كتبت صحيفة “الديار”: لن يوقف رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو حرب الابادة في غزة ولبنان طالما ان العالم يحتشد في مؤتمرات، ويشكل وفودا، ويتحرك دبلوماسيا، ويتمنى عليه بخجل وقف المجزرة المفتوحة، اذا اراد ذلك؟. فلماذا يتوقف اذا كان يخفي عن الجمهور الاسرائيلي حقيقة خسائر جيشه في قرى لبنان الحدودية وآخرها الكمائن القاتلة في عيتا الشعب؟ ولماذا يتوقف اذا لم يشعر حتى الان بان لارتكابات كيانه عواقب وخيمة في ظل خنوع غربي، وتواطؤ عربي، ودعم اميركي مفتوح في الزمان والمكان لتغيير الوقائع في الشرق الاوسط والذي لا يمر الا عبر ضرب ايران، حيث افادت قناة «كان» العبرية ان وزير الحرب يوآف غالانت، ورئيس الاركان هرتسي هاليفي، وقعا على خطة العداون بانتظار توقيع نتانياهو؟
ولهذا فان النفاق الاميركي الذي يقوده وزير الخارجية اليهودي انتوني بلينكن لم يعد ينطلي على احد ومن شاهد لغة الجسد المحبطة لوزير الخارجية القطري في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره الاميركي امس يدرك حقيقة الواقع المأساوي الذي تنزلق اليه المنطقة التي قررت بعض قواها الحرة والمقاومة ان لا تستسلم او ترفع «الراية البيضاء» من خلال رفع تكلفة هذه المغامرة على كيان الاحتلال لايصاله الى مرحلة اليأس من امكانية تحقيق اهدافه بانتظار تبريد «الرؤوس الحامية» في واشنطن وتل ابيب وفرض عليهما الاقرار بفشل المخطط القديم –الجديد قبل ان تدخل المنطقة بحرب شاملة حذر من مخاطر حصولها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تحرك دبلوماسيا فارسل وفدا الى «اسرائيل»، واستضافة موسكو وفدا من حركة حماس، في محاولة روسية لتبريد الاجواء والتوصل الى وقف للنار في لبنان وغزة، وسط تشكيك دبلوماسي في امكانية نجاح وساطته.
النهاية الصعبة؟
في هذا الوقت، اقر مؤتمر باريس بالامس مليار دولار كمساعدات للبنان وللجيش،وفيما يبقى التنفيذ رهنا بكيفية تسييلها، وبوقف الحرب، فقد كان لافتا المستوى الدبلوماسي المنخفض لواشنطن والرياض، وكذلك التوصيف الخاطىء للعدوان الاسرائيلي من قبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اعتبر ان ما يجري حرب الاخرين على الاراضي اللبنانية، متجاهلا رعونة نتانياهو وعدوانية جيشه، وذلك بعد ايام قليلة على توبيخه علنا من قبل رئيس حكومة العدو الذي اعتبر رئيس اركانه هارتسي هليفي امس انه بالامكان وقف الحرب على لبنان بعد اغتيال قادة حزب الله، دون ان يشرح متى؟ وكيف؟ ووفق اي شروط، لكنه اقر ان الصراع مع حزب الله قد يصل إلى «نهاية صعبة». وفيما اعتبرت مصادر مطلعة ان كلامه لا يعتد به، وهو مجرد بيع اوهام لضباطه وجنوده لطمانتهم بان هذه الحرب لن تكون طويلة، لفتت اوساط أخرى الى انه تصريح موجه الى القيادة السياسية بضرورة ايجاد مخرج دبلوماسي لهذه المواجهة المكلفة التي تتحول يوما بعد يوم الى غرق في الوحول اللبنانية.
