تتسارع عجلة التسويات والمصالحات في المنطقة، وآخرها الاعلان عن اتفاق سوري- سعودي على استئناف العلاقات الدبلوماسية، فيما يبقى لبنان على «رصيف الانتظار»غارقا في ازمة مالية وصفها بالامس وفد صندوق النقد الدولي بالخطرة جدا، ناعيا كل الاجراءات المتخذة من قبل المسؤولين اللبنانيين باعتبارها لا تواكب حجم الانهيار المتسارع. وفي الانتظار لا شيء يتحرك على نحو جدي باتجاه كسر الحلقة السياسية المفرغة في ظل عقم دولي واقليمي واضح يتعاطى مع الملف اللبناني اما كونه شانا داخليا لا يتدخل فيه من قريب او بعيد بوجود حزب الله، وهو امر ابلغه الوفد الايراني برئاسة وزير الخارجية الاسبق كمال خرازي الى كل من التقاهم في بيروت، واما متريثا كالسعودية التي لم تمنح حلفاءها اي اشارة حيال كيفية التعامل مع المرحلة الراهنة، وهو ما انعكس جمودا في المواقف وتمسكا «بالفيتوات» الحالية بانتظار تبلور المشهد اكثر بعدما اتضح ان لبنان ليس ساحة اختبار يتبادل فيه الايرانيون والسعوديون بوادر «حسن النية»، وانما ملف قائم بذاته ستكون التسوية فيه بناء على نجاح الخطوات المتبادلة في اكثر من ملف ساخن في المنطقة. وفي الانتظار ايضا تحط مساعدة وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى بربرا ليف في بيروت اليوم ، دون ان تحمل معها جديدا في الموقف الاميركي «المنسحب» من قضايا المنطقة الرئيسية «والمشجع» على التفاهمات الاقليمية الحالية طالما تزيل عنه اعباء لم تعد ترى واشنطن مصلحة في تحمل اعبائها، ولبنان يبقى ملفا ثانويا على الاجندة الاميركية طالما ان الحدود الجنوبية هادئة، ووفقا لمصادر دبلوماسية، ستكون «رسالة» «التطنيش» الاميركية واضحة اليوم «لن نكون عائقا امام اي اتفاق رئاسي حتى لو كنا نفضل قائد الجيش على غيره» لكننا لسنا في موقع المعطل لاي تسوية! بمعنى اوضح هي «رسالة» للمعارضة «لا تراهنوا علينا لنسف اي تفاهم سعودي- ايراني».
العلاقات السعودية – السورية
اذا مقابل الجمود السياسي»القاتل» على الساحة اللبنانية ، تتحرك التسويات في المنطقة على نحو متسارع بعد قمة بكين السعودية- الايرانية، وزيرا خارجية البلدين تواصلا هاتفيا واتفقا على لقاء قريب يهيىء الارضية لاعادة فتح السفارات، وبينما تتحرك الاتصالات بعيدا عن الاعلام لانجاز تفاهمات وخطوات بناء ثقة في اليمن، تصدر المشهد بالامس خبر الاتفاق السعودي السوري على معاودة فتح السفارات بعد اكثر من 10 سنوات على قطع العلاقات الدبلوماسية، في خطوة من شأنها أن تمثل خطوة كبيرة في طريق عودة سوريا إلى «الحضن» العربي. ووفقا لمصادر دبلوماسية، جاءت هذه الخطوة نتيجة مباحثات امنية رفيعة المستوى ومكثفة عقدت في الرياض، وستكون مقدمة لحضور سوري للقمة العربية المقبلة في الرياض، في وقت منحت السعودية الاردن «الضوء الاخضر» للبدء بمبادرة للحل السياسي تقوم على مبدأ الخطوة مقابل خطوة. وقد بدأ التنسيق مع الامم المتحدة لتفعيلها وهي تستهدف إطلاق دورعربي مباشر ينخرط مع الحكومة السورية في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة في سورية ومعالجة تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية، كما يقول وزير خارجية الاردن ايمن الصفدي. واذا كانت الأفكار الأردنية للحل ليست جديدة، وانما تم طرحها من الجانب الأردني على القيادة السورية سابقا، فان الاجواء الإقليمية الايجابية ساعدت في اطلاق الأردن لمبادرة سبق وناقش افكارها الرئيس بشار الاسد في سلطنة عمان وقد حظيت بدعم المملكة العربية السعودية. وترجح تلك المصادر ان تكون زيارة وزير الخارجية السعودية الى دمشق قريبة، بناء على الإشارات الإيجابية التي ارسلتها دمشق تجاه الجهود العربية لحل الازمة وانفتاح القيادة السورية على الأفكار الأردنية والعمانية والاماراتية. هذا التقارب، سيكون مفيدا ويضفي اجواء ايجابية قد يستفيد منها لبنان لاحقا، لكن جدول الاعمال السوري- السعودي فضفاض جدا ومعقد بحيث لا يسمح بوجود الملف اللبناني في راس جدول الاعمال، ولهذا فان الانتظار سيكون طويلا اذا كان من يراهن على تسوية تعقب هذا التطور، طبعا بحسب تلك الاوساط.
