كتبت صحيفة “نداء الوطن”: يتواصل الحراك الخارجي باتجاه بيروت في ظل قلق متزايد من احتمالات الانفجار الكبير. فتوافد الرسل الدبلوماسيين والسياسيين، لا يُعدّ بالضرورة مؤشرًا على انفتاح دولي يُمهّد لاستعادة لبنان دوره ومكانته، بقدر ما يعكس ترسّخ الأزمة في موقعها. فلو كانت الأمور تتجه نحو الحلول، لما استدعى المشهد، هذا الكمّ من الوفود المتتالية. كما أن الزائرين، سواء كانوا فرنسيين أو أميركيين أو عربًا، يتحدثون بلغة واحدة موحدة: ضرورة نزع سلاح “حزب الله” ضمن مهلة زمنية محددة، كشرط أساسي لإعادة الاعتبار للدولة وتمكينها من بسط سلطتها الكاملة على أراضيها.
مفتاح باريس في يد واشنطن والرياض
وإذا كانت محادثات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت، قد أضفت أجواء إيجابية لناحية استعداد باريس لاستضافة لقاء ثلاثي (فرنسي – أميركي – سعودي) بمشاركة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل والموفدة الأميركية إلى “الميكانيزم” مورغان أورتاغوس، في 18 كانون الأول الجاري، تمهيدًا لعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، فإن مصادر مطلعة أفادت “نداء الوطن” بأنه لم يُحدّد حتى الساعة أي موعد رسمي لهذا المؤتمر. إذ لفتت إلى أن القرار ليس بيد فرنسا وحدها، بل إن مفتاح الربط والحلّ لا يزال في عهدة الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، باعتبار أن “ألف – باء” أي حلّ مستدام، يبدأ من استكمال تنفيذ مبدأ حصرية السلاح غير الشرعي، من جنوب الليطاني إلى شماله، بالتوازي مع الالتزام بجدول زمني واضح، وهو ما شدد عليه أيضًا لودريان خلال صولاته وجولاته على القيادات والمسوؤلين.
عُمان على خط طهران
توازيًا، أنهى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس زيارته إلى سلطنة عُمان، حيث أبدت الأخيرة، وفق المعلومات، استعدادًا للتجاوب مع طلبه بلعب دور الوسيط الفعّال لدعم مسار التفاوض وتفادي الانزلاق نحو مواجهة عسكرية تهدّد بها تل أبيب. ويُنتظر أن تُطلق السلطنة حراكها الدبلوماسي على مستويين متوازيين:
الأول، من خلال التواصل مع طهران، بهدف تليين موقفها، ومنع أي تعطيل لمسار التفاوض، وضمان عدم لجوء “حزب الله” إلى التصعيد أو عرقلة أي تسوية محتملة. والثاني، عبر استخدام قنواتها المفتوحة مع إسرائيل، سعيًا إلى دفعها لاحترام السيادة اللبنانية، والالتزام بالاتفاقات الدولية ذات الصلة، بما يساهم في توفير مناخ سياسي وأمني يساعد على تهدئة الأوضاع وتمهيد الطريق أمام أي تسوية.
فصل المسارين الميداني والتفاوضي
وبين وفد فرنسي مغادر، وآخر أميركي قادم لمعاينة الأجواء الرسمية عن قرب، جال السفير الأميركي ميشال عيسى برفقة “مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان” برئاسة السفير إدوارد غابرييل على عدد من المسؤولين اللبنانيين. في عين التينة، سجّل عيسى موقفًا لافتًا عقب لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أشار فيه إلى أن “إسرائيل تفرّق بين المفاوضات مع الحكومة اللبنانية وحربها ضد حزب الله”، في إشارة قرأتها مصادر سياسية على أنها تعكس “مباركة” أميركية لفصل المسارين التفاوضي والميداني، ما يعني استمرار الضغوط على “الحزب” بمعزل عن مسار التفاوض مع الدولة.
