امت “عين التينة” على ضيم اللجان بعدما استيقظت على كابوس اهتزاز أرضية المجلس تحت أقدام رئيسه واستشعاره تمدّد نيران الشغور لتحاصر بحماوتها “ملعبه” النيابي، بدءاً من “فقدان السيطرة” على مجريات الجلسات الرئاسية في دوراتها الأخيرة ما اضطره إلى إقفال أبواب الهيئة العامة أمام الاستحقاق الرئاسي، مروراً بـ”فقدان القدرة” على تدبيج جدول أعمال تشريعي في هيئة مكتب المجلس والتراجع مكرهاً عن دعوة المجلس للانعقاد، وصولاً إلى “فقدان المَوْنة” حتى على استكمال اجتماعات اللجان المشتركة إثر انسحاب الكتل المسيحية الأساسية في اجتماع أمس الأول… الأمر الذي أثار “استياء الرئيس نبيه بري إلى أبعد الحدود” وفق ما نقلت مصادر نيابية، إلى درجة رفض معها اقتراح نائبه الياس بو صعب عليه “إجراء اتصالات مع المعنيين من الكتل لمحاولة إعادة لمّ الشمل النيابي تحت سقف اللجان“.
وفي الملف الرئاسي، يجد الثنائي الشيعي نفسه أمام طريق مسدود غير نافذ باتجاه إيصال مرشحه سليمان فرنجية إلى سدة رئاسة الجمهورية، سواءً عبر استعصاء تأمين نصاب الثلثين حضوراً ونصاب النصف زائداً واحداً تصويتاً لانتخابه، أو من خلال رياح المناخات الخارجية التي تعاكس توجه “الثنائي”… إذ كشف مصدر موثوق به لـ”نداء الوطن” أنّ شخصية عربية زارت بري في الآونة الأخيرة ونقلت إليه بالاستناد إلى ما لمسته هذه الشخصية خلال جولة لها على عدد من العواصم العربية، “نصيحة” مفادها: “إنسوا مسألة انتخاب فرنجية“.
وفي الغضون، لا يزال التخبط المالي “سيّد الموقف” في البلد ولا يزال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يكرر التجارب الفاشلة نفسها التي سبق أن لجأ إليها لضبط سعر صرف الدولار، منذ إطلاق منصة صيرفة في أيار 2021 على سعر 12 الف ليرة، ثم تتالى صعود السعر حتى وصل أمس الى 70 ألف ليرة صعوداً من نحو 45 ألفاً، علماً بأن سعر المنصة الجديد دفع بسعر السوق الموازية الى الهبوط 10 آلاف دفعة واحدة مساءً من 91 ألف ليرة إلى 81 ألفاً.
وأجمعت مصادر نقدية ومالية متقاطعة على أنّ مصرف لبنان أقدم على هذه الخطوة من جهة “ليخفّض خسارته الخاصة بشراء دولار من السوق الموازية بما بين 80 و90 ألفاً وبيعه على سعر 45 ألفاً، وليحاول مجدداً تهدئة صعود دولار السوق الموازية، وليشتري من جهة أخرى المزيد من الوقت للمنظومة الغارقة في خلافاتها السياسية وكيدياتها الطائفية وحساباتها المصلحية، والمؤجلة للاصلاحات التي اتفق عليها لبنان مع صندوق النقد“.
وكان سلامة قد أكد أمس في بيان أنّ مصرف لبنان سيتدخل بائعًا الدولار الاميركي النقدي وشاريًا الليرة اللبنانية النقدية على سعر 70 ألف ليرة للدولار ابتداءً من (اليوم) الخميس، وسيلبي كامل الطلب الناتج عن بيع الليرة من قبل الشركات والأفراد، على أن تقدّم الطلبات عبر المصارف وتسجل على منصة Sayrafa وتسدد بغضون 3 أيام عمل”. وحدد السقوف للأفراد بمبلغ “مليار ليرة شهريًا عن كل حساب في كل مصرف، و10 مليارات لكل شركة في كل مصرف”، مع الإشارة إلى أنّ “هذا الإجراء لا يطبّق على مستوردي المحروقات“.
ورغم أن المصرف المركزي حدد سعر منصة Sayrafa على 70 ألف ليرة للدولار، لكنه وعد بدفع معاشات وتعويضات القطاع العام لشهر شباط على سعر sayrafa في 1 آذار 2023 أي 45400 ليرة. وأكد استمرار العمل بهذا القرار حتى اشعار آخر، طالباً من المصارف التوقف عن شراء دولارات لزبائنها بسقف 300 دولار بالشهر حتى إشعار آخر ايضاً. وكرر استمرار العمل بالتعميم 161 لمعاشات القطاع العام، كما يستمر مصرف لبنان بتسديد الدولارات النقدية التي باعها قبل هذا البيان والتي لم تسدد لحينه.
وأكدت مصادر مصرفية لـ”نداء الوطن” أن القرار الجديد يشبه تعاميم كثيرة سابقة آخرها ذلك الذي أصدره في 27 كانون الأول الماضي، وسرعان ما فشل الاستمرار في تطبيقه بعد أقل من أسبوعين، وإلى اليوم هناك مبالغ طائلة بالليرة عالقة في المصارف على منصة صيرفة ولم يحصل أصحابها على دولارات مدعومة كانت مسعّرة آنذاك 38 ألف ليرة للدولار.
وتوقعت ألا يزيد عمر تطبيق القرار الجديد أكثر من أسبوعين ايضاً، لكن آثاره السلبية ستبقى على كاهل الفقراء لا سيما تسعير خدمات الخلوي على سعر المنصة الجديد وكذلك الكهرباء مع إضافة 20% وفقاً لاتفاق مع وزارة الطاقة. كما ستستوفي وزارة المالية عدداً من الرسوم والضرائب المسعّرة بسعر المنصة الجديد… ما يعني اسهاماً في الحلقة التضخمية الجهنمية التي دخل فيها لبنان بقوة.
وأضافت المصادر المصرفية أنّ ما يقوم به سلامة يرمي الى تخفيف حجم الكتلة النقدية بالليرة، لكنها سرعان ما ستعود للارتفاع طالما يعمد مصرف لبنان لتمويل عمليات صيرفة بشراء دولارات من السوق السوداء، أي أنه سيبقى عالقاً في حلقة مفرغة في ظل غياب الحلول الجذرية التي تؤجل المنظومة تجرع مرارة كأسها منذ 17 تشرين 2019.