اين واشنطن؟
في المقابل، ووفقا لزوار السفارة الاميركية في بيروت، لا تبدو استراتيجية واشنطن قابلة للتعديل في المدى المنظور، وهم لمسوا عدم وجود حماسة اميركية في خوض نقاشات جادة حول اي تسوية تخص لبنان حصرا، بل ثمة مواكبة للتطورات الاقليمية بانتظار ان تنعكس ايجابا على الساحة اللبنانية. ووفقا لمصادر مطلعة، فان الموقف الاميركي ليس مفاجئا، وكانت السفيرة الاميركية دوروثي شيا الاكثر وضوحا في التعبير عنه عندما ابلغت اكثر من مسؤول عن تعاون بلادها المفترض مع اي رئيس حتى لو كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. ولن تحيد بربرا ليف عن هذا التقييم الاميركي في زيارتها المقررة الى بيروت التي لا تقارن اهميتها بالنسبة الى واشنطن بتل ابيب. وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند التسريبات الدبلوماسية التي قدمت اجوبة عن اسباب «الغضب» الاميركي من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، وهي تلخص حقيقة الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، ووفقا لتلك التسريبات فقد تحول الانشغال بنتنياهو خلال شهرين إلى أمر مقلق وعبء على البيت الأبيض لان سلم أولويات الولايات المتحدة واضح» أوكرانيا – روسيا على المدى القريب والمتوسط، ومنافسة ومواجهة محتملة مع الصين على المدى البعيد». والعاملان يحتاجان إلى الوقت والموارد ورأس مال سياسي ثمين لصيانة وإدارة تحالفات وأخطار. والانشغال ب «إسرائيل»، هو حرف للأنظار وفرض حضور ثقيل على الأجندة الأميركية. ومن اجل كل هذا، لم تتم دعوة نتنياهو إلى واشنطن، وهي السابقة الأولى من بين الـ 13 رئيس حكومة في إسرائيل الذين زاروا واشنطن خلال شهرين من أدائهم لليمين. هكذا تفكر واشنطن تجاه حليفتها في المنطقة فهل سيكون الامر مختلفا مع لبنان؟ بالطبع لا تقول تلك الاوساط، فواشنطن لا ترغب باي حدث يعطل استراتيجيتها، ولهذا سيسمع حلفاؤها كلاما واضحا مفاده لا تراهنوا علينا لفرض اي تسوية او فرض اخرى اذا ما حصل تفاهم سعودي- ايراني عليها!
طهران تنعى الدور الاميركي
وفي هذا السياق، يتحدث الايرانيون صراحة عن تراجع الدور الاميركي، وهو امر اوضحه وزير الخارجية الايراني الاسبق كمال خرازي خلا جولته على المسؤولين في بيروت، ونقل عنه من التقاه انه شدد على ان دور واشنطن في الشرق الاوسط انتهى لحظة توقيع الاتفاق، وباتت السعودية وايران تتحكمان بايقاع التفاهمات في المنطقة، على ان تبدأ المنطقة بتلمس الايجابيات قريبا. على قاعدة ارساء السلام مع المملكة وسائر دول الخليج، من دون تقديم تنازلات في اي ملف في المنطقة، بل التفاهم حولها وفق تسويات منطقية. طبعا جدد التاكيد ان حزب الله لا يتلقى الاوامر من طهران، لا سيما في ملف الانتخابات الرئاسية.
