كتبت صحيفة “النهار”: يمكن القول انه بعد “خمود” او “تخدير” قسري طارئ وظرفي املته التطورات المتلاحقة منذ انفجار حرب غزة ومواجهات الحدود الجنوبية، استفاق الفولكلور السياسي الانقسامي باسوأ معالمه داخل الحكومة وخارجها حيال ملفات استعصى التوافق عليها اكثر من ملف السلم والحرب ومن يمسك بالقرارات المصيرية في وقت تهتز الأرض الجنوبية وتميد بمواجهات اسقطت واقعيا القرار 1701 بلا رفة جفن. الوجه القاتم لاستعادة الانقسامات تجسد في الخلافات الحادة بين المسؤولين الى حدود ان وزير الدفاع يغادر اجتماعا وزاريا وهو يردد غاضبا “يا عيب الشوم”، وهذا ما ينطبق على كل الطبقة “المسؤولة” هذه. ثم ان هذا الفولكلور تمثل في الازدواجية الفاقعة التي لا تفسير لها سوى في ان ما يجري امام الكاميرات في بعض التحركات السياسية والكلام عن الموجبات التوحيدية التي تفرضها خطورة الأوضاع والخشية المتعاظمة من انزلاق لبنان الى حرب مدمرة، لا تتطابق اطلاقا مع حقيقة المجريات السياسية التي لا تزال تتحكم بها لعبة تناتش النفوذ والمحاصصات وسواها وكأن شيئا لم يكن. النموذج الاحدث لانفجار هذه الازدواجية جرى تقديمه امس في انفجار الخلاف علنا خلال انعقاد اللقاء التشاوري الوزاري الذي انعقد في السرايا بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم حول ملف التحسب للشغور في قيادة الجيش، اذ كان يفترض بعد زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل للسرايا في مستهل الجولة التي قام بها على بعض القيادات ورؤساء الكتل ان يترجم وزراؤه “الموجب التوحيدي” بالسعي الإيجابي لايجاد حل عاجل لمنع الشغور في قيادة الجيش. لكن انفجار الخلاف داخل السرايا بدا “منسجما” أيضا مع التوافق الذي ساد لقاء بنشعي بين باسيل ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية حول رفض التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، وهو امر لافت اجتمع عليه الخصمان اللدودان ربما على قاعدة “وحدة الخطر” الذي يشكله قائد الجيش كأبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية.
وعلمت “النهار” من مصادر وزارية أنه قبل بدء اللقاء التشاوري الموسع للحكومة، دخل وزير الدفاع موريس سليم متجهماً، واجتمع على انفراد برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحصل ما يشبه الإشكال بينهما، وعلم الوزراء بالأمر جراء الصراخ الذي وقع بين الرجلين.
وعن أسباب الإشكال، كشف المصدر أن سليم منذ دخوله كان آتياً للاعتراض على الرسالة الموجهة إليه من قبل رئيس الحكومة، وفيها الطلب بأن يقترح وزير الدفاع اسماً لقائد الجيش أو التمديد لقائد الجيش، أو تعبئة الشواغر في المجلس العسكري وذلك وفقاً للدستور وقانون المجلس الأعلى للدفاع، فاعتبرها سليم أنها تجاوز لصلاحياته، وحصل جدال قانوني مع رئيس الحكومة. وأشار المصدر الى أن وزراء “التيار الوطني الحر” هنري خوري وهيكتور حجار وبطبيعة الحال عبدالله بو حبيب، شاركوا حتى انتهاء الجلسة، أما وزير الدفاع فقد خرج متجهماً واستكمل النقاش في قضية الصلاحيات، وتم تكليف وزير العدل بمتابعة الموضوع.
وأعلن وزير الإعلام زياد المكاري عقب اللقاء الوزاري التشاوري، أن سبب غضب وزير الدفاع هو كتاب وجهه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إليه يطالبه فيه بحلّ للشغور في قيادة الجيش. وأكّد مكاري “ألا قرار نهائياً بموضوع الشغور في قيادة الجيش”.
وبادر سليم الى اصدار بيان مطول برر فيه “الملابسات التي رافقت غياب وزير الدفاع عن اللقاء التشاوري”، فاكد انه تسلم مراسلة عاجلة من رئيس الحكومة تحت عنوان: “رفع اقتراحات لتفادي الشغور المرتقب في مركز قيادة الجيش” وصفها بانها “صيغت بأسلوب غير مألوف في المخاطبة بين رئيس الحكومة والوزراء ختمت بالطلب من وزير الدفاع وبالسرعة القصوى رفع الاقتراحات اللازمة بالنسبة لتفادي الشغور،” بما من شأنه تأمين الاستقرار المنشود في الجيش، لا سيما في مركز القيادة، بعيدا من الجدل القانوني وما يرافقه من نقاشات وآراء فقهية”. كما لفت الى أن الرسالة “ذُيلت بأن نسخة منها أرسلت إلى وزير العدل بصفته وزيرا للدفاع الوطني بالوكالة، وهو امر غير مألوف وملتبس، فضلا عن انه يخالف الدستور، لا سيما أن وزير الدفاع يمارس مسؤوليته الوزارية، وليس خارج البلاد. كما ارسلت نسخة الى قيادة الجيش علما بأنها غير معنية برفع الاقتراحات المذكورة إلى مقام مجلس الوزراء”. وقال ان نقاشه في السرايا مع رئيس الحكومة “لم يسفر عن اي نتيجة خصوصا لجهة الاسباب التي دفعته الى توجيه هذه المراسلة المستغربة مضمونا واسلوبا. وعليه، غادر وزير الدفاع السرايا من دون ان يشارك في اللقاء التشاوري”.
