كتبت صحيفة “الديار”: تظّهر «النفاق» السياسي اللبناني في ابهى صوره بالامس، مع تأجيل جديد للاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري في مجلس النواب، حيث تبادلت القوى السياسية المؤيدة والمعارضة والمقاطعة الادوار، فمن مدد حاول في مسرحية مكررة ومملة تقديم الحجج والاعذار الموجبة لهذا التمديد، ومن عارض وقاطع لعب دوره بنجاح كمنافق «خبيث» عبر اتهام الفريق الآخر بنحر «الديموقراطية» اللبنانية، موحيا انه كان يسعى بكل طاقته لانجاز الاستحقاق، لكن «للأسف» ثمة من يريد الهروب من اختبار الارادة الشعبية، وقد ضيع على اللبنانيين الفرصة؟! مشهد مخجل يكشف مرة جديدة الاسباب الواقعية للانهيار الشامل الذي تعيشه البلاد، على وقع مزايدات لا «تثمن ولا تغني عن جوع»، فيما الملفات الاكثر خطورة واهمية تبقى معلقة على شماعة الحسابات الضيقة، وانتظار التسويات الكبرى التي باتت مرتبطة حكما بالحرب على غزة، التي باتت المعبر الرئيسي لرسم خريطة المنطقة.
«ورقة» رفح!
ومع دخول الحرب منعطفا جديدا عنوانه اجتياح رفح المرتقب، ولان حلفاء «اسرائيل» يريدون تخفيف الضغط عنها، يستخدمون من جهة هذه «الورقة» لمحاولة الضغط على حركة حماس لفرض صفقة الاسرى، ومن جهة ثانية يحاولون ممارسة الضغط على حزب الله لوقف «نزيف الشمال»، ولهذا ازدادت الضغوط الدولية والاقليمية على لبنان، في محاولة لفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، من خلال تهويل اميركي عبر القنوات الديبلوماسية البعيدة عن الاضواء، فيما يتولى الفرنسيون نقل التهديدات تحت عنوان الحرص على لبنان، وعدم الرغبة في تكرار مشهد غزة في بيروت.
وفي هذا السياق، تاتي زيارة وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه نهاية الاسبوع، حيث سيحمل معه معطيات تفيد بان «اسرائيل» تستعد لحرب موسعة على الجبهة اللبنانية بعد الانتهاء من عملية رفح، وهي معلومات تتقاطع مع تسريبات «اسرائيلية» مشابهة تتحدث ايضا عن مرحلة ثالثة ستكون ساحتها طهران، علما ان بعض اصحاب «العقول الهادئة» في «اسرائيل»، كشفت عن عدم وجود جهوزية عملانية للجيش «الاسرائيلي» لخوض حرب مع حزب الله بعد منازلة استمرت 6 اشهر، وتعتبر ان اي مغامرة ستكون مكلفة وستتحول الى «فيتنام اسرائيل».
تسريبات «اسرائيلية»؟
وفي هذا السياق، تعاملت حكومة الاحتلال الإسرائيليّ مع مصادقة الرئيس الأميركيّ جو بايدن على رزمة المساعدات المالية الاخيرة، باعتبارها «ضوءا أخضر» ليس لشنّ الهجوم فقط على مدينة رفح في غزّة، بل على جبهات القتال الاخرى، ولكن ضمن اولويات متفق عليها مع واشنطن. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «هآرتس الاسرائيلية» عن وزيرٍ رفيعٍ في حكومة بنيامين نتنياهو تأكيده ان الخطّة «الإسرائيليّة» تقوم على ثلاث مراحل: أولاً تنفيذ الهجوم على رفح، وبعد ذلك شنّ هجوم على حزب الله ، أمّا المرحلة الثالثة من الخطة فتقضي بالرد بهجوم كبير على إيران.
«اسرائيل» غير جاهزة للحرب
في المقابل، تحدث اكثر من مصدر امني «اسرائيلي» في الاحتياط لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، ان المواجهات خلال الاشهر الـ 6 الماضية بيّنت ان الجيش «الاسرائيلي» لم يستعد بما يكفي لمواجهة حزب الله . ووفقا لتلك الاوساط، زاد حزب الله منذ حرب لبنان الثانية عام 2006 من قدرته على إلحاق الضرر بـ «إسرائيل، وإلحاق ضرر جسيم بـ «الإسرائيليين». فخلال الحرب الأهلية في سوريا، قاتل حزب الله إلى جانب النظام واكتسب خبرة كبيرة يفتقر إليها العديد من جنود الجيش «الإسرائيلي»، ورفضوا تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي يلزمهم بالتواجد شمال نهر الليطاني. وبدلاً من ذلك أقاموا مواقع في جنوب لبنان، من شأنها مراقبة حركة الجيش «الإسرائيلي».
