كتبت صحيفة “البناء”: بعد أيام قليلة على صدور وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي، وما تضمنته من إعلان رؤية للحرب الروسية الأوكرانية أقرب إلى روسيا من أوروبا، واستبدال الانتقادات التقليدية للوثائق المماثلة لروسيا في مجال حقوق الإنسان والحريات، خصصت الوثيقة أوروبا دون كل دول العالم بهذه الانتقادات، بينما بررت لدول لا انتخابات فيها ما وصفته بـ نموذجها الخاص بالحكم الذي ينسجم مع تقاليدها وعاداتها، وردت أوروبا بلسان رئيس المفوضية الأوروبية حيث رأى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يقبل «التهديد بالتدخل» في سياساته، بعد كشف الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي وجهت انتقاداً شديداً إلى الأوروبيين. وقال كوستا في مداخلة في معهد جاك ديلور: «ما لا يمكننا القبول به هو هذا التهديد بالتدخل في الحياة السياسية لأوروبا»، مؤكداً أن «الولايات المتحدة لا يمكن أن تحل محل المواطنين الأوروبيين»، والتعليقات الأوروبية التي ركز أغلبها على التخلي الأميركي عن أوكرانيا تزامنت مع موقف أوكراني يبدو أكثر تفهماً للموقف الأميركي، نظراً لتراجع قدرة أوكرانيا على الصمود وتمسكها بصيغة تسوية منع الانهيار الدراماتيكي، مؤكداً أن ما يريده ترامب هو إنهاء الحرب وأن بعض نقاط التصور الأميركي للحل يحتاج إلى نقاش خصوصاً الخرائط المرفقة بالمشروع.
في سورية احتفالات في أغلب المدن بمرور سنة على دخول جبهة النصرة إلى العاصمة السورية وسقوط النظام السابق، وإعلان تولي الحكم بقيادة زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني بعد كشف اسمه أحمد الشرع، الذي تحدث بالمناسبة مشيراً إلى النجاح بإقامة علاقات ممتازة مع اغلب دول الاقليم والعالم، بينما ركزت التقارير الغربية التي تناولت الذكرى إلى مخاطر وعقبات تنتظر سورية، منها الطابع الحزبي الديني الضيق للفئة الحاكمة والعجز عن إقامة بيئة تشاركية للحكم، مع ذاكرة دموية عبرت عنها مجازر الساحل والسويداء، وبقاء مرتكبيها دون محاسبة، بينما الوضع الاقتصادي رغم حديث الاستثمار ورفع العقوبات في أسوأ أيام السوريين الذين لا يصل دخل العامل والموظف منهم إلى مئة دولار تغطي بالكاد فاتورة الكهرباء بعد إلغاء السلطة الجديدة لدعم الكهرباء والخبز والوقود والطبابة والتعليم، وسط عدم استقرار أمنيّ مع بقاء الشمال الشرقي والجنوب تحت إدارات ذاتيّة ومواصلة «إسرائيل» التوغل في الأراضي السورية واستهداف العمق السوري، وانتقلت العدوى إلى السوريين المقيمين في لبنان، الذي خرج الآلاف منهم في تظاهرات دون ترخيص وجالوا على الدراجات النارية كثيراً من الشوارع العامة وأقفلوا الطرقات، وتسببوا بصدامات في أكثر من منطقة، اضطر الجيش للتدخل لفضها ومنع تطورها إلى فتنة، مع تسجيل صمت سياسي من الحكومة والقيادات السيادية وسط تساؤل عن موقفها لو كانت الأعلام والصور والتظاهرات تخصّ حزب الله.
في الجنوب غارات ليلية شملت عدداً من المناطق شمال الليطاني وجنوبه، مع إعلان إسرائيلي عن استهداف 35 نقطة قال الاحتلال إنها مواقع تدريب ونقاط تخزين لحساب المقاومة، بينما رأى متابعون للغارات وعلاقتها بضم مفاوض مدني إلى لجنة الميكانيزم أن «إسرائيل» كلما أرادت طرح أهداف جديدة في اجتماعات التفاوض سوف تقوم بتمهيد ناريّ كهذا قبل الاجتماع.
وأبلغ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان، الذي استقبله أمس، في قصر بعبدا بحضور السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو، أنّ «لبنان يرحّب بأي دور فرنسي في إطار لجنة «الميكانيزم»، يساهم في تحقيق الأهداف الأساسية للمفاوضات التي تجري في إطار هذه اللجنة، والتي تهدف إلى وقف الأعمال العدائية، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الجنوبية التي تحتلها، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وتصحّح النقاط العالقة على الخط الأزرق».
