنادق الترشيحات الرئاسية وحتمية التحاور والتشاور للوصول إلى حل توافقي ينهي الشغور الرئاسي ويضع عجلة الدولة على سكة فرملة الانهيار وإنهاء العبثية السياسية التي تقود البلاد بخطوات متسارعة نحو الانتحار، مع إيمانه بأن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تبدأ من ضرورة التجاوب مع الدعوات الحوارية المتكررة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي، باعتبار قطار الحوار لا بديل عنه مهما تأخر وصوله“.