أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الشهداء العسكريين الذين خطفوا وقتلوا على يد التنظيمات الارهابية في جرود السلسلة الشرقية، وقفوا في العام 2014 ، على خطوط الدفاع عن لبنان غير آبهين بما ظلل تلك المرحلة من غموض في مواقف المسؤولين، سببت جراحاً في جسم الوطن. وشدد على أن دماءهم أمانة لدينا حتى تحقيق الاهداف التي استُشهدوا من اجلها وجلاء كل الحقائق.
وإذ اشار رئيس الجمهورية الى أن الأوطان ليست مستحقة لنا إذا لم نكن مستعدين لصونها بالشهادة وكل ما غلا في حياتنا، فإنه أكد أن شهادة العسكريين المكرمين اليوم هي شهادة للعالم على ما يدفعه لبنان ثمناً لمواجهاته الطويلة مع الإرهاب على مر السنين.
ودعا الرئيس عون اللبنانيين جميعاً، وفاءً لتضحيات شهدائنا، الى تمتين وحدتهم الوطنية، ونبذ المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن والشعب، والسعي لبناء وطن عصري، منفتح وثري بتنوع أبنائه وغنى حضارته، تحقيقاً لأحلام شبابنا الذين كفروا بالانقسامات، والتراشق السياسي، والمشاكل المتوارثة من جيل إلى جيل.
مواقف الرئيس عون جاءت خلال ترؤسه المراسم التكريمية التي اقيمت عند الساعة العاشرة من صباح اليوم في باحة وزارة الدفاع الوطني في اليرزة لجثامين الشهداء العسكريين الذين خطفهم وقتلهم تنظيم داعش الارهابي في جرود السلسلة الشرقية، وذلك في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزف عون وقادة الاجهزة الامنية وممثلين عن رؤساء الطوائف والبعثات الديبلوماسية واهالي الشهداء وعدد من الشخصيات.
مراسم التكريم
وكانت مراسم التكريم بدأت عند الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم بعد رفع العلم اللبناني في باحة وزارة الدفاع على وقع موسيقى الجيش بانتظار وصول موكب الجثامين الذي انطلق من المستشفى العسكري.
وبعد وصول علم الجيش الى باحة وزارة الدفاع، وصل رئيس الاركان اللواء الركن حاتم ملاك ثم قائد الجيش العماد عون، ثم وزير الدفاع، فالرئيس الحريري الذي وصل بعده الرئيس بري، واقيمت لكل منهم مراسم التشريفات.
وعند الساعة العاشرة، وصل الرئيس عون، فعزف النشيد الوطني ولحن التعظيم،عرض بعدها رئيس الجمهورية ثلة من حرس الشرف، ثم قُرعت الطبول إيذاناً بإدخال نعوش الشهداء محملة على أكتاف عناصر ثلة من الشرطة العسكرية الى باحة وزارة الدفاع حيث سُجيّت في ساحة العلم، وتمّ إطلاق 21 طلقة تكريماً لهم، تليت بعدها نبذة عن حياة كل من العسكريين العشرة الشهداء، وأُعلن عن منحهم وسام الحرب ووسام الجرحى ووسام التقدير العسكري بعد الاستشهاد.
وبعد عزف موسيقى الجيش معزوفة الموتى ولازمة النشيد الوطني، وقف الحضور دقيقة صمت حداداً عن ارواح الشهداء، ردّد بعدها رفاق السلاح ثلاث مرات عبارة “لن ننساكم ابداً”، ثم وضع رئيس الجمهورية الاوسمة على نعوش الشهداء العشرة، فيما سلّم قائد الجيش عائلة كل شهيد العلم اللبناني عربون شكر وتقدير.
قائد الجيش
وألقى قائد الجيش في المناسبة الكلمة الآتية:
فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون
دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري
دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري
قادة الأجهزة الأمنية
الشخصيات الرسمية والروحية والاجتماعية
عائلات الشهداء – أيها الحضور الكريم
نلتقي وإياكم اليوم في هذه المناسبة المؤثرة والمليئة بالتضحيات الجليلة لأبناء المؤسسة العسكرية، الذين ومنذ لحظات اختطافهم على أيدي الإرهاب الغاشم، قد أعلنوا إقدامهم للدفاع عن الوطن والإستشهاد في سبيله، فكانوا عنوان معركة “فجر الجرود”.
فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون
لقد كان لحضوركم شخصياً مع ساعات الفجر الأولى إلى غرفة عمليات القيادة، بالغ الأثر في رفع معنويات الجيش، حيث تابعتم سير المعركة ميدانياً وخاطبتم العسكريين ضباطاً وجنوداً أبطالاً في ساحة المعركة، داعمين لهم، واثقين بهم وبانتصارهم على الإرهاب، ومؤكدين للبنانيين وللعالم على الملأ أن وحدة أراضي لبنان يصونها الجيش وشهداؤه، وأن النصر على الإرهاب آتٍ لا محالة، كما عبّر عن الموقف نفسه دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، الذي ما كلَّ يوماً عن دعم المؤسسة العسكرية ومؤازرتها في مختلف الظروف، وهو القائل: “الجيش دائماً على حق”، كذلك موقف دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري الذي بدوره زار الأراضي المستعادة وتفقَد جنودنا في الميدان، وقدّم كامل الدّعم لإنجاز المهمّات الموكلة إلينا، فما كان لعملية “فجر الجرود” أن تتحقق لولا دعمكم جميعاً، ولولا القرار السيادي اللبناني الذي اتخذته الحكومة اللبنانية.
