أثناء حضوره قمة تغيّر المناخ في دبي، نهاية الشهر الماضي، تبلّغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في لقاءات جمعته مع مسؤولين أجانب وعرب، ما سمعه وزير خارجيته عبدالله بوحبيب أثناء جولته الأوروبية قبل ذلك بأيام، ومفاده أن إسرائيل تواجه معضلة في إقناع المستوطنين بالعودة إلى المستوطنات على الحدود مع لبنان ما دام حزب الله موجوداً على الحدود، وأن الترتيب الذي كان قائماً قبل السابع من تشرين الأول الماضي لم يعد صالحاً بعده، وبات مطلوباً وضع قواعد اشتباك جديدة عبر تنفيذ القرار 1701 ولو بقوة الفصل السابع أو إدخال تعديلات عليه.هذه الرسائل الإسرائيلية نفسها تولّى موفدون غربيون حملها إلى لبنان مع اقتراحات بإنشاء منطقة عازلة لإبعاد حزب الله، وتحديداً قوة النخبة فيه (قوة الرضوان) من منطقة جنوب الليطاني. وتولّت باريس الترويج لهذه الصيغة، نيابة عن الغرب وإسرائيل، عبر موفدَيها، المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ومدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه الذي وصل إلى بيروت قبلَ يومين في زيارة لم يُعلن عنها، والتقى خلالها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.
مصادر مطّلعة أكّدت أن إيمييه وصل إلى بيروت «قادماً من تل أبيب»، وأنه، كلودريان، ركّز في لقاءاته على «وضع الجبهة الجنوبية وضرورة عدم التصعيد وتحييد لبنان عن الأحداث في غزة»، مكرّراً التهويل الفرنسي من مخاطر التصعيد على لبنان ومن ردة الفعل الإسرائيلية. وتزامنت زيارة إيمييه مع تسريبات في الإعلام العبري عن وصول «وفد فرنسي يضمّ دبلوماسيين ومسؤولين رفيعي المستوى في الجيش الفرنسي إلى إسرائيل الأسبوع الجاري»، وأن «باريس تحاول التوصل إلى حل دبلوماسي في ما يتعلق بالحدود الشمالية مع لبنان». وذكرت القناة 13 الإسرائيلية أن الوفد سيلتقي مسؤولين في وزارتَي الخارجية والأمن، وأن «المسؤولين في إسرائيل أبلغوا الفرنسيين والأميركيين باستعدادهم للقيام بخطوة سياسية من شأنها تجنُّب الحاجة إلى بدء حملة في الشمال قريباً»، لكنهم نبّهوا إلى أن «فرص ذلك بدأت تنفد، وليس لدينا كل الوقت». كما تزامن مع كلام للرئيس ميقاتي خلال لقائه أعضاء السلك القنصلي في لبنان، وأشار فيه إلى أنه «في الأشهر المقبلة، ستجري مفاوضات عبر الأمم المتحدة من أجل المزيد من الاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بدءاً باستكمال تنفيذ القرار 1701 وصولاً الى الاتفاق، عبر الأمم المتحدة، على النقاط الخلافية الحدودية مع العدو الإسرائيلي».
ولفت إلى أن «هذا الموضوع يأخذ حيزاً أساسياً بهدف تجنيب لبنان حرباً لا نعلم إلى أين ستنتهي. ونأمل أن نصل في الأشهر الثلاثة المقبلة إلى مرحلة استقرار كامل على حدودنا».
وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية لـ«الأخبار» إن «أي تعديل للقرار 1701 يتطلّب سياقاً للوصول إليه»، إما «على الساخن عبر تصعيد يفرض مثل هذا التعديل»، من دون استبعاد أن يكون ذلك من ضمن الحرب النفسية التي تشنّها إسرائيل، وإما «على البارد عبر اقتراحات دبلوماسية قد تصل إلى حدّ طرح الانسحاب من مناطق لبنانية محتلة وحل مسألة النقاط الحدودية المتنازع عليها مع لبنان»، مذكّرة بالزيارة المفاجئة للمبعوث الأميركي عاموس هوكشتين لبيروت الشهر الماضي.
إيمييه والتمديد
ورغم أن الجبهة الجنوبية والحرب على غزة والتطورات المتصلة بها في المنطقة، أخذت الحيز الأكبر في مداولات إيمييه، إلا أن ذلك لم يحل دون تناول مدير المخابرات الفرنسية ملف التمديد لقائد الجيش عشية انتهاء ولايته. وقالت مصادر نيابية إن «القوى السياسية لم تنجح حتى الآن في التوصل إلى اتفاق بشأن الحل»، مع التأكيد أن بري «سيدعو قريباً إلى جلسة تشريعية، يتضمّن جدول أعمالها نحو 30 بنداً، مع ترجيحات أن يعقدها على مدى ثلاثة أيام». علماً أن «بري الذي أكّد عدم ممانعته للتمديد ولا لتعيين قائد جديد للجيش، كان يفضّل أن تأخذ الحكومة هذا الأمر على عاتقها، بينما لا يزال ميقاتي رافضاً لذلك».