يوحي تدفق الاقتراحات الانتخابية، في وعاء الوقت الضيق، باحتمالين اثنين، فاما ان التفاعل بين الافكار المنهمرة سينتج قانونا في اللحظة الاخيرة، واما ان كثرة الطروحات كانعدامها، على قاعدة ان «الزائد خي الناقص»، لانها تخلط الحابل بالنابل وبالتالي لن يعود هناك مشروع واحد على الطاولة يمكن الارتكاز عليه في النقاش.
انها «فوضى المشاريع» التي قد تزيد الامور تعقيدا، إلا إذا كانت من نوع «الفوضى الخلاقة»، (لكن ليس على الطريقة الاميركية)، فتلد في نهاية المطاف قانونا للانتخاب لا ازمة جديدة، وإن يكن هناك من يعتقد ان الخيار الضمني لدى اصحاب النيات المضمرة بات محصورا بين حدي التمديد و«الستين».
وبعد مشاريع الوزير جبران باسيل وآخرها «التأهيلي»، ادلى النائب وليد جنبلاط بدلوه، فيما اللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة لمناقشة قانون الانتخاب لم تجتمع سوى مرة واحدة، ثم غابت عن السمع، ما اثار استغراب عضو بارز فيها، ابلغ ان تهميش دور اللجنة مستهجن ومريب.
وتفيد المعلومات ان الرئيس سعد الحريري ابلغ اعضاء اللجنة، في اجتماعها اليتيم، انه بات يشجع النسبية الكاملة ويعتبر انها حل ممكن، مقترحا اعتمادها الى جانب مجلس الشيوخ في رزمة واحدة، وهو طرح يتقاطع مع ما سبق ان اقترحته اطراف اساسية أخرى، الامر الذي دفع قطب سياسي الى التساؤل عن طبيعة القطبة المخفية التي لا تزال تمنع اقرار هذا الحل القائم على تلازم انشاء مجلس شيوخ وفق «الارثوذكسي»، وانتخاب مجلس نيابي على اساس النسبية الشاملة.
وللمرة الثانية خلال وقت قصير، أبدى البطريرك الماروني بشارة الراعي عدم ممانعته في حصول الانتخابات على اساس «الستين»، وهو ما قاله امس في عظة الاحد انه اذا لم يتم اقرار قانون جديد فليس عيبا الاقرار بالفشل واجراء الانتخابات وفق القانون النافذ حاليا.
ويبدو ان موقف البطريرك المتكرر ولّد انزعاجا لدى ثنائي «التيار الحر» ـ «القوات اللبنانية»، باعتباره يؤمن التغطية المسيحية لأحد أسوأ السيناريوهات بالنسبة الى الرابية ومعراب.
وتقول اوساط مسيحية مقربة من هذا الثنائي ان الراعي يفترض على الارجح ان اي قانون انتخابي يمنح الارجحية لـ«التيار» و«القوات» سيُضعف دوره وتأثيره، مشيرة الى انه بات يتقاطع في منطلقاته مع حسابات القوى المسيحية المستقلة التي تملك الهواجس ذاتها، كحزب الكتائب وتيار المردة وبطرس حرب وميشال المر…
وتلفت الاوساط الانتباه الى ان الراعي يريد حماية حجم المستقلين المسيحيين ودورهم في مواجهة تكامل «التيار»- «القوات» ومفاعيله السياسية.
وتعتبر الاوساط ان خطورة موقف بكركي تكمن في ان البعض قد يرتكز عليه لمحاولة تمرير «الستين»، على قاعدة ان هناك غطاء مسيحيا لهذا القانون عبر الكنيسة المارونية.
وتشير الاوساط المسيحية الى ان من بين اهداف كلام الراعي مد الجسور مع المرجعيات الاسلامية، الامر الذي يفسر كيف ان الرئيسين بري والحريري والنائب جنبلاط، سارعوا الى التقاط كلامه والبناء عليه، كلٌ على طريقته.
وتؤكد الاوساط ان الثنائي المسيحي لا يمكن ان يوافق على اعادة احياء «الستين»، تحت اي ظرف او اعتبار، لان من شأن هذا القانون ان يعيد تجديد الخلل والغبن في التمثيل المسيحي لاربع سنوات جديدة، وهو امر من غير الوارد القبول به، لافتة الانتباه الى ان «الستين» لا يأتي سوى بقرابة 33 نائبا باصوات المسيحيين الذين يرفضون استمرار هذه المظلومية.
