بعد خمسة عشر عاما على حلم “فرنسيس فوكوياما” بـ ” نهاية التاريخ ” يخشى العديد من الاعلاميين والمراقبين في العالم من اقترابنا من مرحلة ” نهاية الاعلام” أو الأخبار.
فالمواطن اليوم الذي يغرق في استهلاك مضامين متنوعة وعديدة من وسائل اعلام متعددة الأهداف والأغراض ، أصبح عاجزا عن التمييز بين الغث والسمين ، بين الخطأ والصواب ، بين الخبر والاشاعة ، لا بل محبطا في كثير من الأحيان لأسباب عديدة أهمها :”عدم تركيز العديد من وسائل الاعلام على مواضيع المجتمع ” و”ملاحقة بعض الأمور السطحية المرتكزة الى عناصر الشهرة والفضائح …”
ويزداد القلق شيئا فشيئاً من تمركز وسائل الاعلام ووضع اليد المالية على العديد من التجمعات الاعلامية التي تضم مؤسسات منتشرة في أرجاء العالم.
فمع التبعية و التشابه الشديد في الاعلام اليوم واللذان يعتبران حلفاء لمبدأ التسامح والتصالح (Laxisme) اضافة الى السطحية في عمل بعض الاعلاميين ، يخشى أن تتم الاطاحة بحرية واستقلال وسائل الاعلام في العديد من المجتمعات وبالتالي ابتعادها عن كافة الضوابط المهنية التي ترعى عملية نقل ونشر المعلومات وشرحها وتحليلها بما يخدم المصلحة العامة.
والحديث عن ضرورة أن يخدم الاعلام المصلحة العامة للوطن والمواطن مسألة جوهرية باعتبار أن الاعلام اليوم يشكل موردا أساسيا من الموارد العامة لكل بلد وسلاحا فعالا في خدمة المشاريع المراد تسويقها .
فكيف نحفظ حق الاعلام والاستعلام في مواجهة كل المحاولات الاقتصادية والسياسية لمصادرته؟
هل تحرر المهنية الوسيلة الاعلامية؟
هل تؤمن التبعية ملاذا آمنا لعمل الاعلام؟
وهل هناك امكانية أو موقعا وسطا للوسيلة الاعلامية بين المهنية والتبعية؟
الأوجه المتعددة للتبعية الاعلامية:
بداية لا بد من الاشارة الى أنه لا يوجد اعلام يعمل بين المفهومين التبعية والمهنية معا، لأن التبعية هي نقيض للمهنية واذا حلت الأولى تغيرت ملامح وأسس المؤسسة الاعلامية التي تعتمد على المعلومة الصحيحة كمنطلق وبالتالي تحل محلها وسيلة ترويج تعتمد على التضليل الاعلامي “Desinformation” التي تستخدم الاشاعة وفي أحسن الأحوال جزءا صغيرا من معلومة كمركز انطلاق وتأثير في الرأي العام .
فوسائل الاعلام عبارة عن منظومة اتصال تستخدم العديد من الرموز والرسائل . ودورها الأساس هو اعلام الأفراد عن هواجسهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عالم يذهب باتجاه المركزية وصراع المصالح مما يدفع بالعديد من هذه الوسائل الى زيادة استخدام الدعاية والترويج في برامجها الاخبارية والسياسية وذلك خدمة لبعض المصالح المرتبطة بمشاريع استراتيجية متصارعة.
هذا الأمر يجعل الاعلام بصورة مباشرة أو غير مباشرة تابعا مرتبطا بسياسات اعلامية لا تتوافق غالبا مع السياسات الوطنية.
ولعل أبرز تجليات هذه التبعية تكمن في:
1- حجم وغنى المالك اضافة الى تمركز وتوجيه مصالح المؤسسات المهيمنة.
2- الاعلانات كمصدر مالي أساسي للعديد من وسائل الاعلام في القطاع الخاص.
3- تبعية ترتبط بمصادر أخبارية من بعض الحكومات والشركات الكبرى.
4- العوائق كوسائل تأديبية لضبط وسائل الاعلام .
5- الحيادية كأسلوب تفلت من كثير من الالتزامات.