أيها الشهداء الأبطال
فرحتنا بالإنتصار على الإرهاب تبقى حزينة، فقد كنا نأمل ونعمل على تحريركم من خطف الإرهاب سالمين، لتعودوا إلى جيشكم وعائلاتكم وتشاركونا هذا الإنجاز التاريخي، إلاّ أن يد الإرهاب الوحشي خافت من الإيمان الراسخ بوطنكم، فَأَخْفَتْكُمْ شهداءَ أجلاءَ تحت تراب الوطن الذي ارتوى من دمائكم الطاهرة. ففي حضرتكم أيها الشهداء يتسابق الخشوع مع الافتخار، وأمام نعوشكم يتوجب الإنحناء إجلالاً، لكننا دائماً وأبداً سنبقى مرفوعي الرأس بكم وبتضحياتكم، فأنتم وسام يُعَلَّقُ على صدور الضباط والرتباء والأفراد الذين خاضوا “فجر الجرود” لأنكم أول المضحِّين في هذه المعركة!
أيها الجنود الأبطال
باسم لبنان والعسكريين المختطفين الشهداء ودماء الشهداء الأبرار، وباسم أبطال جيشنا العظيم، أُطلِقَت عملية “فجر الجرود”، وتحققت أهدافها.
لقد تسابقتم إلى الميدان بإرادة قتالٍ لا تُقْهَرْ، فكانت حرفيَّتكم وبسالتكم وبطولتكم، وكنتم تلك القوّة التي صنعت الانتصار واستعادت الأرض.
إلاّ أنه وعلى الرغم من أهمية هذا الإنجاز التاريخي، لن ننسى ولن يسهى عن بالنا خلايا الإرهاب السرطانية النائمة، التي قد تسعى إلى الإنتقام لهزيمتها وطردها بمختلف الأساليب وفي مقدّمها أسلوب الذئاب المنفردة، وهذا يتطلب منّا البقاء متيقظين وحاضرين للتصدي لها والقضاء عليها.
عائلات الشهداء الأعزاء
أبناؤكم الشهداء شركاء أساسيون في صنع الإنتصار والفخر أنهم أيقونة التحرير ودحر الإرهاب!
والفخر أنهم سكنوا قلوب اللبنانيين جميعاً، فبتضحياتهم خضنا “فجر الجرود”، وتوحّد اللبنانيون حول الجيش وقدسية مهمته، فكانت معركة شريفة ونظيفة وبطولية، نبراسها تضحيات أبنائكم الشهداء! سنوات الانتظار والأمل بعودة أبنائكم، كانت ثقيلة وقاسية عليكم، لكنكم لم تفقدوا لحظة ثقتكم بالمؤسسة العسكرية، وإيمانكم بالوطن الذي تهون في سبيله أغلى التضحيات.
أيها الحضور الكريم
على الرغم من هذا الإنتصار، لا تزال أمامنا تضحيات كبرى لا تقل أهمية عن دحرنا للإرهاب العالمي، فالجيش سينتشر من الآن وصاعداً على امتداد الحدود الشرقية للدفاع عنها. ويجب أن لا ننسى الإرهاب الأساسي والأهم الذي يتربَّص بحدود جنوبنا العزيز، ألا وهو العدو الإسرائيلي، إذ علينا الدفاع وحماية هذا التراب الغالي، حيث لا يمكن أن نكون حرّاس حدود للعدوّْ الغاصب، ترفدنا في ذلك عزيمة لا تلين ولا تضعف، مدعومة من أركان الدولة، وفي مقدمهم فخامة رئيس البلاد، ومدعومة أيضاً من الشعب اللبناني الذي ما كلَّ يوماً عن ممارسة حقه في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، والإلتفاف حول الجيش ودعمه له. وفي هذا الإطار نؤكّد التزامنا التام القرار 1701 ومندرجاته كافة والتعاون الاقصى مع القوات الدولية للحفاظ على استقرار الحدود الجنوبية.
ومن على منبر الشهادة والإنتصار، أؤكد اليوم أن ردّ الجيش مستقبلاً سيكون هو نفسه على كل من يحاول العبث بالامن والتطاول على السيادة الوطنية أو التعرض للسلم الأهلي وإرادة العيش المشترك. والجيش سيكون على مسافة واحدة من مختلف الأطياف والفرقاء وفي جميع الاستحقاقات الدستورية، وسيكون في أعلى الجهوزية للدفاع عن وطننا الغالي. ودعمكم لنا يا فخامة الرئيس قد أرسى هذه القاعدة!