قاسم وانتهاز الفرصة
بدوره، اكد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أنّ المنطقة بدأت «تتحرّك بعكس الاتجاه الأميركي الإسرائيلي، فالاتفاق الإيراني السعودي أسقطَ مشروع جعل إيران عدواً بديلاً عن «إسرائيل»، ومحاولة ترتيب العلاقة مع سوريا من قبل الإمارات وتركيا والسعودية ودول أخرى فيه خير لكل هذه الدول. وسأل في تغريدة: «متى ينتهز لبنان الفرصة للتمرّد على الضغط الأميركي الأوروبي فيحضر الكهرباء 24/24 بواسطة الصين ضمن نظام «بي او تي»؟ ومتى ينسِّق لبنان بجرأة مع سوريا لعودة النازحين إلى بلدهم؟» مُشدّداً على أنّ «الغرب قد ساهم في انهيار بلدنا بالعقوبات وفرض النزوح، ولم يبقَ ما نخسره، فأيّ موقف وطني شجاع سيعكس الاتجاه. وأضاف: «وقد خَبِرنا الشجاعة بموقف المقاومة وشعبها فاستعدنا حدودنا البحرية ونفطنا وغازنا. فلنستفد بعكس الاتجاه في إعادة نظرنا كلبنانيين في مقاربة قضايانا لنخرج من دوامة التنافس في فضاء الإعلام.
«ردح» رئاسي
وفيما غاب اي حراك جدي على الصعيد الرئاسي، انضم رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في انتقاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري وغرد عبر حسابه على «تويتر» قائلا» مع كل احترامي للرئيس بري، معادلة اما مرشح حزب الله اما الفراغ هي العقدة وليس عدم اتفاق النواب المسيحيين على مرشح. الكتائب رفضت هذه المعادلة في ٢٠١٦ وترفضها اليوم. رفض الخضوع لوصاية السلاح واخراج لبنان من عزلته عن العالم ليس مسؤولية مارونية او مسيحية فحسب بل وطنية بامتياز. وفي رده على الجميل، نقل زوار «عين التينة» عن بري تاكيده انه لا يرغب في السجال مع احد، وهو يضع «الاصبع على الجرح» حين يوصف حالة الاستعصاء الرئاسي من زاوية الخلاف المسيحي- المسيحي، ويقول في هذا السياق اذا كنت مخطئا» ليتفقوا» ويحرجوني! ماذا ينتظرون؟
جلسة «ترقيعية»
وفي محاولة لايجاد حل «ترقيعي» مؤقت لازمة الاضراب في القطاع العام، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل، بهدف مناقشة التطورات المالية والنقدية وانعكاساتها على الرواتب والأجور. وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء أن على جدول أعمالها «بند وحيد يتعلق بعرض وزير المالية الوضعين المالي والنقدي وانعكاساتهما على القطاعات المختلفة، لا سيما على رواتب وأجور وتعويضات العاملين والمتقاعدين في القطاع العام، إضافةً إلى عرض وزير العمل لتلك الانعكاسات على المستخدمين والعاملين الخاضعين لقانون العمل. ووفقا لمصادر وزارية فان احد الحلول المقترحة هو زيادة راتب واحد على معاشات الموظفين، ووضع الية واضحة لبدل النقل، على ان تخصص خمسة ليترات بنزين عن كل يوم عمل على ان تدفع البدلات بالليرة لا بالليترات. وكان ميقاتي قد اكد أنّ الأوضاع «تقتضي عملية طوارئ سريعة لإنقاذ البلد»، وقال، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، إنّ الحكومة «لا تستطيع أن تقوم بدورها مع مجلس نيابي معطّل ومع غياب انتخاب رئيس جمهورية، فانتخاب رئيس ضروري وهو الحلّ»، مضيفاً: «من ينتقد ما نقوم به اليوم، على مساوئه أو على حسناته، فليذهب وينتخب رئيساً للجمهورية. وإذ لفت ميقاتي إلى أنه اجتمع صباح اليوم مع صندوق النقد الدولي، أشار إلى وجوب إقرار القوانين الموجودة في مجلس النواب، معتبراً أن هذه القوانين «ليس بالضرورة مثالية ولكن علينا أن نتفق. واعتبر أنّنا «اليوم في لبنان أمام ثلاثة خيارات، إما الاتفاق مع صندوق النقد، أو نتفق مع بعضنا بعضا، أو لا نتفق بتاتاً»، وأضاف: «نحن اخترنا الخيار الأسوأ وهو ألا نتفق بتاتاً، فمن هو المستفيد؟» مشيراً إلى أنّ «المواطن هو الذي يدفع الثمن، فيما الطبقة السياسية هي المسؤولة عن كلّ ذلك.
