إلّا انّ ذلك، ووفقاً لتوجهات القوى كلّها، لا يعني انّ الامور مقفَلة، بل انّ احتمال ولادة القانون يبقى هو الاقوى حتى الآن، خصوصاً انّ الجميع باتوا يَستشعرون بخطر العودة الى الوراء، وهذا ما يتأكّد من خلال إصرار هذه القوى على الجلوس الى طاولة الحسم، وإخراج القانون من عنق زجاجة التعقيدات، والنأي به عن ايّ طروحات قد لا يكون الوقت الحالي ملائماً لها، بمعزل عمّا إذا كانت محِقّة أو كانت من باب محاولة تحقيق مكاسب في الوقت الحرج، أو في آخِر لحظة.
وما يُغلّب الإيجابية على السلبية حتى الآن، هو تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المتجدّد أنّ القانون سيولد حتماً، وفق ما يُنقل عنه في الآونة الاخيرة، وكذلك التأكيد المتواصل، لا بل الجازم لرئيس الحكومة سعد الحريري بأنّ الايام القليلة المقبلة ستشهد الولادة الميمونة للقانون العتيد.
وفي ظلّ هذه الاجواء، يأتي اللقاء الذي عقِد أمس في «بيت الوسط»، في محاولة لكسر المعوقات وعقلنةِ الطروحات، وإبقائها في دائرة الواقعية، وليس الذهاب بها نحو طموحات من الصعب إدخالها في دائرة التطبيق، لا الآن، أي في ما تبَقّى من وقت ضيّق قبل نهاية الولاية المجلسية، ولا في المستقبل، بالنظر الى التركيبة السياسية المعقّدة للواقع اللبناني.
وفيما بقيَ خطّ التواصل مفتوحاً في الساعات الاخيرة، بين عين التينة و»حزب الله»، وكذلك بين عين التينة وكليمنصو، وأيضاً بين «الحزب» و«التيار الوطني الحر»، وكذلك بين «التيار» ومعراب عبر زيارة النائب ابراهيم كنعان لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع، زخّمَ النائب جورج عدوان من تحرّكِه واتصالاته، مع الوزير علي حسن خليل، وكذلك بالنائب وليد جنبلاط، وقبل ذلك مع الوزير جبران باسيل، وعكسَ في خلاصتها إيجابيات يمكن البناء عليها.
وقالت مصادر عاملة على خط التفاوض لـ«الجمهورية» إنّ قطار القانون لا يزال على السكة الصحيحة وإنّ الإشكاليات المطروحة ليست إلّا تحسين شروط وتعلية سقوفٍ قبل التسوية، وهذا امر طبيعي.
واعتبرَت انّ محاولة إدخال طروحات جديدة على التسوية ستُثقِل الاتفاق وتُعرقل مسار الحل وتؤخّر إخراجَه، إنّما لن تؤثّر على النتيجة وهي ولادة قانون قبل انتهاء المهلة، وهو القرار الذي وضَع مداميكه اتّفاق بعبدا».
وقالت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية» إنّ من يريد تثبيت المناصفة هو غير مدرك لحقيقة الأمور، أولاً أنّ المادة 24 من الدستور تحفَظ المناصفة، وهي مواد مقدّسة وكرّر بري اكثر من مرّة في مجالسه انّه «لو بقيَ مسيحي واحد سيبقى يحترم المناصفة».
وكشفَت أنّ بري قال لعون والحريري في قصر بعبدا إنّ التمثيلَ العادل هو أن يعتمد الصوت التفضيلي ضمن الدائرة، لكن إذا كان هذا الامر يُطمئن المسيحي فأنا لا أمانع من ان يكون على اساس القضاء.
وعلمت «الجمهورية» انّه تمّ الاتفاق على تضمين مشروع القانون مقاعدَ للمغتربين يبدأ تطبيقه في الدورة الانتخابية التالية وليس في هذه الدورة، علماً انّه لم يحسم بعد ما إذا كانت المقاعد الـ 6 للمغتربين ضمن الـ 128 نائباً مطلب (التيار الوطني الحر) او خارج هذا العدد مطلب (حركة «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي).
مصادر كنَسية
ودعَت مصادر كنسيّة الى «إقرار قانون الانتخاب سريعاً وعدم إضاعة الفرصة لأنّ الوقت يتآكل وموعد 20 حزيران مفصليّ».
