بعد أن شكّل العلاج المناعي ثورةً نوعيةً في محاربة مرض السرطان، أتى العلاج بالجراثيم ليكمل هذا الإنجاز، وليعطي أملاً واعداً للمرضى الذين يعانون من أخطر أنواع السرطانات.
صحيح أنّ العلاج الذي يقوّي المناعة حديث ومتقدّم جداً، إلّا أنّ المشكلة تكمن في أنّ الخلايا السرطانية تتمركز في أماكن لا يمكن للجهاز المناعي رؤيتها. لذلك، ابتكر العلماء طريقة تخدع الجهاز المناعي وتجعله يهاجم الخلايا السرطانية.
القضاء على سرطان الدماغ
وللتعرّف أكثر على تفاصيل هذا العلاج الجديد، كان لـ»الجمهورية» حديث مع خرّيج مستشفيات الولايات المتحدة والبروفيسور السابق في جامعة «فلوريدا»، والرئيس الحالي لقسم علاج الأورام بالإشعاع في «مركز كليمنصو الطبي» البروفيسور نيقولا زوين، الذي استهلّ حديثه قائلاً: «قد يبدو العلاج بالفيروسات والبكتيريا مقلقاً للبعض، إلّا أنها الطريقة الجديدة للقضاء على أخطر أنواع سرطان الدماغ الذي يُعرَف بالـ» Glioblastoma»، والذي إذا أصاب الانسان، لا يتعدّى أمل الشفاء منه الـ1 في المئة».
أنواع الفيروسات والبكتيريا
فكرة العلاج بالجراثيم ليست بجديدة، فقد اخترعها باحث بريطاني عام 1938، إلّا أنّ غياب المختبرات والتكنولوجيا حينها منعه من إكمال فكرته، خصوصاً أنّ البكتيريا والفيروسات بحاجة للتعديل وراثياً قبل حقنها. وفي هذا الاطار، يشرح زوين أنّ «الدراسات ما زالت قائمة حالياً للتأكد من فعالية عدد من الفيروسات بعد تعديلها، وقد تتعجّبون من نوع الفيروسات المطروحة، فالعمل الآن قائم على تعديل فيروس السيدا، وفيروس الرشح «adenovirus» خصوصاً أنه قد يستعمل لعلاج سرطان الثدي والكولون، إضافةً الى بكتيريا السلمونيلا.
أمّا الفيروس الذي تقدّم في الدراسات وبدأ استعماله في بعض مستشفيات أميركا فهو فيروس الشلل عند الأطفال الـ»polio».
تحفيز جهاز المناعة
ولكن كيف يمكن حقن هذه الجراثيم التي تكون خطيرة على الإنسان في جسم مريض السرطان والذي تكون مناعته ضعيفة بالأصل؟ يقول زوين إنّ «البكتيريا التي تسبّب الأذية للإنسان، يمكن أن تُستخدم لقتل السرطان، إذ تمّ تطوير نموذج معدَّل وراثياً منها في المختبرات لاستهداف الخلايا السرطانية، على أن تُترك الخلايا السليمة. فهي تُصمَّم لتُحقن داخل الخلايا السرطانية التي لا يتعرّف اليها جهاز المناعة، وبعد حقنها تحفّز الجهاز المناعي وتجعله يشنّ هجوماً على الفيروس لاستهداف الأورام السرطانيّة».
أمّا في ما يخصّ جهاز المناعة الضعيف عادةً عند المريض، فأوضح أنّ «هناك كثيرين من الأشخاص الذين أصيبوا ببعض الخلايا المسرطنة دون أن يعلموا بذلك، لأنّ جهازهم المناعي قضى عليها، دون ترك أيّ عوارض. ولكنّ المشكلة تكمن عندما تتكاثر هذه الخلايا بطريقة لا يمكن لهذا الجهاز مهاجمتها والتعرف اليها. لذلك، وُجِدَ العلاج المناعي لتقوية المناعة في جسم الإنسان، وتُعتبر الأدوية الحديثة خليطاً بين العلاج بالجراثيم والعلاج بالمناعة، أي أنّ بعد حقن الفيروس في جسد المريض الذي يعاني من مناعة ضعيفة تمنعه من مهاجمة الهدف، يكون العلاج المناعي قد أمّن تقوية جهاز المناعة للقضاء على الفيروس».
فيروس شلل الأطفال
«البوليو» أو شلل الأطفال، هو الفيروس الأول الذي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA)، فبعد أن عدّلته جامعة «ديوك» بطريقة آمنة لا تشكّل خطراً على حياة الإنسان، وضع قيد التداول لاسباب عدة، خصوصاً أنه يعمل على أخطر أنواع سرطان الدماغ فكثرت الدراسات عليه من أجل تسريع استخدامه، «وبدأ استعماله في بعض المراكز في الولايات المتحدة والنتيجة كانت مرضية على المرضى الذين حقنوا، ولم يظهروا أيّ عوارض جانبية ملحوظة خصوصاً أنه تمّ حقن الفيروس تماماً داخل الخلايا السرطانية، وولّد فيروس الشلل المعدّل إستجابةً مناعيّةً فعّالة، وعالجت الأورامَ بنجاح» بحسب زوين.
وعن طريقة حقن الفيروس، فصّل زوين العملية قائلاً: «يعطى الفيروس بحقنة مخصّصة لهذا الغرض وتُحقن من قبل جراح الدماغ الذي يحدد العمق وزاوية الحقن والتي توجّه عبر السكانر لتصيب الخلايا السرطانية. ولا يستعمل سوى حقنة واحدة لأنّ الفيروس فعّال وسريع، وفي حال تسرّب الى خارج الخلية السرطانية لا يؤذي الخلايا السليمة لأنه معدَّل وراثياً».
لبنان والعلاج بالجراثيم
اخيراً، المزيج بين العلاج المناعي والجراثيم يعطي أملاً للمرضى الذين لجأوا الى كلّ انواع العلاجات السرطانية الاخرى دون نتيجة، فيكون هذا العلاج الخيار الأخير. أما متى يمكن أن يبدأ استعماله في لبنان؟ أكد زوين أننا «بحاجة لبعض الوقت لنتأكّد من فعاليّته.
بعد ذلك بالطبع سنستورده الى لبنان، ولكننا سنكون بحاجة الى مختبر جينات وبكتيريا»، مضيفاً «هذا العلاج يبدو واعداً جدّاً لأنه يدخل في العلاج المناعي ولكنه مكلف كثيراً، لأنه يدخل في الخطوات التقنية المعقّدة جداً، لاسيما أنه يتمّ أخذ الفيروس من مختبر جينات وتحويله وتعديله وراثياً، وبالطبع ستكون تكلفة العلاج مرتفعة جداً».
الجمهورية