الوضع خطر جدا
وفيما تنتظر القوى السياسية اللبنانية «الترياق» الخارجي برز تحذير واضح من رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى بيروت أرنستو راميريز الذي اختصر نتائج جولته اللبنانية بأن «لبنان في وضع خطر جدا». واشار الى ان تقدّم الإصلاحات في لبنان بطيء جدا بالنظر إلى درجة تعقيد الموقف. وقال» كنا نتوقع المزيد من حيث إقرار وتنفيذ التشريعات الخاصة بالإصلاحات المالية في لبنان». كما أشار إلى أن المسودة النهائية لقانون الـ «كابيتال كونترول» لا تلبّي الأهداف وتحتاج إلى تعديلات.وقد أنهى وفد صندوق النقد الدولي زيارته للبنان التي استمرت قرابة الشهر تقريباً وتخللتها لقاءات مع مسؤولين سياسيين ووزراء ونواب بينهم حزب الله.
هل طارت الانتخابات البلدية؟
وفيما «طار» الاجتماع المقرر لهيئة مكتب المجلس الاثنين المقبل، دعا الرئيس بري الى اجتماع للجان المشتركة في محاولة «لجس» نبض النواب حيال عقد جلسة تشريعية يكون احد بنودها اقرار تمويل الانتخابات البلدية والاختيارية، وفقا لاقتراح قانون تقدم به النائب علي حسن خليل ، بينما لا تزال المواقف المعارضة على حالها وخصوصا من الكتل المسيحية «والتغييريين» الذين يعتقدون بان ربط بري للتمويل بجلسة تشريعة يهددف الى تطيير الانتخابات ويعتقدون ان الامر لا يحتاج الى جلسة تشريعية بل الى قرار من الحكومة بتمويلها من خلال حقوق السحب الخاصة للبنان والتي حصل عليها من صندوق النقد. ووفقا لزوار بري فانه سيمنح النواب المعارضين فرصة اخيرة قبل ان يدعو الى عقدها في الموعد الذي يحدده وبمن حضر؛ لأن الميثاقية لا تسري عليها طالما أنها مخصصة للأمور الطارئة وأبرزها الانتخابات البلدية، إضافة إلى النظر في اقتراح القانون المقدّم من النائب ميشال الضاهر، والرامي إلى الإجازة لمصرف لبنان بطباعة أوراق نقدية من فئة المليون ليرة. في المقابل، ترى مصادر سياسية بارزة ان هذا «الكباش» اذا ما استمر سيطير الاستحقاق بتواطؤ من معظم القوى السياسية التي تميل إلى ترحيل الانتخابات بالتمديد لمجالسها للمرة الثانية على التوالي لعام جديد، بذريعة عدم تامين التمويل وبأن الظروف السياسية الراهنة لا تسمح بإنجازها في موعدها. وما يثير الريبة انه وعلى الرغم أن مولوي كان قد تقدّم من مجلس الوزراء بطلب يقضي بفتح اعتماد مالي قدره نحو 9 ملايين دولار لتأمين تغطية التكاليف المالية المترتبة على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، لم يدرج طلبه على جدول أعمال الجلسة الوزارية المقبلة لإحالته على البرلمان للتصديق عليه في جلسته التشريعية المفترضة.
هل «يعزل» لبنان عن العالم؟
وبينما يتخبط الاتحاد العمالي العام في خياراته، على الرغم من عقم نتائج اجتماع وفد منه بالامس مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، أعلن المجلس التنفيذي لنقابة موظفي هيئة «أوجيرو» الإضراب المفتوح اعتباراً من صباح اليوم، وفيما اعلنت نقابة الموظفين ان سبب الاضراب تجاهل مطالبها بتعديل رواتب أصبحت تعادل 1 في المئة من قيمتها، برزت مخاوف من ان تؤدي هذه الخطوة الى عزل لبنان عن العالم، علماً أن خدمة الإنترت في لبنان سجّلت تراجعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع كلفة تشغيل الشبكة وإصلاح الأعطال وتحديث الآلات… لكن وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم طمان أن «موظفي «أوجيرو» يعلمون جيداً المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولا يقبلون عزل لبنان عن العالم، ورمى «الكرة» في «ملعب» وزير المال وقال» أطالب وزارة المال منذ نحو أسبوعين بتطبيق القرارات، وما أزال أنتظر تجاوبها الذي لم نتلمّسه حتى الآن. ====