على مرأى من الرأي العام ارتضاءً بحكمه وقضائه، خضعت حكومة «استعادة الثقة» أمس لجلسة مساءلة عامة برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري واستهلها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بكلمة قدّم فيها «جردة حساب» بإنجازات حكومته وخططها الآنية والمستقبلية، مسبوقة بتقديمه التحية إلى «الإنجاز الذي يكتبه الجيش اللبناني بدماء أبطاله»، مشدداً على كونه «أغلى الإنجازات والعنوان العريض لقرار الدولة والحكومة التصدي للتنظيمات الإرهابية وطرد الفلول التابعة لها من لبنان»، قبل أن يعود ليؤكد مساءً أنّ العمليات العسكرية التي يواكبها اللبنانيون في الجرود بضوء أخضر من مجلس الوزراء هي «أكبر شهادة ثقة بالدولة والحكومة والجيش». أما في مستجدات الميدان، فواصلت «فجر الجرود» تقدمها على الأرض مسجلةً «إنجازاً نوعياً» كما وصفته مصادر عسكرية رفيعة لـ«المستقبل» في معرض تفنيدها نتائج «المرحلة الثالثة» من العملية التي انطلقت أمس ونجحت في تحقيق هدف السيطرة على كامل البقعة الشمالية لجبهة القتال حتى الحدود مع سوريا، مؤكدةً تقهقر إرهابيي «داعش» تحت ضربات الوحدات المتقدمة بين قتيل في أرض المعركة وفار نحو سوريا، ومن تبقى منهم بات محاصراً كلياً في المنطقة الحدودية عند «وادي مرطبيا» حيث يواصل الجيش دكّ آخر معاقلهم داخل الأراضي اللبنانية وتضييق الخناق عليهم بالتزامن مع تفكيك حقول الألغام تمهيداً للتقدم وتوجيه «الضربة القاضية» لهم وإعلان تحرير السلسلة الشرقية من الجرود حتى الحدود.
وإذ أعلنت قيادة الجيش أنّ المساحة المُحرّرة بلغت حتى الأمس نحو 100 كلم2 من أصل 120كلم2، أوضحت المصادر العسكرية أنّ الوحدات البرية تمكنت خلال الساعات الأخيرة من تحرير المنطقة الجردية في الشمال والوسط، ويبقى الجنوب من تلك المنطقة حيث يتحصّن الإرهابيون في البقعة المتاخمة للحدود مع
سوريا، مشيرةً إلى أنّ هذه البقعة الواقعة في «وادي مرطبيا» هي الأخيرة المتبقية للإرهابيين وتُعتبر من أهم مواقعهم لكونها تشكل طريق إمدادهم من وإلى سوريا. ورداً على سؤال، نقلت المصادر عن قيادة المؤسسة العسكرية أنها «مرتاحة جداً لسير العمليات في الميدان وفق الخطة الموضوعة»، لافتةً في هذا السياق إلى أنّ «التقدم النوعي الذي تحقق في المرحلة الثالثة تم إنجازه بسرعة أكبر مما كان متوقعاً نتيجة دقة التخطيط والتنفيذ في المرحلتين السابقتين من العملية خصوصاً مع القصف الجوي والمدفعي المركّز الذي ضعضع صفوف الإرهابيين وقطع طرق الإمداد في ما بينهم بالإضافة إلى النجاح في السيطرة على التلال الاستراتيجية المطلة على مواقعهم»، مع إشارتها إلى أنه أمام الإطباق المُحكم الذي فرضه الجيش اللبناني على إرهابيي «داعش» والالتفاف المباغت والصاعق الذي اعتمدته الوحدات البرية في دحرهم، لم يعد أمام الإرهابيين سوى المراهنة على حقول الألغام التي زرعوها لتأخير تقدم الجيش «الذي يواصل بتأني فتح الثغرات في هذه الحقول حفاظاً على أرواح العسكريين الذين سقط منهم شهيد جديد أمس وأصيب أربعة آخرون بانفجار نسفية مفخخة».
المساءلة
بالعودة إلى جلسة المناقشة العامة التي تناوب خلالها 22 نائباً على الكلام صباحاً ومساءً، فقد اخُتتمت بكلمة لرئيس الحكومة ردّ فيها على أسئلة وملاحظات النواب، مبدداً بعض اللغط الذي أثير حول عدد من الملفات الحيوية فأكد العزم على المضي قدُماً في مناقصة استئجار الطاقة لتأمين الكهرباء للمواطنين 24/24 «على مدار السنة وليس في الصيف فقط» بموجب المرحلة الطارئة في الخطة الحكومية التي تتطلب تأمين 800 ميغاواط بأسرع وسيلة وبكلفة أقل للحد من العجز القائم، وذلك بالتوازي مع العمل على تنفيذ المرحلتين المتوسطة وبعيدة المدى في هذه الخطة لوقف الهدر والوصول إلى «صفر» في مجال التكاليف التي تتكبدها الدولة لدعم القطاع والتخطيط لما يلزم من كهرباء في البلد في العام 2025.
كما تطرق الحريري إلى عملية التطوير التي تخوضها الحكومة في قطاع الاتصالات، مؤكداً العمل على وقف الهدر وزيادة دخل الدولة من هذا القطاع، كاشفاً أنّ وزير الاتصالات جمال الجراح سيقدم مشروع آلية لحل موضوع الديون المتراكمة منذ 25 سنة للوزارة ووقف الخطوط الهاتفية المُستخدمة من الوزراء والوزارات والهيئات والأفراد على حساب الدولة.
وفي موضوع إنهاء خدمات رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، استغرب الحريري انتقاد البعض لحصول تعيينات وتشكيلات جديدة وفق الأصول الدستورية، مشدداً على أنّ التغيير مطلوب في الإدارة والقضاء والنيابة وفي كل مكان للنهوض بالدولة.
وبينما جزم رداً على تساؤل بعض النواب حول قضية التبادل مع تنظيم «جبهة النصرة» بأنّه «لم يخرج لبناني واحد أو أجنبي واحد محكوم من السجون اللبنانية في معرض هذا التبادل»، ردّ رئيس الحكومة على الكلام الذي أثير في جلسة المناقشة حول عدم تنفيذ برنامج تسليح الجيش، بالإشارة إلى أنّ حكومته أدرجت في مشروع موازنة 2017 مبلغ 337 مليار ليرة المحدد في قانون البرنامج هذا.
أما في موضوع الرملة البيضاء والدالية، فلفت إلى أنّ «بلدية بيروت تعمل على مشروع يمكّن الناس من الذهاب إلى هناك»، وأردف مؤكداً: «لن تكون هناك أي تسوية. هذا مكان للناس، كان للناس، رفيق الحريري رحمه الله أبقاه للناس وسعد الحريري سيبقيه للناس». وختم متوجهاً إلى من يتحدث عن الفساد بالقول: «كنت أتمنى أن تُقال الأمور كما هي، مشكلتنا أننا نتحدث بالفساد ولا نسمي، نتحدث بالهدر ولا نقول ما هو، وفي حال وجدت ملفات على أشخاص إداريين أتمنى على الزملاء النواب رفع قضايا بحقهم، وإذا كان هناك وزير من «تيار المستقبل» تفضلوا حاكموه لا توجد لدي مشكلة (…) أما الحديث عن الفساد لاكتساب شعبية في مكان ما فأنا ضده لأن ذلك فعلياً يُضعف ثقة الناس بنا».