لم يكن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أمس، أي خلال اليوم الثاني من زيارته لبنان في حاجة الى أن يقول لمن التقاهم إنّ صفحة المبادرة الفرنسية القائمة على مقايضة تتضمّن مرشح الممانعة سليمان فرنجية قد طويت كلياً. فالسؤال الذي طرحه على محاوريه كان كافياً للتأكيد أنّ الدور الفرنسي دخل مرحلة جديدة لا صلة لها بمبادرة أصبحت من الماضي. أما السؤال فهو: “ما هي أسماء المرشحين الوسطيين الذين ترونهم يتلاءمون مع مرحلة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية؟“.
ولأنّ “المكتوب يُقرأ من عنوانه”، تأكد للذين التقاهم لودريان، وهم غالبية القيادات المسيحية، وعلى رأسهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، أنّ ضيفهم لم يحمل مبادرة، إنما طرح أسئلة تتمحور على سبل الخروج من ازمة استحقاق الانتخابات الرئاسية المعطّلة منذ نحو 8 أشهر.
ووفق معلومات “نداء الوطن”، إنطلق موفد الرئيس الفرنسي في مداخلاته مع القيادات بسؤال عما يمكن عمله لإخراج لبنان من الانسداد الذي يسيطر على الانتخابات الرئاسية؟ كما سأل عن تأثير عدم التوصل الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية على لبنان، في ظل الازمات التي غرق فيها على كل المستويات؟ وانتهى الى توجيه سؤال مباشر الى مضيفيه: “هل ترون ان المرشح الوسطي هو الحل”؟.
بعض من التقاهم لودريان، شرحوا له ما انتهى اليه السباق الرئاسي في الجلسة 12، فقال إنّ الوزير السابق جهاد أزعور كان يتمتع فعلياً بمواصفات “المرشح الوسطي”. وعليه، فإن لبنان مرّ في 14 حزيران الحالي بتجربة مثل هذا المرشح الذي نال 59 صوتاً، لكن مرشح “الثنائي الشيعي” الذي تنطبق عليه صفة المرشح الطرف، جاء في مرتبة تالية، بنيله 51 صوتاً. وعلى الرغم من هذا الفارق، الذي يؤكد تبنّي الغالبية البرلمانية المرشح الوسطي، ما زال “الثنائي” على موقفه الفئوي.
ومع تشعب الطروحات، دخل لودريان في تفاصيل وأسماء تتصل بمرشحين معلنين وغير معلنين، وبينهم وزراء سابقون ونواب حاليون وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وهل يمكن تصنيفهم “وسطيين”. وتجاوب عدد من القيادات فطرح أسماء، فيما تريث آخرون من أجل تقييم كل من هؤلاء المرشحين على حدة. أما المحسوبون على “الثنائي”، الذين اجتمع بهم لودريان، فرشح عنهم قولهم إنّ الجانب الفرنسي مستمر في العمل وفق “الحل المتكامل”، ما يعني ان ورقة فرنجية لم تسقط بعد. لكن “نداء الوطن” علمت من اوساط شخصيات التقت لودريان انه لم يتكلم في موضوع “السلة” أو ما يشبهها، وأنه خرج من عند الرئيس نبيه بري بانطباع أن فرنجية لا يزال مرشحه لكن البحث مفتوح.
وما ميّز اليوم الثاني أيضاً، هو إختيار لودريان منصة بكركي لشرح مهمته التي أوكلها اليه ماكرون، بعدما اعلنت سابقاً السفارة الفرنسية ان لودريان لن يعقد مؤتمراً صحافياً. وبدت هذه الاطلالة الاعلامية والوحيدة حتى الآن من الصرح البطريركي، بمنزلة تأكيد فرنسي على متانة العلاقات مع المرجعية المارونية الروحية، بعد الاهتزاز الذي تعرضت له بسبب مبادرة الإليزيه المنحازة الى خيارات “الثنائي”. وخلال محادثات لودريان مع البطريرك الراعي التي سبقت الاطلالة الاعلامية، علمت “نداء الوطن” أنّ الجانب الفرنسي أكد على انتخاب رئيس إصلاحي ووضع خطة طريق إنقاذية وعدم تكريس الإنتخابات الرئاسية لتغليب فريق على آخر، ووعد لودريان بتكثيف الجهود الفرنسية مع الخارج، خصوصاً مع طهران للإفراج عن الإنتخابات الرئاسية وعدم عرقلة الفريق الموالي لها الإستحقاق الرئاسي.
وكان اليوم الثاني من لقاءات الموفد الفرنسي بدأ بالسراي حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ثم انتقل الى بكركي، ومنها الى معراب حيث التقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، فالبياضة حيث اجتمع مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وبعودته الى قصر الصنوبر حيث أجرى لقاءات مع عدد من المرشحين، إلتقى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد.
وعلم أنّ أزعور تلقى اتصالاً فرنسياً لتحديد موعد اجتماع بالموفد الفرنسي، فأبلغ المتصّل انه في واشنطن، فتمّ الاتفاق على اللقاء الأسبوع المقبل.
ويختتم لودريان اليوم زيارته الاولى للبنان بلقاءات تشمل رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط ورئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل ومستقلين وتغييريين، على ان تكون له لاحقاً أكثر من زيارة، كما أوضح ذلك.