وأكّدت لـ«الجمهورية» أنّ «القانون المنتظر يجب أن يُعطيَ جميع المكوّنات اللبنانية حقوقَها ويَسمح للشعب بالمحاسبة»، لافتةً في الوقت نفسه الى أنّ «اللعب بالمناصفة في مجلس النواب أو في بقيةِ المؤسسات ممنوع، وأيّ مخاطرة ستضرب الصيغة اللبنانية وستؤدّي الى أزمات نحن في غنى عنها».
ورأت المصادر الكنسيّة أنّ «الجدل حول المناصفة يجب أن لا يحصل أصلاً لأنّ المناصفة من المسَلّمات الوطنية التي حفظَها الدستور، وإضافة فقرات في هذا الخصوص، تأتي لتطمين قسمٍ من اللبنانيين الخائفين على حضورهم في البلد والذين أبعِدوا عن الحكم بعد «إتفاق الطائف» فيما تمتّعَ غيرهم بجنّة الحكم، لذلك على الفريق الذي يعارض هذا الأمر تقديم مبرّراته المقنِعة».
ودعت جميع السياسيين الى «الوفاء بوعودهم وعدم التنصّل ممّا كانوا يقولونه سابقاً، لأنّ منطق «كلام الليل يمحوه النهار» لم يعُد سارياً على أحد، وكلّ من يدّعي حرصَه على المسيحيين يجب ان يطبّقَ هذا الأمر فعلاً لا قولاً».
برّي
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد قال امام زوّاره إنّ موضوع مجلس الشيوخ كان قد طرَحه اكثر من مرّة منذ لقائه البطريركَ الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الفاتيكان عام 2011، وفي حوار بعبدا بدايةً ثمّ في حوار عين التينة، وقال يومها «إنّ الذي يفسّر الدستور هو مجلس النواب، وبالتالي فلنتّفِق على طريقة تفسير المادة 22 التي تنص على انّه «مع انتخاب اول مجلس نواب على اساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
وأضاف بري: «تفسير هذه المادة حسب روحية الطائف هو انّ مجلس الشيوخ ينشأ بعد انتخاب مجلس نيابي وطني لا طائفي، ولكنّي ذهبتُ في التفسير الى طرح تزامنِ قانون مجلس الشيوخ مع المجلس الوطني، واعتبرتُ أنّ كلمة «وطني» تعني المناصفة مع أنّ معناها غير ذلك، ولكنّي طرحتُها من باب الحرص على المناصفة، وقلتُ للمجتمعين يومها إنّهم اذا كانوا موافقين على مشروع قانون انتخاب على اساس الدوائر الـ6 والنسبية فلنمضِ به كالآتي:
1ـ مجلس شيوخ مع صلاحيات مكتوبة فيما بعد، وقيل لي: لم يأتِ شيعي قبلاً ويوافق على هذه الصلاحيات التي تأخذ من صلاحيات مجلس النواب، خصوصاً في مقدّمة الدستور، وبعض الصلاحيات الأخرى.
2ـ مجلس نيابي يُنتخب على اساس النظام النسبي بلبنان دائرة واحدة أو 6 دوائر (المحافظات الـ 5 التاريخية، والسادسة تكون الشوف وعاليه). لكنّي وضعتُ حدّاً زمنياً لهذا الاقتراح انتهى في 15 أيار فوصَلنا الى هذا الموعد بلا نتيجة وعندها سحبتُ اقتراحي».
وأوضَح بري أنّه في اوّل اجتماع عَقده مع الحريري وعدوان «تداوَلنا في الطروحات المتعلقة بقانون الانتخاب وقلتُ إنني أقبل بـ 6 أو 10 أو 11 أو 12 أو 13 أو 14 دائرة، وسألوني عن الـ 15 دائرة فقلت»لا»، ولكن عندما جيءَ لي بمشروع الوزير السابق مروان شربل الذي يتكوّن من اكثر من صيغة اطّلعتُ على صيغة الـ 15 دائرة وقبلتُ بها وأبلغتُهم موافقتي على مشروع الـ 15 دائرة».
وقال بري: «لا يزالون يطالبون بنقلِ عدد من المقاعد النيابية وتعديل الدستور حيال المناصفة ومجلس الشيوخ، فليَعمل رئيس الجمهورية مثلاً بعد إقرار قانون الانتخاب على عقدِ حوار وإصدار إعلان سياسي يتناول مثلاً مجلس الشيوخ واللامركزية الادارية».