اما صيغة «التقدمي الاشتراكي» (64 اكثري في 26 دائرة، و64 نسبي في 11دائرة)، فقد اتت طليعة الاعتراضات عليها من «التيار الحر» و«القوات»، فيما ليس خافيا ان حزب الله وافق على التأهيلي مع تفضيله النسبية الكاملة، كما ان بري يستعد لضخ مشروع جديد في التداول السياسي.
باسيل… و«التأهيلي»
وقال رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل لـ«الديار» ان افضلية المرور تبقى لمشروع التاهيل الذي لا يزال يحظى باعلى نسبة من التوافق قياسا الى المشاريع الاخرى المتداولة، مشيرا الى ان الردود التي بلغته على هذا الطرح في الاجتماعات المغلقة هي ايجابية ومشجعة، الامر الذي يعطيه الافضلية والارجحية كونه يشكل مساحة التقاطع الاوسع حتى الآن، «علما انه حصيلة التشاور مع الجميع وليس مشروعي الشخصي».
وبينما يلاحظ باسيل ان مبادرة البعض الى اقتراح صيغ انتخابية هي من حيث المبدأ اشارة ايجابية تعكس استعداد للتفاعل مع الآخرين، يبدي خشيته في الوقت ذاته من ان يؤدي تدفق المشاريع في هذا التوقيت الدقيق الى إضاعة الوقت الثمين، على مقربة من المهل الحاسمة.
ارسلان يعترض
اما رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال ارسلان، فأكد لـ «الديار» ان كل مشروع مختلط، ايا تكن تركيبته، هو تشويه للنسبية الحقيقية، مشددا على تمسكه بالنسبية الكاملة، ومنبها الى ان الصيغ التي تُطرح ليست الا محاولة للهروب من صحة التمثيل وعدالته.
ويوضح انه شرح لجنبلاط خلال لقائه الاخير به وجهة نظره، لافتا الانتباه الى انه كان منفتحا من دون ان يعطي إجابة مباشرة. ويضيف ارسلان: إذا كانت النسبية ضمن الدوائر الكبرى تثير قلق البعض فأين مشكلتهم مع الدوائر الوسطى التي ابدينا الاستعداد لمناقشتها، إلا في حال كان المقصود هو احتكار التمثيل.
ويعرب عن عدم ارتياحه لمسار الامور، ولكيفية التعامل مع ملف قانون الانتخاب، متخوفا من وجود محاولة لفرض امر واقع في نهاية المطاف. ويحذر من ان العودة الى «الستين» ستنطوي على كارثة، ومشيرا الى انه من المعيب والمخزي ألا تتمكن الطبقة السياسية من وضع قانون عادل للانتخابات.
ويلفت ارسلان الانتباه الى ان من الطروحات الواقعية التي يمكن ان تحاكي كل الهواجس وترضي الجميع، إذا صدقت النيات، هي سلة التوافق حول مجلس الشيوخ الذي يحمي حقوق الطوائف ومجلس النواب المنتخب على اساس النسبية الشاملة.
مقاربة «القوات»
الى ذلك، عُلم ان الجهاز المتخصص في حزب القوات اللبنانية انكب خلال عطلة نهاية الاسبوع على درس تفاصيل صيغة الحزب التقدمي الاشتراكي، من الزوايا التقنية، تمهيدا لرفع تقريره حول نقاط القوة والضعف فيها، الى رئيس الحزب سمير جعجع اليوم، لا سيما في ما يتعلق بالتمثيل المسيحي.
وفي انتظار ما سيحمله التقرير التقني من نتائج، قالت مصادر قيادية في «القوات» لـ«الديار» ان مبادرة النائب وليد جنبلاط الى اقتراح مشروع انتخابي، مرحب بها من حيث المبدأ، اولا لانها تعطي اشارة واضحة الى مغادرة جنبلاط مربع «الستين»، وثانيا لانها تنسجم مع مبدأ المختلط الذي سبق ان جرى التوافق عليه بين «القوات» وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في السابق.
