كتبت صحيفة “النهار”: لم يكن مفاجئاً للبنان الرسمي ولا السياسي ولا الشعبي أن يتصادم مجدداً الموقف اللبناني شبه الاجماعي الوحيد حول مواجهة الخطر الوجودي للنازحين السوريين مع الموقف الأوروبي المتمثل في مؤتمر بروكسيل حول ازمة النازحين، إذ على رغم ارتفاع نبرة التعبير اللبناني بوجهيه الرسمي والسياسي – الشعبي لم يتبدل شيء في الاستراتيجية الأوروبية حيال الملف. ومع ذلك، فإن التظاهرة الرسمية والسياسية اللبنانية التي شهدتها امس بروكسيل تركت دلالات يصعب تجاهلها ومن شأنها ان تشكل مؤشراً الى تصعيد مطرّد ومتواصل واشد حدة في الصراع اللبناني – الأوروبي – الدولي اذا صح التعبير حول الاخطار الكارثية للنازحين السوريين قد تدفع بلبنان قدماً الى تصليب وتحصين الخطة الذاتية التي تعني التشدد غير المسبوق في الإجراءات والتدابير والخطوات الآيلة الى مواجهة واقع النازحين غير الشرعيين والعمل على إعادتهم بقوة القانون اللبناني أولاً وأخيراً.
وقد شهدت بروكسيل أمس تعبيراً لافتاً لجهة ملاقاة الخطاب الرسمي للنبض الاحتجاجي الذي واكب المؤتمر عبر تجمعات المعتصمين والمحتجين من الأحزاب المسيحية الأساسية “القوات اللبنانية ” و”التيار الوطني الحر” مع مجموعات اغترابية، فيما تميزت كلمة الحكومة اللبنانية المتبنية للتوصية النيابية أيضاً برفع نبرة التحذيرات من خطورة انهيار الهيكل اللبناني وتمدّد الانفجار الى الجوار والى أوروبا تحديداً.
مع ذلك تعهد الاتحاد الأوروبي بأكثر من ملياري يورو (2.17 مليار دولار) لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة ورفض أي حديث عن عودة محتملة للاجئين إلى وطنهم “لأن ظروف العودة الطوعية والآمنة ليست مهيأة”. وقال مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، “لكن التزامنا لا يمكن أن ينتهي بالتعهدات المالية وحدها”، وأضاف “على الرغم من الافتقار إلى تقدم في الآونة الأخيرة، لا بد من أن نعيد مضاعفة جهودنا لإيجاد حل سياسي للصراع، حل يدعم تطلعات الشعب السوري لمستقبل سلمي وديموقراطي”.
وتظاهرت مجموعات من الانتشار اللبناني بمشاركة عضوي “كتلة الجمهورية القوية” النائبين بيار بو عاصي والياس اسطفان أمام قصر العدل في بروكسيل قبيل انعقاد مؤتمر النازحين السوريين، للمطالبة بعدم إبقاء السوريين في لبنان. وحمل المتظاهرون لافتات “ندّدت بتداعيات هذا الوجود غير الشرعي في لبنان على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن سيادة البلد وهويته”. كما نظم “التيار الوطني الحر” في بلجيكا بالتعاون مع المجلس الوطني في اوروبا تحركاً بمشاركة نائب رئيس التيار للعلاقات مع الاحزاب الخارجية ناجي حايك. ورفع المشاركون على تنوعهم الاعلام اللبنانية مشددين على “دعم الانتشار اللبناني لوطنهم لبنان في مواجهة ازمة النزوح التي رتبت على لبنان اعباء ضخمة لا سيما اقتصادياً منذ العام 2011″، وطالبوا المجتمع الدولي والاتحاد الاوروبي بـ”الضغط في سبيل حل هذه الازمة ودعم النازحين في بلادهم وليس في لبنان”.
الموقف الرسمي… والتشريعي
وفي كلمته المسهبة ممثلاً لبنان الرسمي خاطب وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب مؤتمر بروكسيل قائلاً: “نحمل إليكم هذا العام موقفاً لبنانياً جامعاً عبّر عنه مجلس النواب اللبناني بتوصيته الأخيرة للحكومة اللبنانية، عكست إجماعاً لبنانياً قل نظيره بأنّ لبنان، حكومةً وشعباً من كل الفئات، والمناطق، والطوائف، والأحزاب، قد وصل إلى نقطة اللاعودة لجهة تحمّل بقاء الأمور على حالها، والاستمرار بالسياسات المتبعة نفسها منذ أكثر من 13 عاما في ملف النزوح السوري”. أضاف: “جئنا اليوم لطرح حلول متوافقة مع القوانين اللبنانية والدولية وخارج نمط التفكير الذي ساد منذ بدء الأزمة في عام 2011. حلول مستدامة، تؤمن العودة على نطاق واسع للنازحين السوريين إلى بلدهم بكرامة وأمان. ومن تتعذر عودته لأسباب سياسية، ندعو لإعادة توطينه في دولة ثالثة، احتراماً لمبدأ القانون الدولي الإنساني بتقاسم الأعباء”.