أما في ما خصّ تصريح عيسى بأن “هدف الزيارة هو الاستماع إليك (لبري) للمساعدة في معالجة الملفات، لا سيّما أن بعض المعطيات تُفهَم بشكل خاطئ حول الوضع اللبناني، ولذلك نفضل الاستماع إليك مباشرة تفاديًا للأخبار المغلوطة”، فقد اعتبرت مصادر مواكبة لحركة الوفد الأميركي أن واشنطن أرادت منح بري فرصة توضيح مواقفه بشكل مباشر، بعيدًا من أي التباسات، في ضوء الانطباعات السلبية التي كوّنتها الإدارة الأميركية والتي “لا تدعو إلى الاطمئنان”.
في معراب، تركّز لقاء “مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان” على عرض شامل للوضع اللبناني الراهن، مع التشديد على ضيق الفرصة المتبقية أمام لبنان لتحقيق ما هو مطلوب لاستعادة سيادة الدولة وهيبتها، وحصر السلاح بيدها، إلى جانب تنفيذ الإصلاحات الملحّة، قبل أن يتراجع منسوب الاهتمام الدولي بالملف اللبناني نتيجة أولويات دولية أخرى طارئة.
كما شدّد المجتمعون على أهمية التوصّل إلى رؤية واضحة وموحّدة للمسار المستقبلي للدولة اللبنانية، يلتزم بها جميع أركان الحكم والمؤسسات الدستورية، بما يتيح إخراج البلاد من أزمتها البنيوية الراهنة. وأكدت “القوات” ضرورة أن تفرض الدولة، عبر سلطتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية والعسكرية، حضورها الكامل، وألّا تتهاون أو تتساهل إزاء أي خطاب أو موقف يتناقض مع السياسات الرسمية التي أُعلنت بوضوح في خطاب القسم، والبيان الوزاري، وقرارات مجلس الوزراء. والتزام كل سلطة دستورية بصلاحياتها المحددة في الدستور، وعدم الانزلاق نحو تجاوز النصوص أو تحويل المؤسسات التي تمثل الشعب بالوكالة إلى منصات يُحتكر قرارها بشخص أو جهة بعينها.
رجّي يعزز السيادة الخارجية
أما على خط العلاقات اللبنانية – الإيرانية، فاعتذر وزير الخارجية يوسف رجي، عن عدم قبوله دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران، مؤكدًا أن الأجواء المؤاتية للزيارة “غير متوفرة”، مقترحًا اللقاء في دولة ثالثة “محايدة”. وأضاف في بيان نشره على حسابه عبر “إكس” أن الاعتذار عن عدم تلبية الدعوة “لا يعني رفضًا للنقاش، إنما الأجواء المؤاتية للزيارة غير متوفرة”.
موقف الوزير رجّي، المتماهِي مع الخطاب السيادي الرسمي، أزعج المشككين والدائرين في فلك “الممانعة”، التي قرأت في تصريحه خروجًا عن النهج السابق للعلاقات اللبنانية – الإيرانية. وفي وقتٍ يحاول فيه البعض التشكيك في توجهات السياسة الخارجية اللبنانية التي يعبّر عنها وزير الخارجية بوضوح واتساق مع المصلحة الوطنية، تُذكّر أوساط سياسية بمواقف رئيس الجمهورية جوزاف عون التي أعلنها خلال استقباله في قصر بعبدا، رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، والسفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني، بحضور الوزير رجّي.
حينها، شدّد عون على أن “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه”، مؤكّدًا التزامه بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، في موقف ينسجم – بمفارقة لافتة – مع ما تنص عليه المادة التاسعة من الدستور الإيراني، التي تعتبر أن “حرية البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها، هي أمور غير قابلة للتجزئة”، وتحظر على أي جهة الإخلال بها تحت أي ذريعة.
وفي السياق نفسه، تُعيد هذه الأوساط التذكير بمسألة منع هبوط طائرات إيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي، متسائلة: هل كان الوزير رجّي هو من اتخذ القرار؟ أم أن الأمر أتى في إطار توجّه أوسع من الدولة لإعادة ضبط المعابر الرسمية تحت سقف السيادة، بعد سنوات من الفوضى والتفلّت والهيمنة الإيرانية؟
وزارة الإعلام اللبنانية