تطلّ ذكرى استشهاد كمال جنبلاط في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، سيادته بخطر كما مستقبل أبنائه، وشعبه متعبٌ وضاقت به سبل العيش حد الاختناق.
تحلّ ذكرى هذا الرجل الكبير الذي وقف دائماً الى جانب الناس، وانحاز دائماً الى قضاياهم، فيما الأزمة الاقتصادية الخانقة تتحكم بيوميات اللبنانيين والقطاعات تنهار تباعاً وجنون الأسعار تهدد قوتهم اليومي.
الاستحقاقات كبيرة والمسؤولية أكبر على عاتق المسؤولين لايجاد مخارج تحمي ما تبقّى من لبنان، هذا الوطن الذي حلم به كمال جنبلاط دولة علمانية خالية من الطائفية ورسم مستقبلاً زاهراً لمواطن حر وشعب سعيد.
وأمام هذا التحدي الكبير، يخطو الحزب التقدمي الاشتراكي على نهج مؤسسه، من أجل انقاذ البلد، مدركاً جمال التسوية. ومن هذا المنطلق تأتي مواقف وليد جنبلاط الداعية الى الحوار كسبيل وحيد لانتخاب رئيس للجمهورية تليه تشكيل حكومة والبدء بالاصلاحات اللازمة الكفيلة باخراج البلد من أزماته، وذكرى استشهاد كمال جنبلاط خير مناسبة للتأكيد على هذا النهج المطلوب من جميع القوى السياسية اللجوء اليه لانقاذ البلد.
وفي ذكرى السادس عشر من أذار، اعتبر الوزير السابق ادمون رزق في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن ما بقي من كمال جنبلاط هو الفكر الوطني والانساني. هذا الرجل كان صاحب مواقف وطنية وانسانية. وهذا الفكر سيبقى ما بقيت الرجال ولكن التقسيم الطائفي والمذهبي المتفشي يحول دون التطور والتقدم. وتغليب الطائفية يعرقل النمو الوطني والانساني، مشيراً الى أنه دعا منذ فترة طويلة لالغاء الطائفية والمذهبية واعتماد الحرية الانسانية وهذا يتطلب اعادة نظر لان المادة 95 من الدستور تدعو لتخطي الطائفية والمذهبية. لكن العهود المتتالية والمتعاقبة لم تعالج هذه المسألة بالعمق بل تتعاطى معها كأمر واقع.
وتطرق رزق الى الشأن الرئاسي، داعياً الى التركيز على الشخص المناسب والمؤهل لقيادة البلد لأن مَن يحلف على الدستور يجب أن يعرف الدستور ويكون لديه ضمانات، والقيادات المؤهلة لا يمكن اختيارها بناء على محاصصات ومحسوبيات ويجب الانتقال من مرحلة القوقعة والمذهبية الى اعتماد الكفاءة والاختصاص واختيار الأنسب.
من جهته، رئيس المجلس الدستوري السابق البروفسور أنطوان مسرة اعتبر في حديث مع “الأنباء” الالكترونية أن لا شيء أهم للاتعاض من الماضي والفهم بالعمق للكارثة الحالية في لبنان، الا من خلال اعادة قراءة كتاب “هذه وصيتي” للمعلم كمال جنبلاط، فهو من أفضل وأعمق الكتب في وصف بعض الذهنيات لدى الطوائف في لبنان، لأننا نعاني من حالات مرضية في علم النفس المتأتي من هذه الذهنيات.
وأضاف مسرّة “أما النقطة الثانية فهي المقطع المتعلق بالتعددية اللبنانية التي يمكن أن تكون نموذجاً للعالم في حال التقيد بموجباتها”، مضيفا “نحن نعاني من ذهنية لدى البعض الذين لا يزالون يعيشون في مخيّلتهم لبنان الصغير ولم ينتقلوا الى لبنان الكبير”، معتبراً أن لبنان يمكن أن يكون نموذجاً للتنوع شرط التقيد بمعايير يمكن استخراجها من الاختبار اللبناني“.
ورأى ان “الحكومات يفترض أن تكون سلطة اجرائية وليست برلمانات مصغرة”، متحدثاً عن عدة نقاط جوهرية ليقوم لبنان بالدور الحضاري والعربي المميز، أبرزها السيادة الوطنية وجنبلاط كان ضحية الدفاع عن السيادة الوطنية لأن المادة 94 من الدستور تفرض على رئيس الجمهورية أن يحترم الدستور لا أن ينساه، فهو فوق الصلاحيات والاحجام قوته الدستور وليس قوته الذاتية، ناصحاً الجميع بقراءة كتاب هذه وصيتي لمعالجة ما أسماه بالذهنيات المريضة لدى البعض.
صحيح ان ٤٦ عاماً انقضى على استشهاد هذه القامة الكبيرة، الا أنه كان سباقاً في استشرافه لأزمة البلد الحقيقية، واصفاً العلاج الحقيقي لهذا الوطن الذي خُلق ليعيش لا ليموت في الحروب العبثية وفي اقتتال المحاور.