ولفت بو حبيب الى أن “التحديات الأربعة، أي النزوح، والشغور الرئاسي، وعدم الاستقرار في الجنوب، وغياب الإصلاحات الاقتصادية، كلّ واحدة منها تغذي الأخرى، وتهدد بانفجار كبير يهدد أمننا، واستقرارنا الاجتماعي. إنّ الانفجار اللبناني، إن حصل، ستكون له ارتدادات سلبية على دول الجوار، ومنها دول أوروبية”.
وتابع: “لقد شهدت الأشهر الـ12 الأخيرة تبدلات جذرية على المستويين الداخلي اللبناني، والدولي. فداخلياً، وصلنا إلى نقطة اللاعودة بسبب تزايد الحوادث، والاضطرابات، والاحتكاكات، والسرقات، والجرائم، وعصابات الجريمة المنظمة، ومعظم أدواتها من النازحين السوريين، ما وحّد اللبنانيين. لقد وصلنا إلى إجماع لبناني بأنّ إبقاء الوضع على ما هو عليه سيشكل خطراً وجوديّاً على لبنان”. واعلن أننا “ندق ناقوس الخطر من باب حرصنا على التعاون معكم، فلبنان يخطو خطوات متسارعة نحو الانفجار الكبير، في حال استمرار سياسة شراء الوقت في موضوع النزوح. لقد تغيرت الأحوال بصورة جذرية في الداخل اللبناني، وتكاثرت التحديات والمشاكل، وشحّت الموارد، إقليمياً ودولياً. جئنا إليكم اليوم لانتهاز هذه الفرصة الأخيرة، قبل فوات الأوان، لوضع أسس لمقاربة مختلفة جذرياً ومستدامة لإعادة النازحين إلى ديارهم، وفصل السياسة عن النزوح قبل فوات الأوان، وانهيار الهيكل علينا وعليكم”.
وواكب هذه التطورات انعقاد جلسة للجنة المال والموازنة في بيروت برئاسة النائب ابراهيم كنعان اقرت اقتراح قانون تنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين في لبنان. واعلن كنعان “انجاز قانون تنظيم النازحين الداخلين بشكل غير شرعي خلال 3 أشهر، وطرحنا فرض عقوبات، ولا يحق للمخالفين تقديم طلب لجوء”. ولفت إلى أنه “يفترض طرح سلة تشريعات على طاولة جلسة تشريعية في اقرب فرصة لمعالجة الوجود السوري غير الشرعي الذي يؤثر على لبنان بكل المجالات”. وأوضح ان “كل نازح مخالف سيرحّل بعد ثلاثة اشهر من اعطائه فرصة تسوية اوضاعه فلبنان ليس أرضاً سائبة”.
التصعيد جنوباً
في غضون ذلك ظلت وتيرة التصعيد الميداني جنوباً على حالها اذ استهدفت غارة من مسيّرة إسرائيلية دراجة نارية قُرب مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل وأدت الغارة الى سقوط قتيل وعدد من الجرحى. كما أغار الطيران الحربي الإسرائيلي عصراً مستهدفاً وعلى دفعتين، منزلاً في محلة خلة مشتى في مدينة بنت جبيل. كما أغار مستهدفاً مبنى عند مفرق بلدة الطيري باتجاه صف الهوا – بنت جبيل ما ادى إلى تدميره.
وصعّد “حزب الله” ردوده معلناً استهداف مبنى يستخدمه الجنود في مستوطنة مرغليوت وشنّ هجوماً نارياً مركزاً على موقع المالكية بالصواريخ الموجهة وقذائف المدفعية استهدفت حاميته وتجهيزاته وتموضعات جنوده، كما ألقت المسيّرات الهجومية بقذائفها على أهداف داخل الموقع، واستهدف التجهيزات التجسسيّة المستحدثة في موقع مسكاف عام، كما شن هجوماً جوياً بمسيرات انقضاضية على قاعدة بيت هلل (مقر كتيبة السهل التابعة للواء 769) وتموضع منصات القبة الحديدية، فيما اعلن عصراً قصف مستوطنات ميرون وسفسوفة وتسفعون وكريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا.
وافاد الإعلام الإسرائيلي عن إستهداف قاعدة ميرون بأكثر من 50 صاروخا كما تم إطلاق صواريخ تجاه مستوطنة المطلة مستهدفاً أحد المباني.