وشرح الرئيس عون للموفد الرئاسي الفرنسي «المعطيات التي أدت إلى تفعيل اجتماعات لجنة «الميكانيزم»، وتولي السفير السابق سيمون كرم رئاسة الوفد اللبناني». وأشار الى أنّ «الاجتماع المقبل للجنة في 19 كانون الأول الجاري، يفترض أن يباشر البحث في النقاط المطروحة، وفق الأولويات المحدّدة»، مضيفاً «موقفنا من تحريك اجتماعات «الميكانيزم»، يعكس رغبتنا في التفاوض لإيجاد حلول دبلوماسية لأننا لا نريد مطلقاً اعتماد لغة الحرب، ولعل ردود الفعل الإيجابية التي تلت موقف لبنان من الدول الشقيقة والصديقة، تعني التأييد لهذه الخطوة، وتخفف حتماً الضغط الذي كان سائداً مع استمرار الاعتداءات ضد لبنان».
كما جدّد عون رفضه للاتهامات التي تدّعي عدم قيام الجيش اللبناني بدوره كاملاً في جنوب الليطاني، وقال إنّ «هذه الادّعاءات لا أساس لها من الصحة، لأنّ الجيش منذ انتشاره قبل سنة من الآن، نفذ مهمته كاملة في كلّ المناطق التي حلّ فيها، وفقد 12 شهيداً، في أثناء تأديته لمهامه وفق ما حدّدته قيادة الجيش، وهذا ما أكدته قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل»، ولمسه كلّ من زار الجنوب ومنهم مؤخراً، سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن. والجيش في جهوزية تامة للتعاون مع لجنة «الميكانيزم» التي نوّه رئيسها بفعالية الجيش وبقيامه بواجبه كاملاً».
وعلمت «البناء» أنّ اتصالات تجري على الخطوط الرئاسية للتشاور بمسألة التفاوض مع «إسرائيل» عبر لجنة الميكانيزم وتقييم الاجتماع الأول بعد تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، وتنسيق المواقف وتزويد السفير كرم بالتوجيهات اللازمة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قبل الاجتماع المقبل في التاسع عشر من الشهر الحالي. كما علمت «البناء» أن دوائر القصر الجمهوريّ أجرت سلسلة اتصالات بأعضاء في لجنة الميكانيزم وبمسؤولين أميركيين وأوروبيين لاستنكار الاعتداءات الإسرائيلية بعد يوم واحد على اجتماع الميكانيزم وضرورة رفع وتيرة الضغط على «إسرائيل» للتوقف عن اعتداءاتها وإفساح المجال أمام المفاوضات والحلول السلمية والدبلوماسية، وذلك بعد أن تسبّبت هذه الغارات بإحراج للرئاسة الأولى التي كانت تأمل بأن هذه الخطوة ستقابل بخطوة إسرائيلية مقابلة بوقف الاعتداءات لفترة زمنية معينة بالحد الأدنى.
إلا أنّ مصادر مقرّبة من الأميركيين تشير لـ»البناء» الى أن المسار التفاوضي يختلف عن مسار التصعيد العسكري، والضربات الأخيرة التي أعقبت تعيين كرم واجتماع لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار كانت بمثابة رسالة تؤكد ذلك، موضحة أنّ «إسرائيل» لن تتراجع عن مسارها العسكري حتى تحقيق أهدافها وهي تفاوض لبنان تحت النار حتى نزع سلاح حزب الله. وتضيف أنّ الولايات المتحدة مرتاحة للخطوة الرئاسية بتعيين عضو مدني في اللجنة لكنها خطوة غير كافية وتحتاج الى خطوات إضافية على صعيد حصرية السلاح بيد الدولة، إلا أنّ لا قرار أميركياً نهائياً بالطلب من الجيش اللبناني نزع السلاح بالقوة بانتظار نتائج المفاوضات عبر لجنة الميكانيزم، كاشفة أن الأميركيين قد يطلبون من الحكومة اللبنانية فتح مسار تفاوضي موازٍ للجنة الميكانيزم والانتقال إلى مستوى متقدّم في المفاوضات لحلّ النزاع العسكري والتعاون على الصعد الاقتصادية والنفطية. وتكشف أيضاً أنّ المساعي مستمرة لإعادة دعوة قائد الجيش اللبناني لزيارة الولايات المتحدة.
وكشف السفير الأميركيّ لدى لبنان ميشال عيسى، بعد لقائه وزير الخارجية يوسف رجي، عن وجود اتصالات لعودة زيارة قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل إلى واشنطن، معرباً عن اعتقاده بأنّ الزيارة ستتمّ.
وعن اجتماعات «الميكانيزم»، أكد انه «لم ننتظر السلام من الاجتماع الأوّل فعلى الأطراف أن تلتقي ومن ثم يقدمون على الطاولة ما يمتلكون».
ورداً على سؤال حول كلام المبعوث الأميركي توم برّاك بشأن جمع سورية ولبنان، أجاب عيسى: «لا علم لي في شأن ضمّ سورية ولبنان».
