كتبت صحيفة “الجمهورية”: على وقع التحضير لاجتماع لجنة «الميكانيزم» الثاني بعد تطعيمها بمدنيين، المقرّر في 19 من الجاري، وما يمكن أن ينتهي اليه حول مستقبل المفاوضات، تنشط اتصالات بين بعبدا وواشنطن بعيداً من الأضواء، لترتيب زيارة رسمية لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس دونالد ترامب مطلع السنة الجديدة. علماً أنّ عون سيزور غداً وليومين سلطنة عُمان بدعوة من السلطان هيثم بن طارق، يرافقه عدد من الوزراء. وأفاد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية «انّ هذه الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الأخوية المتينة التي تجمع بين لبنان وسلطنة عُمان». فيما أعلنت الخارجية العمانية مساء أمس، انّه سيتمّ خلال هذه الزيارة «التشاور والتنسيق بين القيادتين، بما يُسهم في تعزيز العمل العربي المشترك، وبحث مختلف التطوّرات على الساحتين الإقليمية والدولية».
يزور لبنان اليوم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، فيما تستعد باريس لاستضافة اجتماع يُعقد في 18 كانون الجاري، ويضمّ الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، الذين زار كل منهم لبنان في الآونة الأخيرة، وسيشارك في هذا اللقاء ايضاً قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل. وعدا عن أنّ اللقاء سيبحث في الوضع في جنوب لبنان بعد تطعيم لجنة «الميكانيزم» بشخصيتين مدنيتين، وانطلاقها في التفاوض للتوصل إلى حل، إلّا أنّ مشاركة هيكل تعطي إشارة إيجابية تجاه الجيش، خصوصاً أنّ الاجتماع سيبحث في جانب أساسي منه، المؤتمر الذي ستنظّمه باريس الشهر المقبل لدعم الجيش اللبناني، وكان مقرراً انعقاده خلال الشهر الجاري، ولكن الجانب الفرنسي أرجأه لاستكمال التحضيرات في شأنه.
المطلوب من واشنطن
وفي انتظار ما سيسفر عنه الاجتماع المقبل للجنة «الميكانيزم»، ومع اقتراب البلاد من الدخول في فترة الأعياد، أملت أوساط سياسية عبر «الجمهورية»، في أن يمضي اللبنانيون هذه الفترة بهدوء، وإن كان أحد لا يستطيع أن يضمن الطرف الإسرائيلي الذي لا تهمّه سوى أجندته.
ولفتت هذه الاوساط، إلى انّ قرار الرئيس عون بتعيين السفير السابق للبنان في الولايات المتحدة الأميركية سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني المفاوض في لجنة «الميكانيزم»، ربما يكون قد سمح بكسب بعض الوقت وبسحب فتيل الحرب الواسعة التي كانت تبدو قريبة، لكنه لم يمنع تل أبيب من مواصلة اعتداءاتها وانتهاكاتها لاتفاق وقف الأعمال العدائية، الأمر الذي يبقي الوضع فوق صفيح ساخن.
وأشارت الاوساط نفسها، إلى انّ المطلوب من واشنطن أن تضغط على القيادة الإسرائيلية حتى تقابل التجاوب اللبناني مع رفع مستوى تمثيل التفاوض بنوع من التهدئة الميدانية، لإفساح المجال أمام نجاح التجربة الجديدة وإجراء المفاوضات في بيئة ملائمة وليس تحت النار. وشدّدت الأوساط على انّ «من غير المقبول أن يستمر لبنان في إبداء المرونة والإيجابية من دون أن تكون هناك في المقابل أي خطوة ولو متواضعة من الجانب الإسرائيلي». واعتبرت انّ اجتماع «الميكانيزم» في 19 كانون الأول الجاري، والذي قد يكون الأخير هذه السنة، سيحمل مؤشرات إلى المنحى الذي ستتخذه الأمور، بعد انضمام العضوين المدنيين عن لبنان وإسرائيل إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار.
مؤشرات مقلقة
وفي السياق، أبدت مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، قلقها من مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، على رغم من موافقة لبنان على مبدأ التفاوض والمشاركة برئيس مدني للوفد في اجتماعات «الميكانيزم»، بما في ذلك قيامها بالتوغل براً إلى مناطق إضافية خارج النقاط الخمس المحتلة، ثم التراجع. وقرأت المصادر في هذا السلوك مؤشرات مثيرة للقلق، من اعتماد إسرائيل فعلاً أسلوب المفاوضة تحت ضغط التصعيد العسكري، طمعاً في تحقيق أكبر مكاسب ممكنة. وهذا الأمر توقّعه كثير من المراجع في لبنان والخارج، كما أبدى «حزب الله» مخاوفه إزاءه، معتبراً أنّ العدو الإسرائيلي يستدرج لبنان إلى تقديم تنازل معين، وعندما يتحقق له، يبدأ بالضغط لفرض تنازل أكبر، إلى حدّ وصول لبنان إلى الاستسلام. وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يتيح لإسرائيل السيطرة على الأرض والموارد ضمن مشروعها المعروف تاريخياً، والذي يحمل عنوان «إسرائيل الكبرى».