أخلص مشاعر التعزية والمواساة لكم والتضامن معكم أيها الأهل الأعزاء، و ثِقُوا بأن حجم تعاطفنا معكم واعتزازنا بكم، هو بحجم صبركم وتضحيات أبنائكم، فأنتم قدوة اهل هذه الأرض، وأبناؤكم عظماء مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء!
الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار
والمجد والكرامة لوطننا لبنان
عشتم- عاش الجيش – عاش لبنان”
الرئيس عون
ثم ألقى الرئيس عون الكلمة الآتية:
“أيها الحضور الكريم،
إنها محطة وطنية أخرى في تاريخنا ، نقف فيها بإجلال أمام جثامين شهدائنا ، ننحني أمام تضحياتِهم وتضحياتِ رفاقٍ لهم سبقوهم على دربِ الشهادةِ إياها، وشهداء استشهدوا في معركة أكملت مهمتهم فحررت الأرض وحررت جثامينهم فصانوا معاً بدمائِهم أرضَ الوطن، وحصّنوا أمن المجتمع ومستقبل أطفالنا والأحلام.
إنها محطة تمتزج فيها مشاعر الألم والحزن بمشاعر الفخر والإعتزاز والكرامة الوطنية.
شهداؤنا المسجاة جثامينهم أمامنا اليوم ، وقفوا في العام 2014 ، على خطوط الدفاع عن لبنان ، ملتزمين الواجب والمسؤولية، وقسم الشرف والتضحية والوفاء لجيشهم ووطنهم. واجهوا الخطر والتحديات بعزمٍ وإيمان ، غير آبهين بما ظلل تلك المرحلة من غموض في مواقف المسؤولين، سببت جراحاً في جسم الوطن، فوقعوا في يد الجماعات الإرهابية الطامعة باستباحة بلدنا كاملاً، وسقطوا شهداء أعزاء كباراً، شرفاء، وانضموا إلى سجل الخالدين فداءً عن لبنان وجميع اللبنانيين.
لقد كان شهداؤنا في حياتهم مصدر فخر واعتزاز لعائلاتهم، وهم اليوم في استشهادهم أكثر حضوراً في العقول والقلوب على مساحة الوطن. إليكم يا أفراد عائلات هؤلاء الابطال وقد رافقناكم بصبركم وإيمانكم وسهركم وآلامكم، أقول أن تعزيتكم واجب وهي لا تكفي، بل عهدي لكم أن دماء ابنائكم أمانة لدينا حتى تحقيق الاهداف التي استُشهد ابناؤكم من اجلها وجلاء كل الحقائق.
أيها الحضور، أيها العسكريون،
ليست الأوطان مستحَّقة لنا إذا لم نكن مستعدين لصونها بالشهادة وكل ما غلا في حياتنا… وجثامين شهدائكم يا أبناء الجيش هي شهادة للعالم على ما يدفعه لبنان ثمناً لمواجهاته الطويلة مع الإرهاب على مر السنين ، ولإيمانه بأن روح الحق والاعتدال والسلام والانفتاح ، أقوى من ظلمات الإرهابيين، وفكرهم المتطرف الداعي إلى العنف والإلغاء والوحشية سبيلاً لتحقيق أهدافهم الهدَّامة.
وبهذه المناسبة أقول مجدداً للبنانيين جميعاً ، وفاءً لتضحيات شهدائنا ، علينا تمتين وحدتنا الوطنية ، ونبذ المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن والشعب ، والسعي لبناء وطن عصري، منفتح ، وثري بتنوع أبنائه وغنى حضارته ، تحقيقاً لأحلام شبابنا الذين كفروا بالانقسامات ، والتراشق السياسي ، والمشاكل المتوارثة من جيل إلى جيل.
ايها العسكريون الشهداء،
المؤهل ابراهيم مغيط
الرقيب علي المصري
الرقيب مصطفى وهبي
العريف سيف ذبيان
العريف محمد يوسف
الجندي أول خالد حسن
الجندي أول حسين محمود عمار
الجندي أول علي الحاج حسن
الجندي أول عباس مدلج
الجندي أول يحي علي خضر
أعلنكم اليوم شهداء ساحة الشرف.
الاوسمة التي وضعتها على نعوشكم هي أوسمة محبة وشكر من كل اللبنانيين لتضحياتكم من أجلهم ومن أجل وطنكم.
بشهادتكم تكبر الأوسمة ويكبر الوطن.
عاش الجيش.
عاش لبنان. ”
وبعد أن أنهى الرئيس عون كلمته توجه نحو أهالي الشهداء وقدم لهم التعازي وكذلك فعل الرئيسان بري والحريري ووزير الدفاع. وعلى الاثر غادرت الجثامين ساحة العلم على وقع مراسم التكريم ذاتها في طريقها الى ساحة رياض الصلح.
وكانت رفعت في ساحة العلم صور الشهداء ووضعت امامها النعوش ملفوفة بالعلم اللبناني.