مشاهد الغضب امس من إحراق مصارف الى قطع الطرقات، قد يكون واحدًا من ملامح وجوه الانفلات الأمني والانفجار الاجتماعي الذي قد يخرج من قمقم الضغوط والأزمات ولن يعود سهلاً إرجاعه متى انفلت. وما حدث أمس يطرح الكثير من التساؤلات حول مدى انتباه القوى الممعنة في تعطيل مسار الانقاذ الى المخاطر الكبرى التي يؤسس لها هذا التعطيل، وهو ما دفع بالحزب التقدمي الاشتراكي أمس إلى إعادة التذكير بالظروف الخطيرة التي يمر بها لبنان، والضغوط الكبيرة التي تهدد كل المؤسسات واستقرار الدولة، مؤكدا ضرورة العمل المتواصل على كل المستويات لمحاولة إنقاذ لبنان مما هو فيه من أزمات وتحصين مؤسساته وإطلاق مسار الإنقاذ بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية فوق كل اعتبار.
ومع الارتفاع المخيف لسعر صرف الدولار، وفيما تلجأ السوبر ماركت في كل مرة إلى زيادة أسعار السلع بما يفوق سعر الصرف، وجدت وزارة الإقتصاد الحل بدولرة البضائع والسلع، فأعلن الوزير أمين سلام السماح للسوبر ماركت بالتسعير بالدولار “واعتماد سعر الصرف الرائج في السوق”، مؤكدا ان “الهدف ليس الدولرة ولكن حماية المستهلك”، محددا مهلة حتى الأربعاء المقبل “لتطبيق الآلية الجديدة لضبط الأسعار” كما قال.
النائب بلال الحشيمي رأى في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية ان السبب المباشر للأزمة الاقتصادية مردّه إلى انهيار الدولة بكافة مؤسساتها باستثناء المؤسسة العسكرية، مستغربا في الوقت نفسه “إصرار البعض على عقد جلسة تشريعية لا مغزى لها لأن الكابيتال كونترول الذي يتحججون به هو جزء من خطة التعافي والإصلاحات المطلوبة وليس بالتمديد لبعض المدراء العامين. في وقت كان مفترضا أن يتحول مجلس النواب الى هيئة ناخبة ونذهب الى انتخاب رئيس الجمهورية من أجل انتظام عمل المؤسسات وتشكيل حكومة جديدة تأخذ على عاتقها تنفيذ الإصلاحات المطلوبة”، وسأل “لماذا لم يسم فريق الممانعة مرشحه سواء كان الوزير السابق سليمان فرنجية او غيره؟، نحن لدينا مرشحنا النائب ميشال معوض، فلتُجرَ الانتخابات وسط هذا التنافس وليفز الأوفر حظا لأنه من الخطأ الجسيم بقاء الوضع على ما هو عليه“.
الخبير المالي والاقتصادي الدكتور أنيس أبو دياب اعتبر أن “البلد في مرحلة سقوط مدوي ومتجه نحو الأسوأ، وكلما طالت الأزمة كلما تسارعت عملية السقوط وكانت الكلفة أصعب“.
أبو دياب وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية أكد أن “لا سقف للدولار والأسعار، وحكمًا نحن قادمون على توترات اجتماعية لا يمكن لأحد أن يقدر نتائجها”، كاشفاً أن “لقاء دبي الذي جمع عدداً من رؤساء الحكومات ووزراء المال أطلق تحذيراً واضحًا من قبل مديرة صندوق النقد الدولي ومن مدير الشرق الأوسط في الصندوق للبنان، لأنه لم ينفذ الإصلاحات المطلوبة، ولم يتقدم بأي خطوة اصلاحية منذ التوقيع على العقد معه في نيسان الماضي”، وأشار الى أن “ليس هناك إمكانية باستخدام سياسة نقدية وإجراءات تحد من ارتفاع الدولار لأن المصرف المركزي فقد السيطرة على سعر صرف الدولار ولم يعد قادرا على التحكم به”، داعيا مصرف لبنان الى “وقف منصة صيرفة والتوقف عن استنزاف احتياطي الدولار الذي يساوي 9,7 مليار دولار طالما ليس هناك اتفاق للخروج من الازمة”، معتبراً أن “المصرف المركزي لا يستطيع وقف التهريب والمضاربة القوية لأنها مضاربة سياسية“.
وحذر أبو دياب من تحويل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد نقدي لإقفال الحسابات المصرفية في الخارج، وقال: “عندما يتحول إلى اقتصاد نقدي يصبح الاقتصاد قابلا لتبييض الأموال، كما ان هناك اسبابا لها علاقة بالسرية المصرفية، ولذلك الأمور لا تحل بالاقفال فإما بالذهاب الى القضاء المختص أو برفع الدعاوى، فلا يجوز أخذ الناس رهائن“.
الا انه في ضوء كل ذلك فقد تحول كل مواطنو لبنان إلى رهائن فعلاً لهذه الأزمات المتواصلة، والتي لن تنتهي طالما استمرت قوى أساسية معنية في عنادها على منع تنفيذ المطلوب لإنقاذ لبنان، ولن يكون هذا الانقاذ سوى بالوصفة التي تحمي المؤسسات وتعيد العمل الدستوري الى طبيعته بانتخاب رئيس للجمهورية، وتعطي الإصلاحات دفعة حقيقية نحو التنفيذ وتعيد حقوق الناس.