ملحمة «عيتا الشعب»
ميدانيا، كبد مقاتلو النخبة في حزب الله جنود الاحتلال خسائر فادحة خلال الساعات القليلة الماضية،وكان الابرز امس سقوط عشرات الجرى من المستوطنين بعد قصف عنيف بالصواريخ النوعية تعرضت له عدة مستوطنات وخصوصا نهاريا، وصفد، وتسببت باحداث دمار كبير، وقد تحدثت وسائل اعلام العدو عن مقتل 8 جنود وسقوط عشرات الجرحى في مواجهات من مسافة «الصفر» خصوصا في بلدة عيتا الشعب التي تحولت الى مصيدة قاتلة لعشرات الضباط والجنود الذين وقعوا في كمين معقد في منطقة كانت تصنف «بالامنة» فسقط منهم نحو 30 جريحا وقتل 5 آخرين فيما دمرت بالامس 4 دبابات ميركافا شوهدت تحترق بمن فيها، وقد شهدت سماء فلسطين المحتلة تحليقا مكثفا للمروحيات التي تولت نقل القتلى والجرحى الى المستشفيات.
كيف حصل الكمين؟
ووفق تسريبات الاعلام العبري، خرج مقاتلو حزب الله من نفق محصن في تلك المنطقة بعد قصفها بغارات جوية عنيفة، وهاجموا الجنود والضباط على نحو مباشر باطلاق صليات من الرصاص، وعدة قنابل يدوية ادت الى اصابات قاتلة وخطيرة، وبعد تبادل اطلاق النار لم يتاكد الجنود من اصابة اي من القوة المهاجمة. وقد اقر جيش الاحتلال رسميا مقتل 57 من جنوده منذ بدء القتل البري فيما قدرت المقاومة عدد هؤلاء بـ 70.
مجازر متنقلة
وفي مقابل هذه المراوحة الحدودية القاتلة لقوات الاحتلال، تواصلت عملية الانتقام من المدنيين والبئية الحاضنة للمقاومة في كافة المناطق، لعل اكثرها دموية مجازر ارتكبت في بلدتي الحلانية، والخضر، في البقاع، والبيسرية في الجنوب، فيما استهدفت مسيرة معادية سيارة مدنية على طريق الكحالة عالية ما ادى الى استشهاد شابين واصابة اثنين آخرين بجروح ووصلت الغارات بالامس مجددا الى جرود جبيل.
انتقام دموي من الجيش
وفي «رسالة» دموية وانتقامية تعكس الروح الشيطانية لدى قوات الاحتلال تعرض عناصر للجيش اللبناني لاعتداء مخطط له مسبقا في خراج بلدة ياطر- بنت جبيل أثناء تنفيذ عملية إخلاء جرحى ما أدى إلى سقوط ٣ شهداء هم الشهيد الرائد محمد فرحات، الشهيد الجندي محمد بزال والشهيد الجندي موسى مهنا.وتجدر الاشارة الى ان الرائد فرحات كان سطّر إنجازاً العام الماضي بوجه إسرائيل، حين منع جيش العدو من تثبيت وتَد عند الخط الأزرق مقابل بلدة عيتا الشعب، ورفع سلاحه بوجه ضباط وجنود الاحتلال.
«رسالة» المجاهدين لاشرف الناس
وفي «رسالة» لافتة من ساحة المواجهات، طمأن مجاهدو المقاومة، عبر رسالةٍ مصوّرةٍ من الميدان توجهوا بها إلى «أشرف وأكرم وأطهر الناس»، أنهم «بألف ألف خير»، مضيفين «نحن كالجبال التي تعرفونها، والتي على ترابها نحرق ونهدم دبابات الاحتلال وجنوده. وأقسم المجاهدون بدم كل شهيد وبعذابات كل جريح، وبصبر الناس وعذاباتهم أنّ هذه الرّاية التي يحملونها بأيديهم لن تسقط، متعهدين بأنّ «بيننا وبين العدو الأيام والميدان، وبيننا وبينكم النصر الموعود. وقال المجاهدون للناس «ما النصر إلا صبر ساعة»، داعينهم إلى التحمّل قليلاً قبل أن «نعود لنجتمع في الساحات»، ووصفوهم بأنّهم المقاومة ووديعة وأمانة الشهيد الأقدس، الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله. وأكد المجاهدون، في رسالتهم إلى «أحبة السيد الشهيد»، أنّهم يسمعون أصوات الناس ورسائلهم، مشيرين إلى أنهم تعوّدوا على معنوياتهم العالية منذ بداية المقاومة. وأكدوا أنهم سمع المجاهدون أيضاً سلام أشرف الناس وكلماتهم الطيبة والصادقة، معربين «من تحت كل شجرة ومن جنب كل صخرة» عن شكرهم لهم.