لكن اللافت هو أنّ الأوراق التي يملكها المفاوض اللبناني، والتي تسمح له بكبح جماح إسرائيل وعدوانها وأطماعها تبقى محدودة، لأنّها تقتصر على مقدار محدود من الدعم الذي تتلقّاه الحكومة اللبنانية من بعض العرب والغربيين وبعض المرجعيات الدولية ذات الطابع المعنوي كالأمم المتحدة والفاتيكان. ولذلك، سيكون تحدّي الحكومة في المرحلة المقبلة، إقناع الولايات المتحدة باتخاذ مواقف اكثر حزماً تجاه اعتداءات إسرائيل على لبنان. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت أمس عن الرئيس دونالد ترامب دعوته بنيامين نتنياهو إلى التخلّي عن اسلوب التهديد العسكري ضدّ لبنان والانتقال إلى المفاوضات والحراك الديبلوماسي.
توصية ترامب
في غضون ذلك، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مصادر سياسية إسرائيلية، قولها، إنّ ترامب أوصى نتنياهو «بالانتقال من التهديدات العسكرية إلى الديبلوماسية في غزة ولبنان وسوريا». ونسبت إلى مصدر أمني إسرائيلي، أنّ «نتنياهو يتلقّى توصية من كبار قادة الجيش بإنهاء القتال والانتقال إلى إعادة بناء الجيش».
في السياق، أشارت هيئة الأركان العامة الإسرائيلية إلى أنّ «الجيش الإسرائيلي يؤيّد مجاراة خطة ترامب في غزة والانتقال للمرحلة المدنية منها»، وفق ما نقلت عنها وسائل إعلام إسرائيليّة.
ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن مصادر ديبلوماسية، أنّ «مهلة ترامب الممنوحة للبنان لتجريد «حزب الله» من سلاحه تنتهي في 31 كانون الأول الجاري». كذلك نقلت عن مصادر أميركية، أنّ «ترامب يدخل على خط الوساطة المباشرة لمنع تصعيد واسع في لبنان». كما لفتت مصادر أمنية إسرائيليّة إلى أنّ «إسرائيل أبلغت إلى لبنان أنّه في حال عدم نزع سلاح «حزب الله» سيتمّ تصعيد القتال»، مشيرةً إلى أنّ «الجيش اللبناني نجح تقريباً في إخلاء جنوب لبنان من وجود حزب الله».
جمع لبنان وسوريا
ولكن كان اللافت أمس، ما قاله الموفد الأميركي توم برّاك في منتدى الدوحة 2025، من أنّه «يجب أن نجمع سوريا ولبنان معًا، لأنّهما يمثّلان حضارة رائعة»، مشيرًا إلى أنّ «واشنطن تبحث في سبل حل المشكلات في لبنان وسوريا». وأكّد برّاك أنّ «الإنجازات التي تحقّقت في سوريا كانت بطوليّة ويجب تشجيع القائمين عليها ودعمهم. والرئيس الأميركي دونالد ترامب سمح لدمشق باتخاذ قراراتها بنفسها»، لافتاً إلى «ضرورة منح الوقت والفرصة للسوريين كي يحدّدوا كيف يبنون بلادهم وإسهامهم في الحضارة». واعتبر أنّ «كلّ قرارات الغرب بشأن الشرق الأوسط منذ «سايكس بيكو» كانت خاطئة». وأضاف: «إسرائيل في وضع محيّر». وأكّد انّه «لا يمكن تحقيق الديمقراطية في 12 شهراً». ونُقِل عن برّاك قوله إنّه «ليس من الضَّروري نزعُ سلاح الحزب، الهدف أن نمنعَه من استعماله»، لافتًا إلى وجوب أن «يكون هناك حوارٌ مباشر بين لبنان وإسرائيل، غير حوار الـ«ميكانيزم»»، مشيرًا إلى أنّ «سفيرنا عيسى سيقوم بالمهمَّة» في هذا الإطار.