ولفتت «تايمز اوف اسرائيل» الى ان وحدة قوات الرضوان الخاصة في حزب الله، يمكنها أن تنافس قوات النخبة في الجيش «الإسرائيلي» . وقالت» لقد كان كل جنرال في الجيش «الإسرائيلي» على علم بالخطر الذي يشكله حزب الله على «إسرائيل» منذ سنوات. وكان الجنرال السابق إسحق بريك يحذر من الكيفية التي يمكن بها لحزب الله اختراق دفاعات «إسرائيل»، وفعل أكثر مما فعلته حماس بمقدار عشرة أضعاف، وهو قادر على اطلاق ثلاثة آلاف صاروخ وطائرة بدون طيار على «إسرائيل» كل يوم، يمكن أن تعطل نظام القبة الحديدية وتتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا يصل إلى مائة ألف. وعلى عكس حزب الله، فإن الجيش «الإسرائيلي» متأخر بعقد من الزمن عن حزب الله في استعداده للهجوم. وهم لا يستطيعون بأي حال من الأحوال في هذه اللحظة اجتياح جنوب لبنان فعلياً، دون التورط في حرب ستكون مشابهة للحرب الأميركية في فيتنام».
تبدل الاولويات.. وعقوبات ؟!
هذه التسريبات الامنية تتزامن مع تبدل واضح في الاهتمامات الدولية، حيث احتل الموضوع الامني صدارة المشهد لبنانيا، بعدما ظهر من حراك سفراء «الخماسية» صعوبة في الوصول الى تفاهم على اجراء الانتخابات الرئاسية. وباتت الاولية التي توليها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا هي تطبيق القرار1701 ، وارساء الاستقرار على الحدود الجنوبية . الموضوع الذي كان محور لقاءات رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون في باريس مع المسؤولين، وعلى رأسهم الرئيس ايمانويل ماكرون الذي يرسل وزير خارجيته الى المنطقة ولبنان نهاية الاسبوع الحالي، وهو لن يحمل جديدا بحسب اوساط مطلعة، بعدما نقل ميقاتي الاجواء الفرنسية الى الرئيس نبيه بري ومن خلاله الى حزب الله، وفيها كلام عالي السقف عن خطر جدي وحقيقي يهدد الساحة اللبنانية، خصوصا ان المناخات الاميركية باتت اكثر تشاؤما ازاء امكانية منع حكومة نتانياهو من تنفيذ ضربة قاسية الى لبنان وحزب الله اذا لم يقتنع بفصل جبهتي الجنوب وغزة، في ظل انعدام قدرة باريس على التأثير في الموقف «الاسرائيلي».
ولهذا حث الفرنسيون ميقاتي على اقناع بري للتأثير على حزب الله للسير بالخطة الفرنسية الموضوعة على «الطاولة» لوقف تدهور الاوضاع، وكبح جماح «المتطرفين» في حكومة «اسرائيل». اما الجديد فكلام فرنسي عن عقوبات اميركية- اوروبية على مسؤولين لبنانيين اذا لم تصل الامور الى خواتيمها السعيدة في الملفات العالقة جنوبا ، وكذلك رئاسيا؟!