استعادة المبادرة
من جهتها، اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الاميركية، ان استعادة حزب الله لعافيته بعد تعرضه لسلسلة من الضربات الإسرائيلية المؤلمة، ملفت للغاية، وهو استعاد المبادرة ويقاوم ويعد كمائن للقوات الإسرائيلية ويكثف الضربات بالمسيرات والصواريخ في عمق إسرائيل. واشارت الى أن الهجمات تظهر أن حزب الله، على الرغم من إضعافه بعد مقتل جيل من قادته الكبار وتدمير بعض أسلحته، لا يزال قادرا على تحويل أعنف صراع يشهده لبنان منذ عقود إلى صراع طويل الأمد سيكون مكلفا لإسرائيل ليس بشريا فقط، وانما اقتصاديا، حيث تبلغ تكلفة اعتراض الطائرة المسيرة 100 ألف دولار، وتدفع عدة ملايين من الدولارات لكل صاروخ يتم اسقاطه.
استيراد الاسلحة
ويظهر حزب الله قدرته على إعادة التجمع بسرعة تحت الضغط. ويقول المحللون العسكريون إن وحداته المسلحة تدربت على العمل بدرجة ما من الاستقلالية، مما يجعل من الأسهل عليها الاستمرار في القتال حتى عندما يقتل كبار القادة ويتم تعطيل الاتصالات الداخلية. وهذه القدرة على البقاء والاستمرار في القتال تزيد من خطر قيام إسرائيل بإرسال جيشها إلى صراع دموي وطويل الأمد، حيث لا يزال حزب الله قادرا على استيراد المزيد من الأسلحة لتحل محل بعض ما تم تدميره، وخاصة عبر سوريا، وهو نجح في استبدال كبار القادة الذين قتلوا.
الاختبار الجدي؟
وفي هذا السياق، قال دانيال بايمان، وهو مستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ومسؤول سابق في الحكومة الأمريكية» حزب الله مجموعة قادرة على التكيف. إنها ذكية للغاية. إنها مصممة للغاية. إنهم على استعداد لتحمل الخسائر». ووفق الصحيفة من المرجح أن يأتي الاختبار الحقيقي لكل من الجيش الإسرائيلي وحزب الله، إذا ما اختار قادة إسرائيل إرسال قواتهم إلى عمق أكبر داخل الأراضي اللبنانية، حيث يتمتع مقاتلو حزب الله بميزة القتال على أرضهم.
السيناريو الاسوأ
وفيما حذرت مجلة «ذي نيويوركر» الاميركية من احتمال اندلاع حرب إقليمية، قد تجتذب في أسوأ السيناريوهات الولايات المتحدة وروسيا والصين، مع تأثير متواصل على الاقتصاد العالمي، اكدت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية ان ايران تتحضر لهجوم محتمل. واستنادًا إلى عدد من التقارير، أخلت عددًا من مصافيها النفطية، ورفعت درجة التأهب في المواقع الإستراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، توظف إيران موارد من أجل تعزيز محور المقاومة، وقبل كل شيء، تعزيز قوة حزب الله.
حزب الله لا يشعر بالهزيمة
من جهته، راى السفير الأمريكي السابق في لبنان أنه «لا يوجد شيء في الصراع الحالي يشير إلى أن حماس أو حزب الله، أو ايران يشعرون بالهزيمة.»ولفت كروكرالذي يشغل الآن منصب رئيس الدبلوماسية والأمن في مؤسسة راند، الى ان «حزب الله الذي تم تاسيسه في ظل احتلال إسرائيلي لجنوب لبنان. من غير المرجح أن يُهزم في ظل احتلال مماثل».