بري وجنبلاط
على أنّ مجمل التطورات في لبنان والمنطقة كانت مساء امس مدار بحث في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي قال بعد اللقاء: «نواكب ما يجري من تطورات. وسبق وأعطيت رأيي الشخصي في ما يتعلق بالتفاوض، والتفاوض في شتى المجالات أو بالأحرى في شتى الدول مشروع، لكن لا نستطيع أن نقبل بأن يكون التفاوض تحت النار، والأستاذ سيمون كرم الذي عُيّن رئيساً للوفد المفاوض يتمتع بصفات أخلاقية وسياسية معروفة وجيدة وهو مفاوض محنك، نفاوض تحت شعار الانسحاب، وقف إطلاق النار، تثبيت وقف اطلاق النار، وعودة اهل الجنوب إلى قراهم، ولاحقًا أذكّر بأنّ المعاهدة التي ترعى العلاقات بيننا وبين إسرائيل هي معاهدة الهدنة التي نتمسك بها، على رغم من أنّ الظروف بين الهدنة عام 1949 واليوم اختلفت، لأنّه كما تعلمون وكما نعلم، أنّ التطور السياسي العسكري والتطور الإلكتروني وإلى آخره أطاح بكل شيء، لكن في النهاية هناك مبادئ عامة نتمسك بها، الأرض والسيادة، وعندما أقول الأرض من فوقها ومن تحتها، حتى لو انّ اليوم الشتاء قليل، لكن لا ننسى المطامع القديمة في مياه الليطاني وغير الليطاني، لا ننسى في النهاية هذه الذاكرة، هذا ما أريد أن أقوله بعد هذا اللقاء الودي والحار كالعادة مع الرئيس الصديق الحليف التاريخي الأستاذ نبيه بري».
ورداً على سؤال حول إصرار إسرائيل على التطبيع وحديثها عن علاقات اقتصادية، قال جنبلاط: «فليسمحوا لي، لقد صدر تصريح عن السفير الإسرائيلي في واشنطن تحدث عن التطبيع، كلا نتمسك بالهدنة، ثم نعود إلى الأسس التي انطلقنا منها. تذكّروا في القمة العربية التي عقدت في بيروت 2002 ماذا قلنا آنذاك؟ أو ماذا قال العرب آنذاك؟ وماذا يقول العرب حتى هذه اللحظة؟ الأرض مقابل السلام».
وعن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية واستمرار اسرائيل في عدوانها، قال جنبلاط: «نحن مع تعزيز الجيش اللبناني ومع الإجراءات التي يتخذها في الجنوب، جنوب الليطاني في ما يتعلق بحصر السلاح وبسيادة الدولة على أرض الجنوب، ثم لاحقاً مع تعميم هذا الأمر على كل الأرض اللبنانية، أيضاً في الوقت نفسه لا ننسى أين هي المساعدات للجيش اللبناني؟ فقط دولة وحيدة أعتقد انّها قطر تقدّم بعض المساعدات المالية. لكن نريد مساعدات للتطويع، نحن بحاجة ولا ننسى أنّه بعد عام سيكون الجنوب خالياً من القوات الدولية، إذاً نحن في حاجة الى مزيد من الجنود، للجنوب وللحدود اللبنانية- السورية أو لقسم منها».
ورداً على سؤال عن تصريحات توم برّاك، الذي اعتبر فيها أنّه ليس من الضروري نزع سلاح الحزب بل الهدف منعه من استخدامه.
أجاب جنبلاط: «فلنتكلم في الشكل الآن، وفي المضمون هناك لجنة «الميكانيزم» أو الخماسية، فلنكتفي بـ«الميكانيزم» وتصريحات المسؤولين فيها».
الموقف الإيراني
وعلى صعيد الموقف الإيراني، ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية اسماعيل بقائي على عدم قبول وزير الخارجية اللبناني دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة إيران، واتهامه طهران بالتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية، فقال: «إنّ الحديث عن تدخّل إيران في الشؤون اللبنانية، والذي تكرّر مرّات عدة من قبل، هو حديث منحرف تماماً. ليس لدينا أي تدخّل في الشؤون الداخلية للبنان. «حزب الله» مؤسسة راسخة ومؤثرة في المجتمع اللبناني، وتقرّر سلوكها وسياساتها بنفسها». واضاف: «إنّ حرصنا الدائم على السلام والأمن في المنطقة، وإعلاننا الدائم عن مواقفنا من تهديدات الكيان الصهيوني، لا ينبغي أن يُفهم على أنّه تدخّل في الشؤون الداخلية لأي دولة. هذا النهج دليل على مسؤولية الجمهورية الإسلامية الإيرانية».
وأضاف بقائي: «كما ذكر الوزير (عراقجي)، نحن على أتمّ الاستعداد لمناقشة العلاقات الثنائية مع المسؤولين اللبنانيين. تربطنا علاقات ديبلوماسية طويلة الأمد مع لبنان، وقد تمّ تعيين سفير لبناني جديد في طهران مؤخرًا. ولذلك وكما تمّ التأكيد عليه مراراً وتكراراً، فإنّ اتخاذ القرار في القضايا اللبنانية، بما في ذلك مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، هو أولاً وقبل كل شيء أمر يجب أن يتمّ من خلال الحوار اللبناني-اللبناني ومن خلال التفاهم بين مختلف المكونات التي يتألف منها لبنان. ثانياً، إنّ موضوع سلاح المقاومة هو أيضاً موضوع يجب على لبنان نفسه، بما في ذلك «حزب الله»، أن يتخذ قراراً بشأنه».
وزارة الإعلام اللبنانية