حزب الله متمسك «بوحدة الساحات»
ووفقا لاوساط وزارية، نقل ميقاتي الأجواء السلبية إلى المعنيين في حزب الله، وطالب من بري ان يكون الجواب جاهزا نهاية الاسبوع لابلاغه لوزير الخارجية الفرنسية، خصوصا ان هوكشتاين سبق وابلغه انه لن يزور بيروت الا اذا حصل على ضمانة حول القبول بوقف النار جنوبا دون ربطها بغزة. لكن موقف المقاومة لم يتأخر وابلغ ميقاتي وبري انه لن يخضع لحملة التهويل الجديدة ومساندة غزة من جنوب لبنان لن يتوقف، وباتت المقاومة اليوم مستعدة لمواجهة أي محاولة لتوسيع الجبهة، وقد ترك لبري إدارة الاتصالات على قاعدة عدم السماح باستفراد غزة، في وقت يهدد العدو بجولة جديدة في رفح. اما الخطة الفرنسية، فليست قابلة للتطبيق الآن لاشتراطها وقف النار اولا، اما باقي النقاط فهي تشبه كثيرا ما تم الاتفاق عليه مع الاميركيين خلال زيارة عاموس هوكشتاين الى بيروت، وستكون قابلة للتبلور بعد وقف الحرب على غزة، ولبنان منفتح على اي نقاش يمكن ان يحرر اراضيه، ويضرب دولة الاحتلال جوا وبرا وبحرا. ولهذا سيتم ابلاغ وزير الخارجية الفرنسية ان المشكلة في طرح باريس لتسوية تتم على ثلاث مراحل هو التوقيت لا المضمون.
«اكاذيب» غالانت
في هذا الوقت، نفى مصدر في حزب الله في حديث لوكالة «الصحافة الفرنسية»، اكاذيب وزير الحرب «الاسرائيلي» يوآف غالانت بعد ادعائه القضاء على نصف قادة حزب الله في الجنوب، واشارالمصدر الى ان من استشهدوا من القيادات لم يتعدوا اصابع اليد الواحدة، وكلامه يأتي في اطار رفع معنويات جيشه المنهارة.
ميدانيا، رد حزب الله على الغارات الجوية على علما الشعب، باستهداف مقر «عين مرغليوت» للمدفعية شمالي «إسرائيل» بمسيرة، كما استهدف موقع زبدين في مزارع شبع المحتلة بـ7 صواريخ، وكان طيران العدو نفذ غارة على حي الحميض شرق بلدة علما الشعب، وقد تسببت الغارة بوقوع أضرار جسيمة في الحي.
حرق الاحراج
في غضون ذلك، نجا فريق تابع لفوج إطفاء اتحاد بلديات بنت جبيل، بعدما استهدفهم الطيران «الإسرائيلي» خلال إخماد النيران في حرج يارون، بعد تعرضه لقصف بالقذائف الفوسفورية والضوئية، بنية حرق المساحات الحرجية في المنطقة.. كما استهدفت غارة «اسرائيلية» عبر طائرة مسيّرة صباح امس، شاحنة لنقل المحروقات في سهل بلدة دورس قرب بعلبك، ما أدى إلى إصابة السائق بجروح، وإلحاق أضرار بالشاحنة والصهريج، فيما سقط الصاروخ في ساتر ترابي بمحاذاة الطريق.
كما سجل قصف مدفعي متقطع على اطراف بلدات الناقورة وعلما الشعب وطيرحرفا والضهيرة. كما شن الطيران المعادي غارة استهدفت المنطقة الواقعة ما بين بلدتي علما الشعب والناقورة.
لقاء ايجابي في «كليمنصو»
في غضون ذلك، حضر ملف الجبهة الجنوبية خلال لقاء الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، في كليمنصو، مع وفد من حزب الله ضم كل من المعاون السياسي لأمين عام حزب الله حسين الخليل ومسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا، بحضور النائبين وائل أبو فاعور وهادي أبو الحسن، وقد جرى خلال اللقاء البحث في آخر المستجدات السياسية المحلية والإقليمية، لا سيما التطورات الميدانية في الجنوب واستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان.
ووفقا لمصادر مطلعة، كان اللقاء ايجابيا وبناء، سمع جنبلاط اشادة من قبل وفد الحزب ازاء مواقفه ومواقف الحزب «الاشتراكي» مما يحصل في فلسطين وفي الجنوب، وجرى مناقشة مسار الحرب وانعكاساتها على المنطقة ولبنان. وفيما ابدى جنبلاط مخاوفه من احتمال قيام الحكومة «الاسرائيلية «المتطرفة من مغامرة على الجبهة الجنوبية، طمأنه الوفد الى وجود جهوزية عالية لدى المقاومة قادرة اولا على ردعه عن احتمال التوسيع، اما اذا حصل ذلك فثمة استعدادات منجزة لتدفيعه ثمنا باهظا.