لقاء بنشعي
وبدا لافتا ان ملف شغور منصب قائد الجيش واحتمال التمديد له صار متقدما في الأولويات بدليل انه اخذ حيزا من لقاء رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية والنائب جبران باسيل في بنشعي عصر امس. اذ ان فرنجية قال بوضوح “نحن ضد التمديد لقائد الجيش وضد التعيين بغياب رئيس الجمهورية وننتظر أي صيغة ممكن ان تؤمن استمرارية المرفق العام العسكري على غرار ما حصل في المؤسسات الأخرى”. وقال بعد لقائه وباسيل الذي استمر ساعة “لبنان اهم من الرئاسة ونحن تحدثنا بموضوع البلد ونحن متفاهمون بنسبة كبيرة”، وقال:”اكدنا حرصنا على البلد، والمقاومة اظهرت حرصا على لبنان ولا استطيع المزايدة على المقاومة في هذا الموضوع، ونحن لا نحرص على لبنان أكثر من حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عليه، وباسيل معنا، ويجب العمل لدرء الانقسام، والواقع يقترب من التمنيات، وما يحدث في فلسطين وغزة جريمة بحث الانسانية”.
من جهته اشار باسيل الى ان “هناك تفاهما كبيرا على مختلف الأفكار التي تم عرضها حول كيفية الالتقاء في مواجهة خطر الحرب والتوحّد في العمل واعادة الانتظام الى المؤسسات”، وقال: “سعيد بزيارة رئيس تيار المردة، وفي هذه الظروف نتخطى الحواجز، ولقيت تجاوبا مع الأفكار التي طرحتها” . ويشار الى باسيل اختتم جولته من دون ان تشمل أيا من قادة المعارضة .
الـ 1701 والوضع الميداني
اما في المواقف السياسية التي تتصل بالوضع الميداني الذي تشهده الحدود الجنوبية فكان ابرزها امس دعوة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رئيسي المجلس والحكومة الى ترجمة موقفيهما من احترام لبنان لقرارات الشرعية الدولية . وقال جعجع “صرّح كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مرات عديدة بأنّ لبنان يحترم قرارات الشرعيّة الدوليّة، ولا سيما القرار 1701، فإذا كانا جادَّين بهذا الموقف عليهما أن يطلبا إذًا، من الجيش اللبناني الانتشار في منطقة عمل القوات الدولية، كذلك دعوة بقية المسلحين، سواء كانوا لبنانيين أم فلسطينيين إلى الانسحاب من هذه المنطقة”..
ووسط استمرار المواجهات الميدانية ولو انها شهدت انحسارا نسبيا وزع “حزب الله” خبر استقبال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري.
واحتدمت الاشتباكات على الحدود الجنوبية بعد الظهر حيث سجل اطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية ورد الجيش الإسرائيلي بقذائف مدفعية على منطقة هورا الواقعة بين ديرميماس وكفركلا.وتسبب القصف الاسرائيلي على أطراف بلدة دير ميماس بأضرار جسيمة بالسيارات والممتلكات والمنازل. وأعلن “حزب الله” انه استهدف دبابة إسرائيليّة في ثكنة أفيفيم، بالصواريخ الموجّهة وأنّه “أوقع أفراد طاقمها بين قتيل وجريح”.وافاد الجيش الإسرائيلي عن سقوط 4 قذائف أطلقت من الأراضي اللبنانية في مناطق مفتوحة بالجليل الأعلى. واشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي الى ان الجيش يهاجم الأراضي اللبنانية ردا على قصف مستوطنة كريات شمونة. كما افيد عن سقوط قذيفة دخانية اطلقها الجيش الاسرائيلي على جدار مقر قيادة اليونيفيل في رأس الناقورة، كما استهدف بالقنابل الفوسفورية منطقة المشيرفة واللبونة. وعصرا، تعرض مثلث طيرحرفا شيحن الجبين لقصف مدفعي اسرائيلي عنيف، حيث سقطت القذائف بالقرب ما احد اعمدة الارسال الهوائية.الى ذلك، استهدف “حزب الله” لليوم الثاني موقع جل العلم المواجه للناقورة. على الاثرتجدد القصف المدفعي الإسرائيلي على أطراف بلدة راميا مع تحليق كثيف للطيران الحربي. كما استهدف الحزب ثكنة افيفيم بصاروخ موجه، الا ان الجيش الإسرائيلي اشار الى ان الصاروخ الذي أطلق من لبنان على دبابة في أفيفيم لم توقع إصابات وقد ردت مدفعيته على مصدر إطلاق النار.