غير أن أجواء عين التينة ترفض بشدة توسّع المفاوضات المباشرة وإلى لجنة غير الميكانيزم وإلى ملفات أخرى غير الجوانب العسكرية والأمنية والتقنية، وتشير الأجواء لـ»البناء» الى أنّ الرئيس نبيه بري أبلغ من يعنيهم الأمر بالثوابت الأساسية للمفاوضات وهي الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة ووقف الاعتداءات وتثبيت الحدود واستعادة الأسرى، وايّ انحراف للمفاوضات عن مسارها المعروف فلكلّ حادث حديث، ولا نقبل بأيّ شكل من أشكال التطبيع مع «إسرائيل»».
وعلمت «البناء» أنّ الرئيس بري شرح لوفد سفراء مجلس الأمن الدولي حقيقة ما يجري في الجنوب وأنّ لبنان طبق كلّ موجباته في اتفاق 27 تشرين فيما «إسرائيل» لم تلتزم بأيّ شيء ولا تنفع معها الضغوط الدولية أو أنها غير كافية للجم الاعتداءات الإسرائيلية، ولفت الرئيس بري خلال اللقاء بالسفراء لى أنّ التفاوض تحت النار لن يحلّ الأزمة بل سيؤدي إلى زيادة التوتر واستئناف الحرب في أي لحظة والعودة إلى ما قبل اتفاق 27 تشرين.
وعلمت «البناء» أنّ الرئيس بري لا يزال يرفض حتى الساعة استقبال السفير سيمون كرم، فيما استبعدت أوساط سياسية أن تؤدي المفاوضات بعد تعيين كرم إلى نتائج عملية، محذّرة عبر «البناء» من أنّ «إسرائيل» ستطلب شروطاً جديدة لن يستطيع لبنان تحملها.
وفيما تسعى قوى سياسية ووسائل إعلام لبنانية، إلى التسويق لخيار السلام والتطبيع مع «إسرائيل»، أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي من قصر بعبدا «أننا في زمن التفاوض وفجر السلام حطّ رحاله». ولفت إلى أنّ «الجيش اللبناني يقوم بعمله في جنوب الليطاني»، موضحاً بعد زيارته رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أنه «لا يتخوّف من وقوع حرب»، مشيراً إلى أن «الأميركي يمون على الإسرائيلي ونحن في زمن التفاوض والديبلوماسية». وأكد في السياق أن «المباشرة بالمفاوضات علامة جيدة والسفير كرم شخصية ممتازة للمهمة». وقال: «إنّ رئيس الجمهورية فوق الجميع وحتى البطريرك، ولا توجد هوة بيننا، ونحن نفرح بفجر السلام بعد زيارة البابا».
وتجدّد السجال السياسي العنيف على خط معراب ـ عين التينة، فبعد توجيه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع رسالة مفتوحة لرئيس المجلس نبيه بري طالباً فيها «ان يرحمنا انتخابياً»، ردّ المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل من مجلس النواب على جعجع معتبراً أن «إجراء الانتخابات في موعدها مسألة ثابتة».
وردّاً على جعجع، قال خليل «نذكّر جعجع، الذي يتحدث وكأنه مرشد للجمهورية، بأنّ موقع رئاسة مجلس النواب وصلاحية الدعوة إلى الجلسات دستورية وقانونية، ولا تقبل المصادرة أو الوصاية من أحد، ولن نسمح لأيّ جهة بمحاولة التأثير عليها». وأكد خليل أنّ «ما يجري ليس تصويباً تقنياً بحتاً، بل محاولة لاستغلال لحظة سياسية». أضاف «من يريد تعطيل الانتخابات هو مَن يحاول ربطها بشروط جديدة». وتابع «نذكر الدكتور جعجع أن كتلة القوات هي مَن عطلت النقاش في اقتراح لتعديل قانون الانتخابات. نذكر جعجع بأن صلاحية رئيس المجلس لا تقبل المصادرة».
إلى ذلك، ظهرت وثيقة اطلعت عليها «رويترز» أن الاتحاد الأوروبي يدرس خيارات لتعزيز قوى الأمن الداخلي اللبناني لتخفيف العبء عن الجيش اللبناني حتى يتسنّى له تركيز الجهود على نزع سلاح «حزب الله». وقالت الوثيقة، التي أصدرتها الذراع الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي ووزعتها على الدول الأعضاء وعددها 27، إنّها ستواصل المشاورات مع السلطات اللبنانية وإن بعثة استطلاع ستتم في أوائل عام 2026 بشأن المساعدة الجديدة المحتملة لقوى الأمن الداخلي في البلاد.
في غضون ذلك، شهدت بعض المناطق توترات في الشارع بسبب مسيرات لدراجات نارية احتفالاً بالذكرى الأولى لسقوط النظام السوري السابق. وقد جابت بعض المسيرات شوارع في طرابلس، عرمون، كورنيش المزرعة، الروشة، وخلدة. وأفيد في صيدا أمس، عن «إشكال مع مناصري الرئيس السوري الإنتقالي احمد الشرع الذين قاموا بعمليات تكسير للسيارات على القناية عند مدخل حارة صيدا الشماليّ فيما تدخل الجيش اللبناني لاحتواء الإشكال».
وزارة الإعلام اللبنانية