«مسرحية» الانتخابات البلدية
وفيما لا تزال الاتصالات في شأن الانتخابات الرئاسية عقيمة، جرى تأجيل الانتخابات البلدية للمرة الثانية في مجلس النواب، الذي عقد جلسة عامة تشريعية خصصت لدراسة إقتراحي القانونين المعجلين المكررين- إقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تمديد ولاية المجالس البلدية والإختيارية القائمة حتى تاريخ أقصاه 31/5/2025 المقدم من النائب جهاد الصمد، وإقتراح قانون معجل مكرر يرمي الى تحديد القانون الواجب التطبيق على المتطوعين المثبتين في الدفاع المدني، وقد تم اقرارهما بغالبية النواب الحاضرين، حيث تأمن النصاب على نحو خاص، بحضور تكتل «لبنان القوي»، وكتلتي «التنمية والتحرير» و»الوفاء للمقاومة» وتكتل «لبنان الجديد» وتكتل «الاعتدال الوطني».
واثر الجلسة التي اقرت القانونين، أعلن الامين لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية اضافة بند جديد الى جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد في الرابعة من عصر اليوم في السرايا الحكومية، يرمي الى اصدار القانونين اللذين اقرهما مجلس النواب ، وذلك وكالة عن رئيس الجمهورية.
حضروا وانسحبوا..وامتنعوا!
وأعلن النواب نجاة صليبا، بولا يعقوبيان، ياسين ياسين، ابراهيم منيمنة، فراس حمدان وملحم خلف انسحابهم من الجلسة التشريعية، معتبرين أنها غير دستورية. وصوت نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ضد قانون التمديد بشكله الحالي، انسجاما مع ما قدمه من اقتراح العام الماضي لتمديد تقني فقط لثلاثة اشهر. ايضا، صوتت النائبة سينتيا زرازير والنائبة حليمة قعقور وتكتل «لبنان الجديد» وجميل السيد ضد قانون التمديد. اما تكتل «الاعتدال» فامتنع عن التصويت على قانون التمديد.
تبرير باسيل؟
بعد الجلسة، برر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من مجلس النواب التمديد وقال: «كنا أمام خيارين إما الفراغ وإما الذهاب إلى انتخابات لن تحصل». أضاف «لا نستطيع أن نحمل وزير الداخلية المسؤولية كاملة، لانه يعتبر أن لا جو سياسيًا في البلد يسمح بإجراء الانتخابات». وقال:»تأكدنا أنه على المستوى المالي لم تصرف السلف ، وعلى الصعيد اللوجستي لم توزع لوائح الشطب ولم يجهز أي عمل مركزي لإنجاز الانتخابات». وختم : «كنّا ذاهبين إلى الفراغ، وأي كلام عكس ذلك يعني التهرب من المسؤولية».
«وطعنة» جعجع!
في المقابل، حاول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الايحاء بوجود رغبة لدى «القوات» بحصول الانتخابات، علما ان شيئا عمليا لم يوح بوجود تلك النية، وقال ان ما حصل «طعنة» من جديد يوجهها محور الممانعة و»التيار الوطني الحر» للديموقراطية في لبنان، ولحقّ الناس في اختيار ممثليهم، ولقيام المؤسسات العامة وحسن سير العمل في هذه المؤسسات». واعتبر عبر منصة «إكس»: ان الحجة الواهية التي ساقها هؤلاء لإقرار التمديد الثالث للمجالس البلدية والاختيارية لا تستقيم، فقد تحججوا بوجود عمليات عسكرية في بعض مناطق الجنوب من أجل تأجيلها في لبنان كله، فيما وزارة التربية أقرّت الامتحانات في لبنان كله واستثنت المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، وهذا الاستثناء ليس جديدا!
مسؤولية المعارضة؟
الا ان النائب أديب عبد المسيح كتب عبر منصة «اكس»: «اسمحوا لي ان اسجل نقدا ذاتيا، نحن كقوى معارضة شاركنا بشكل غير مباشر بالتمديد للبلديات، القوى السياسية سلمت للأمر الواقع ولم تتخذ إجراءات جدية لمساعدة وزير الداخلية حينما دعا الهيئات الناخبة، لم يشهد مثلا قضاء الكورة أي ترشيح، وبالتالي لم نقم بحملة جدية على الأرض لمنع التمديد، بل سلمنا أمرنا للبيانات الصحفية».