ولكن المصادر تلفت الانتباه الى ان القراءة الاولية للمشروع المقترح بيّنت انه لا يسمح للمسيحيين عمليا سوى بانتخاب قرابة 43 نائبا باصواتهم فقط، في حين ان المطلوب هو ان يتمكنوا من الإتيان بما بين 50 و55 نائبا على الاقل بقدرتهم الذاتية.
وتشير المصادر الى انه لا يكفي ان يكون طرح «الاشتراكي» مستندا الى معايير واحدة حتى يكون مستوفيا لكل الشروط الضرورية ومطابقا لمواصفات التمثيل الصحيح، مشددة على ان المقياس الاساسي الذي تعتمده «القوات» في الحكم على هذا القانون او ذاك يكمن في مدى القدرة على تحقيق أفضل تمثيل مسيحي ممكن وبالتالي الاقتراب من المناصفة الحقيقية.
ومع ذلك، تعتبر المصادر ان ما طرحه جنبلاط يمكن ان يشكل ارضية صالحة للنقاش معه، سعيا الى التلاقي فوق مساحة مشتركة، ما دام ان مشروعه ينطلق من المزاوجة بين الاكثري والنسبي والتي تشكل ممرا الزاميا نحو التوافق على قانون مشترك.
وتشدد مصادر «القوات» على ضرورة اجراء مقاربة شاملة لاشكالية التمثيل في لبنان، تشمل حسم مسالة مجلس الشيوخ ووضع قانون ثابت للانتخابات، يكون له طابع الاستمرارية، لان من شأن ذلك ان يحقق استقرار الطوائف والتوازنات، مبدية قلقها من ظاهرة تقدم مشروع اليوم وسقوطه غدا، وكأن هناك نيات مضمرة للبعض.
رسالة الجيش
على صعيد آخر، ترك الانجاز الامني النوعي الذي حققته مخابرات الجيش اللبناني في اطراف عرسال ارتياحا لدى الاوساط السياسية والشعبية. هي ليست المرة الاولى التي ينفذ فيها الجيش عملية نوعية وناجحة ضد الارهابيين، ولكن عملية وادي الحصن قبل يومين والتي ادت الى مقتل أحد شرعيي داعش واعتقال آخرين، اكتسبت أهمية اضافية ودلالة خاصة، باعتبارها الاولى من حيث الحجم والوزن في العهد العسكري الجديد الذي يمثله قائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير المخابرات طوني منصور، المُعينين حديثا في منصبيهما.
بهذا المعنى، وجه الجيش رسالة واضحة الى المجموعات الارهابية، مفادها انه تحول الى مؤسسة حقيقية ومنتظمة لا تتأثر انتاجيتها بانتقال السلطة في اليرزة، وان معركته ضد العدو التكفيري مستمرة بزخم قوي، لا سيما ان العماد عون اتى أصلا الى القيادة من الخطوط الامامية للمواجهة في جرود عرسال.
وفي هذا السياق، قالت مصادر عسكرية بارزة لـ «الديار» ان الجيش لن يسمح للارهابيين بان يلتقطوا انفاسهم بتاتا، مؤكدة ان هؤلاء واهمون إذا كانوا قد اعتقدوا، في لحظة، ان مرحلة التسليم والتسلم بين القيادتين السابقة والحالية ستؤدي الى نوع من الاسترخاء في عمل الجيش وستمسح للمطلوبين بالتنفس والتحرك.
وتؤكد المصادر ان تصميم الجيش على مواجهة الخطر التكفيري هو ابعد من مجرد قرار، بل يرقى الى مستوى الخيار، داعية الى التوقف مليا عند قول العماد عون خلال تفقده لثكنة رومية قبل ايام بان الوضع في لبنان تحت سيطرة الجيش، لافتة الانتباه الى ان ما تحقق على هذا الصعيد هو انجاز سيتم البناء عليه.
وتكشف المصادر عن ان القتيل الداعشي حسن صبحي المليص هو مطلوب بمذكرات توقيف عدة، ولقبه ابو محمد حسن الشرعي انطلاقا من الدور الذي كان يؤديه، موضحة انه كان يشكل الهدف المركزي للمهمة التي نفذها الجيش، بعد رصد دقيق افضى الى تحديد وجود المليص في منزل معين في وادي الحصن، كان يبت فيه ليلته، فتمت مهاجمته فجرا.
صحيفة الديار – عماد مرمر