وقال بري جازماً: «لو بِتقوم الساعة» لن نجعل لبنان طائفياً، أنظُروا ماذا يجري في المنطقة، إنّنا نشهد ما يمكن وصفُه بداية تقسيمها، فهل نُمعن في بلدنا ونسير في هذا المسار»؟
حمادة
وقال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «إنّ هناك سباحةً خارج التيار، بل عكس كلّ التيارات»، لافتاً الى «طرح مواضيع لها طابعٌ دستوري، فيما مرسوم فتح الدورة الموقّع من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يَحصر النقاش بقانون الانتخاب حصراً، وبالتالي لا مجال لأيّ تعديل دستوري في الدورة الحالية، وهناك مسار محدّد في الدستور لاقتراح التعديلات، يبدأ من المجلس النيابي ويمرّ ايضاً بمراحل عدة، فكفى تضييعاً للوقت، ولنقِرّ قانون انتخاب بالحدود المعقولة التي كان الأفرقاء قد توصّلوا إليها ليلة الإفطار الشهير (في القصر الجمهوري)».
التكتّل
وأكّد كنعان بعد اجتماع تكتّل» التغيير والإصلاح» أنّ «الضوابط بدأت من مجلس الشيوخ مروراً بتثبيت المناصفة في الدستور والأرثوذكسي وسواها من أشكال الحفاظ على الشراكة مع النسبية»، مشيراً إلى أنّ «الضوابط المطلوبة هي ضمان للمسيحيين والمسلمين ومن يرفضها يخرج عن الاتفاق ويعطّل قانون الانتخاب».
واعتبر أنّ «التعطيل هو لدى من يخرج عن منطق التفاهمات، خصوصاً أنّ تثبيتَ المناصفة في الدستور ومجلس الشيوخ طُرِحا وتمَّ التراجع عنهما». وقال إنّ «التمثيل الصحيح يقتضي حصول اللائحة على حاصل انتخابي تخسر إذا لم تحصل عليه، وهناك ضرورة لحاصل انتخابي للمرشح ضمن طائفته لا يقلّ عن 40%». وقال: «نميل الى الرأي القائل بإجراء الانتخابات في تشرين».
زيارة فوتيل
وفي هذه الأجواء، جالَ قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف فوتيل على القيادات السياسية وقائد الجيش العماد جوزف عون. ورأى مصدر أمنيّ في توقيت الزيارة «أهدافاً ودلالات واضحة، في ظلّ ما تشهده الساحة السورية من متغيّرات وإعادة رسمِ مشهدِ التوازنات بين القوى المتطرّفة، مع ازدياد حدّة الاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب بين أطراف النزاع».
وأكّد لـ«الجمهورية» أنّ «الزيارة أبعدُ من إعادة تأكيد الموقف الروتيني حول تقديم كافة أنواع الدعم للجيش اللبناني». وأوضَح أنّ «زيارة فوتيل نُسّقَت خلال زيارة قائد الجيش الى الولايات المتحدة الأميركية الشهر الماضي، حيث زادت حماستُه التي كانت «مشتعلة» من الأساس لدعم الجيش اللبناني بكلّ أنواع السلاح التي يَطلبها، ولزيادة برنامج المساعدات من تدريبٍ وتسليح، بعد تكليفِه متابعة مختلفِ أوجُه التعاون بين الجيشين اللبناني والأميركي وبرامج المساعدات والهبات، إذ إنّه يرى أنّ الجيش أثبتَ كفايةً في استخدام السلاح الأميركي لآخر طاقاته وجدارة في محاربته للإرهاب، وهو ما يجب دعمُه بالتسليح».
وأشار الى أنّ «فوتيل لم يتطرّق مباشرةً الى الأزمة السياسية التي يعاني منها البلد على صعيد أزمة قانون الانتخابات وما قد ينتج من فراغ يشلّ الدولة اللبنانية، إلّا أنّ التساؤلات التي طرَحها تحمل أكثر من علامة استفهام عن مغزى الزيارة في هذه اللحظة الحاسمة إقليمياً ومحلياً».
وعن شنِّ الجيش هجوماً عسكرياً ضد مواقع الإرهابيين لتطهير جرود السلسلة الشرقية من تنظيم «داعش»، لفتَ المصدر الى أنّ «فوتيل لم يُفاتح المسؤولين الذين التقاهم في هذه المسألة، معتبراً أنّ هذا الأمر شأنٌ لبناني تعود مسألة القرار فيه لقيادة الجيش اللبناني وخططه واستراتيجيته التي يراها مناسبة، خصوصاً أنّه نجَح في الإمساك بزمام المبادرة وقلبَ المعادلات لمصلحته، وأبدى الاستعدادَ لفتحِ مخازن الجيش الأميركي في المنطقة، في حال قرّرت اليرزة تغييرَ استراتيجيتها في المواجهة».