هنيئاً لمحور البؤس والممانعة تقدّم إسرائيل إلى المركز الرابع عالمياً على رأس قائمة الدول “الأكثر سعادة” وفق مؤشر العام 2023 مقابل تربّع لبنان على رأس قائمة الدول “الأكثر تعاسة” على مستوى العالم خلف أفغانستان الطالبانية… وهنيئاً للطاقم الممانع الحاكم “تدجين” الشعب اللبناني وكسر إرادته وسلب عزيمته وسوقه خاضعاً خانعاً بأقدامه إلى عملية “انتحار جماعي” في محرقة “السوق السوداء” من دون صرخة اعتراض أو مساءلة!
فمن كان يرتعد من أهل السلطة من هدير الشارع عند ملامسة الدولار حاجز العشرة آلاف ليرة، اطمأنّ اليوم إلى استتباب قبضة النظام البوليسي على الناس بعدما تجاوز الدولار سقف المئة ألف ليرة من دون أن يحرّك الشارع ساكناً، الأمر الذي كرّس مشهدية سوريالية تعكس واقع التطبيع اللبناني مع الانهيار وترسّخ متلازمة “الضحية والجلاد” في البلد.
وأمس واصل الدولار عملية نهش العملة الوطنية شاقاً طريقه بخطى متسارعة باتجاه المئة ألف الثانية مع تسجيله قفزات قياسية على مدار الساعة بلغت أمس حدود الـ122 ألف ليرة للدولار الواحد، ما استتبع ارتفاعاً مطرداً بأسعار المواد الاستهلاكية الحيوية لتصل إلى مستويات قياسية تجاوزت المليونين ومئة ألف ليرة لصفيحة البنزين والخمسين ألف ليرة لربطة الخبز، وسط ترقب أوساط مالية استمرار مسلسل انهيار الليرة تحت وطأة انسداد الآفاق السياسية والإصلاحية على مختلف الصعد الرسمية والاقتصادية والمالية في الدولة.
وإذ أكدت “فقدان السيطرة على سعر صرف الدولار”، شددت الأوساط نفسها على أن ما نشهده راهناً هو انعدام القدرة على لجم حالة “التضخم المفرط” نتيجة ارتفاع الكتلة النقدية بالليرة وانعدام قيمتها السوقية على نسق ما حصل في فنزويلا حيث التداول بالعملة الفنزويلية كان يتم بـ”الشوالات”، وبالتالي بات السؤال “المركزي” اليوم يتمحور حول توقيت طباعة ورقة المليون ليرة لاستيعاب حجم التداول النقدي بالعملة الوطنية، مع الإشارة في هذا المجال إلى أنّ الجلسة التشريعية التي دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري مكتب المجلس للانعقاد الاثنين المقبل لتحديد جدول أعمالها، ستطرح مسألة إقرار فئات جديدة من العملة الوطنية والتسريع بطباعة ورقتي الخمسمئة ألف ليرة والمليون ليرة، بعدما باشر حاكم المصرف المركزي رياض سلامة فعلياً الخطوات العملية واللوجستية في هذا الاتجاه.
أما في مستجدات التحقيقات القضائية الخارجية، فقد علمت “نداء الوطن” أنّ السلطات القضائية السويسرية تتابع ما ستتوصل إليه التحقيقات النهائية الجارية في القضية المتصلة بسندات خزينة لبنانية (يوروبوندز) تبلغ قيمتها 153 مليون دولار، جرى تحويلها من بنك سويسري إلى بنك لبناني بطريقة “لا تسمح بتتبع المحاسبة والتدقيق فيها وفق الأصول”، كما جاء في طلب التحقيق.
وفي تفاصيل القضية، أنّ حاكم “المركزي” كان قد فتح في العام 2008 حساباً باسم مصرف لبنان في بنك “يوليوس باير” السويسري، مع إبقاء نفسه “المخوّل الوحيد” بالتوقيع! الأمر الذي استغربته السلطات السويسرية. ولاحقاً في شهر نيسان من العام 2012 تلقى البنك السويسري أمراً من سلامة بتحويل السندات الى “بنك عودة”، في عملية مصرفية وصفها القيّمون على بنك “يوليوس باير” أمام المحققين “بأنها تحمل خصائص غير مألوفة وغير واضحة كفاية“.
وتشير مصادر مطلعة على مجريات التحقيق إلى أن “البنك السويسري لم يستطع التأكد من سداد قيمة تلك العملية التي أنجزت في وقت قياسي (يوما عمل)، كما انه لم يعرف الشاري، ولم يتمكن من معرفة ما إذا كان السعر متوافقاً مع أسعار السندات في الأسواق خلال تلك الفترة“.
ولدى محاولة الاستفسار عن طبيعة هذه العملية التي أثارت الشبهات في سويسرا، قلّلت مصادر لبنانية متابعة لـ”نداء الوطن” من أهمية هذا التحقيق “الذي مضى عليه وقت غير قليل”، ورفضت الخوض في تفاصيل القضية، مكتفيةً بالقول: “العملية صحيحة من وجهة نظر مصرف لبنان“.