كانت مفاجأة سارة أن تطلب الدولة اللبنانية ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل الادعاء على حاكم مصرف لبنان وآخرين بجرائم مالية مختلفة، لكن هذه القضية ستعلق في اشكاليات ولن تتقدم خطوة إلى الأمام لأسباب متصلة بوزيري المالية والعدل يوسف خليل وهنري خوري. فتلك الهيئة بحاجة من حيث المبدأ الى موافقات من الوزيرين، الا أن الأول لا يرد على المراسلات والثاني يتهرب ويميع القضية مدعياً ان الهيئة ليست بحاجة لموافقته.
وأكدت مصادر معنية لـ”نداء الوطن” أن موقف وزير المالية ليس مفاجئاً لأنه كان موظفاً “وفياً” في مصرف لبنان وينفذ أجندة حماية لرياض سلامة اذا استطاع الى ذلك سبيلاً وقانوناً، اما الموقف المستغرب فهو للوزير المحسوب على “التيار الوطني الحر” هنري خوري.
إلى ذلك علمت “نداء الوطن” أن كشوفات الحسابات والتحويلات التي طلبها القضاء اللبناني من حاكم مصرف لبنان لم تصله كما يجب، وما وصل منها لا يفي بحاجة التحقيق. والمسؤول عن ذلك نائب الحاكم وسيم منصوري، لأنه هو من يترأس هيئة التحقيق الخاصة في هذه القضية التي تحتاج الى رفع السرية عن حسابات الحاكم. فالحاكم يتنحى عن رئاسة الهيئة في هذه الحالة لأنه المعني بالشبهات، ويرأسها منصوري الذي اتضح عملياً انه أقرب الى موقف يوسف خليل في محاولات حماية سلامة، علماً أن الإثنين محسوبان على الثنائي الشيعي.
ويذكر ان الدولة تقدمت بتاريخ 15/3/2023، ممثلةً برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، بإدعاء شخصي في حق كل من حاكم مصرف لبنان رياض توفيق سلامة وشقيقه رجا توفيق سلامة وماريان مجيد الحويك وكل مَن يظهره التحقيق، وذلك تبعاً لإدعاء النيابة العامة الإستئنافية في بيروت بموجب ورقة الطلب المقدّمة الى قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي.
وطلبت توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرّف بها حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية، وإصدار القرار الظني في حقهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت لإنزال أشد العقوبات بهم لخطورة الجرائم المدّعى بها في حقهم، محتفظةً بحق تحديد التعويضات الشخصية أمام محكمة الأساس.
كما طلبت إحالة نسخة من الدعوى على هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان بواسطة النيابة العامة التمييزية لتجميد حسابات المدعى عليهم وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لدى المصارف اللبنانية والأجنبية.
وأقدمت الهيئة على هذه الخطوة بعد مماطلات تعرضت لها منذ أكثر من سنة. ففي 17-1-2022، وجّهت هيئة القضايا كتاباً إلى وزير الماليّة لبيان الرأي بشأن الادّعاء على حاكم مصرف لبنان ورفاقه في الخارج بجرائم تبييض الأموال والتهرّب الضريبي التي يُلاحَقون بها في بعض الدّول الأوروبيّة من أجل استعادة الأموال المصادرة بنتيجة هذه الجرائم، لأنّه في حال ثبوتها بحقّهم تُصادر الأموال لمصلحة الدولة اللبنانيّة، وبالتالي يُكلّف محامٍ عن الدولة اللبنانيّة يحقّ له المثول أمام محاكم هذه الدول، وذلك بمعاونة رئيسة هيئة القضايا وتحت إشرافها.
وعندما لم يرد الجواب من وزير الماليّة، وجّهت إليه كتاباً ثانياً بالمضمون نفسه بتاريخ 20-2-2022، ولم تتلق أيّ جواب. عندها، وإصراراً من الهيئة على متابعة الموضوع والحفاظ على حقوق الدولة، وجّهت كتاباً إلى وزير العدل، تطلب فيه عرض الموضوع على مجلس الوزراء لاتّخاذ الموقف المناسب. لكنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء أعادت الأوراق إلى وزارة العدل بتاريخ 2-6-2022 طالبةً استطلاع رأي وزارة الماليّة.
وكان نفى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، علمه بـ”قرار رئيسة هيئة القضايا بالادعاء على حاكم المصرف المركزي”، وقال في حديث تلفزيوني: “رئيسة هيئة القضايا تتخذ قراراتها باسم الدولة اللبنانية وليست بحاجة لموافقتي“!
وكان سبق للهيئة أن أحالت على لجنة الإدارة والعدل النيابية إقتراحاً لتعديل النص القانوني بما يتيح لرئيس هيئة القضايا الإدعاء عفواً ومن دون الحاجة الى ترخيص من أي وزير، ضد أي كان، وذلك بغية الحفاظ على حقوق الدولة اللبنانية، لكن لم يصدر أي قانون بهذا الشأن لتاريخه، علماً أن التعاقد مع محامي دولة لمعاونة رئيس هيئة القضايا يتم بعقدٍ يجريه وزير العدل، ويتم إصداره بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بعد موافقة وزير المالية أيضاً، لا سيما وأن تعيين محامين في الخارج يحتاج الى اعتمادات خاصة.
وعلمت “نداء الوطن” أن القاضي شربل ابو سمرا قد لا يعين جلسة لمتابعة قضية هيئة القضايا التي لم تأخذ الموافقات اللازمة لادعائها، بينما قال مصدر قضائي لـ”نداء الوطن” إنّ الهيئة تنتظر تعيين تلك الجلسة.