اين يكمن الخطر؟
وبراي «ذي نيويوركر» فان الخطر يكمن في اعتقاد إدارة بايدن ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قادر على التعامل بحسم مع عدوهم المشترك، إيران وحلفاؤها. وقارنت بين هدف نتنياهو المتمثل في خلق نظام إقليمي جديد بالوسائل العسكرية، بتعهد إدارة بوش باستخدام الحرب ضد صدام حسين في العراق قبل أكثر من عقدين من الزمان لخلق شرق أوسط جديد. وقالت»انظروا إلى أين وصلنا اليوم»؟.
دعم بمليار دولار
في غضون ذلك خرج «المؤتمر الدولي لدعم سكان لبنان وسيادته»، بحصيلة مليار دولار موزعة بين 800 مليون للمساعدات الإنسانية و200 مليون للجيش اللبناني، ولم تخرج المواقف عن السياق المألوف فرنسيا ولبنانياً. فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي افتتح المؤتمر اكد وجوب أن تنتهي حرب الآخرين على أرض لبنان، دون ادانة العدوان الاسرائيلي، فيما شدد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على التزام لبنان بالـقرار 1701 كما هو، وقيام الجيش بالمهام المنوطة به. وقد اكد رئيس الحكومة انه «كان من الممكن تجنب خسارة أرواح المدنيين اللبنانيين والدمار لو وافقت إسرائيل على تأييد البيان المشترك الصادر في 25 أيلول، والذي قادته الولايات المتحدة وفرنسا. وفي هذا السياق، اكد ان الحكومة اللبنانية ولا تزال تدعم هذه المبادرة، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار الذي سيكون له تأثير فوري في تهدئة التوترات على الجبهة الجنوبية اللبنانية ويمكن أن يمهد الطريق لاستقرار مستدام طويل الأمد، وسيفتح الباب أمام مسار دبلوماسي ستدعمه الحكومة بالكامل».
لا تعويل على باريس
ووفقا لمصادر وزارية، فان قول ميقاتي بان لبنان ليس متروكاً، لا يعكس الواقع، لأنه لم يلمس خلال لقاءاته الباريسية بوجود قدرة لدى الفرنسيين على وقف آلة التدمير الاسرائيلية بغياب الموقف الاميركي الحاسم في ظل «الضوء الاخضر» الممنوح لنتانياهو لمحاولة تحقيق «النصر المطلق». ولهذا تستبعد أوساط دبلوماسية ان تؤدي التحركات الحالية الى اي نتائج ملموسة قبل موعد الانتخابات الاميركية في الخامس من الشهر المقبل في ظل تعنت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتمسكه بشروطه واصراره على مواصلة الحرب في ظل ضعف الإدارة الأميركية الحالية عشية هذا الاستحقاق، وتاييدها المطلق لاهدافه المعلنة، والمدعومة من بعض دول الاقليم»بسحق» حزب الله، عبر محاولة تدمير بنيته القيادية والشعبية والاجتماعية وتجفيف مؤسساته المالية وخطوط امداده بالسلاح وتقليص نفوذه ودوره الداخلي والإقليمي واجباره على الانسحاب الى حدود الليطاني، وما بعد الليطاني، اذا امكن ذلك؟!
ماذا اتفق بري وهوكشتاين؟
في هذا الوقت، اكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، إن ما يتم بحثه الآن هو التفاهم على وقف إطلاق نار نهائي، وأضاف بري في حديث لـ «سكاي نيوز عربية»، ان «الجيش اللبناني سيتولى الآليات التنفيذية للقرار 1701 للحفاظ على الاستقرار، وقال «نتمسك بدور قوات اليونيفيل كضامنة لتطبيق القرار 1701، وأكد رئيس مجلس النواب أنه «سنبدأ العمل لانتخاب رئيس توافقي للبنان بعد وقف إطلاق النار»، مشدداً على أنه «تفاهمت مع المبعوث الأميركي على تطبيق القرار 1701 من دون أي تعديلات». لكن مصادر دبلوماسية معنية، اشارت الى ان المشكلة في آليات التنفيذ التي تبقى غامضة وكل طرف يفسرها وفق مصالحه، وهي العقدة التي يستغلها الاسرائيليون لتعقيد الحلول المطروحة.