كتبت صحيفة “الأخبار”: بعد ستة أشهر من الحرب، واتضاح المؤشرات إلى نتائجها المتوقّعة على كلّ الجبهات، لم يعد الحديث عن فشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المعلنة مجرد تقدير، بل حقيقة قائمة يقرّ بها الإسرائيلي نفسه. وهذا المفهوم ينسحب على جبهة لبنان وبقية جبهات الإسناد، رغم أن البعض في لبنان يحاول أن ينسب إلى العدو ما لا يدّعيه من انتصارات، مستدلاً بتفوقه التكنولوجي والعملياتي الذي يمكّنه من تحقيق إنجازات تكتيكية غير مفاجئة، ومتجاهلاً النتائج الاستراتيجية للمعركة. وهذا أمر لطالما كرَّره معادو المقاومة في كل المراحل، ولم يحل دون التحرير في عام 2000، ولا الانتصار في عام 2006.
حزب الله، ومعه بقية جبهات الإسناد، بحسب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، انطلقوا في خياراتهم العملياتية إسناداً لغزة من “رؤية نصر واضحة وبيّنة ومشرقة وآتية”، على خلاف حملات التشكيك والتوهين التي شنّها أعداء المقاومة، متغافلين عن أن تقديم الشهداء والتضحيات نتيجة طبيعية ومتوقّعة في مواجهة عدو يتفوق في التكنولوجيا والقدرات التدميرية ويحظى بدعم أميركي مطلق.
رغم ذلك، لم يحقّق الإسرائيلي الإنجازات الاستراتيجية التي كان يتوقعها منه الأميركي في الساحتين اللبنانية والفلسطينية. ولذلك، كان ولا يزال متوقعاً، عاجلاً أم آجلاً، أن يؤدي هذا الفشل إلى انفضاض الإجماع الإسرائيلي حول الحرب وإلى تبدل في موقف واشنطن التي كانت شريكاً تاماً فيها، في ظل تداعياتها على الداخل الأميركي وتقديراته لمخاطر تورط الإسرائيلي في مستنقع غزة على الخطط الأميركية في المنطقة، رغم أن الاعتبارات السياسية والشخصية لنتنياهو وحكومته، فضلاً عن تقديرهما لمخاطر الإقرار بالفشل وبمحدودية قوة الجيش في مواجهة مقاومة محاصرة منذ أكثر من 15 عاماً، ساهمت في تأخير تداعيات الحرب بصورة حادة حتى الآن على الداخل الإسرائيلي.
لذلك فإن الأميركي، لاعتبارات متعددة، أسرع نضوجاً لتبني قرار وقف الحرب، بشكل أو بآخر، كونه لا يستطيع انتظار حصول تحولات سياسية وشعبية واسعة داخل الكيان الإسرائيلي تحتاج إلى مزيد من الوقت. وضمن هذا الإطار، يمكن إدراج موقف السيد نصرالله بالتعبير عن اعتقاده بأن “الأميركي سيصل إلى هذه النقطة، وهو أمر باتت مؤشراته جلية مع المواقف الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه دونالد ترامب.
أمام هذه التحولات، يصبح مطلب الصمود والثبات آكدَ في مرحلة ما قبل قطف الثمار، كما أكّد الأمين العام لحزب الله. لكن في مثل هذه المحطات التي يكون فيها العدو أمام مفترق حاسم، عادة ما يعلو سقف التهديدات. إلا أن العدو اختار أن يندفع إلى الأمام بهدف تغيير المعادلة من بوابة استهداف القنصلية الإيرانية والتأسيس لمعادلات جديدة، ولذلك وصفه السيد نصرالله بأنه حدث “مفصلي”. لكنّ المفاجأة التي يبدو أن قيادة العدو لم تحسب لها حساباً هي قرار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي بصفعة مضادة تدفعه إلى الندم، ما سيدفع بالتطورات في مسار مختلف عما يأمله الإسرائيلي ويراهن عليه.
في موازاة ذلك، يلاحظ أن الصراخ لا يقتصر فقط على الإسرائيلي، بل يشمل أعداء المقاومة في الداخل اللبناني الذين بدأ بعضهم التشكيك في جدوى المقاومة وإنجازاتها. ومن ضمن هذه الإنجازات المتصلة بلبنان ومقاومته، تبديد رهانات العدو على إمكانية إخضاع لبنان ومقاومته بالتهويل على وقع الحرب التدميرية في غزة، ونجاح المقاومة في فرض وقائع ميدانية في شمال فلسطين المحتلة، بكل ما تحمله من أبعاد ومفاعيل ردعية وعملياتية. إضافة إلى نجاحها في ردع العدو عن شن حرب على لبنان حتى الآن، وصولاً إلى فرض معادلة حماية المدنيين، باستثناء حالات محدَّدة ردّ عليها حزب الله. ويكفي استحضار حقيقة أن لبنان يخوض معركة منذ ستة أشهر فيما غالبية المناطق اللبنانية مُحيَّدة، بل إن معظم الجنوب لا يزال سكانه فيه. ويُضاف إلى كل ما تقدّم اكتشاف العدو بشكل ملموس مدى تصميم حزب الله على مواجهة أي عدوان أياً تكن التضحيات.
كل ذلك، سيكون حاضراً لدى العدو في المرحلة التي تلي الحرب، والتي حدَّد السيد نصرالله أبرز معالمها، بأنها ستُعزز “قوة لبنان… وموازين الردع في لبنان…”، مشيراً إلى موضوع النفط والغاز “المبوكل”، ولافتاً إلى أن “هذا الموضوع بحاجة إلى علاج بكل الأحوال” بالاستناد إلى إنجازات المقاومة. وبالاستناد إلى هذه الإنجازات أيضاً، وصف نصرالله ما يطرحه العدو لجنوب الليطاني، بأنه “كلام فارغ” انطلاقاً من أن “الوقائع ونتائج الحرب هي التي ستفرض النتائج ولبنان في موقع القوة”، وهو موقف صريح وحاسم بالحفاظ على حضور المقاومة – بغضّ النظر عن الشكل والصورة – في جنوب الليطاني.
إلى ذلك الحين، استجدّ متغيّر الرد الإيراني الذي من الواضح أنه سيُعيد إنتاج المشهد الإقليمي لتصبح صورته أكثر ملاءمة مع حقيقة الوقائع، ويُبدِّد الكثير من التصورات الخاطئة والمُضلّلة، وهو مستجدّ يفرض بحسب الأمين العام لحزب الله، على الجميع “أن يحضّر نفسه وأن يرتّب أموره وأن يحتاط بالحد الأدنى”. إلا أنه كان صريحاً في تفاؤله وكون ما أقدم عليه العدو هو “حماقة” ستفتح “باباً للفرج الكبير، لِحسم هذه المعركة والانتهاء منها قريباً”.