توحي كل المعطيات السياسية وما يصدر من مواقف تفاؤلية عن المقرات الرئاسية بأن الأزمة الحكومية في طريقها إلى الافول، بعد ان نجح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من خلال مروحة المشاورات التي أجراها مع مختلف القوى السياسية، والتنسيق الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، في بلورة رؤية متقاربة يمكن لها أن تكون مخرجاً ملائماً لأحد الأسباب الرئيسية التي حملت الرئيس سعد الحريري على الاستقالة وهي النأي بالنفس، حيث تجمع المواقف على ان هذا الموضوع بات بحكم المنتهي، وأن الصيغة التي وضعت بهذا الشأن ستكون محل مناقشات على طاولة مجلس الوزراء الذي سينعقد في بحر الأسبوع المقبل بعد عودة الرئيس عون من زيارته إلى إيطاليا، حيث سيتم التفاهم على مفهوم النأي بالنفس بالشكل الذي لا يضر بمصلحة لبنان ولا يُسيء إلى علاقات لبنان مع الخارج، ولا سيما مع الدول العربية.
وإذا كان الرئيس برّي يحرص على عدم البوح بالصيغة التي يتم التفاهم حولها بالنسبة للنأي بالنفس، فإنه يُبدي تفاؤلاً بحل الأزمة في وقت قريب، مع ترجيحه بأن يعقد مجلس الوزراء جلسة له الأسبوع المقبل لإعلان صيغة التفاهم من خلال بيان.
وحول ما يُحكى عن إمكانية اجراء تعديل وزاري يُؤكّد الرئيس برّي بأن لا تعديل، وأن هذا الموضوع لم يفاتحه به أحد، ويقول في هذا الصدد «نحن بالكاد نستطيع ان نمشي بهذه الحكومة حتى نذهب في اتجاه إدخال وزراء آخرين».
وتفاؤل رئيس المجلس على المستوى السياسي ينسحب ايضا على الوضع النقدي والاقتصادي حيث يُبدي ارتياحاً حيال الشأن المالي، بعد ان سمع ما سمعه من كلام مشجع من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
غير ان اللافت ان موقف رئيس المجلس من مسألة التعديل الحكومي ينتفي بالمطلق مع كلام قاله الرئيس سعد الحريري في حديث تلفزيوني حيث أبدى رغبة بالتعديل الحكومي، وإن كان قد اتبع ذلك بالقول ان هذه الخطوة لا تزال قيد الدرس، وهي غير محسومة بعد، وهذا يوحي بأن مسألة التعديل غير مطروحة بشكل جدي، وإن كانت مثل هذه الخطوة تحصل من باب تحسين الأداء وإبعاد من كان اداؤه داخل الحكومة ليس على قدر التطلعات.
وانطلاقاً من المواقف المتناقضة فإنه يتوقع ان يسحب موضوع التعديل الحكومي من التداول، سيما وأن المدة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية تحتمل إبقاء الحكومة على ما هي عليه، كون ان حكومة جديدة ستولد بعد الانتخابات النيابية في أيّار المقبل أي بعد ستة أشهر فقط.
غير ان مصادر سياسية متابعة تدعو إلى عدم إسقاط هذه الفكرة من إمكانية التحقيق، الا في حال تمّ التوافق على تقريب موعد اجراء الانتخابات النيابية حيث يصبح هذا الموضوع لا لزوم له، معتبرة ان الأيام القليلة المقبلة ستحمل اجابات واضحة على كل التساؤلات التي تحصل بهذا الخصوص، سيما وأن آلية جديدة ستبرز في العلاقة بين الرؤساء تقوم على التشاور الدائم حيال أي ملف يطرح، وذلك من باب تجنّب الخلافات وإبقاء الوضع الداخلي في مربع التهدئة في ظل المخاض العسير الذي تمر به المنطقة بالتوازي مع التسوية التي على ما يبدو وضعت على نار متوسطة في المطابخ الإقليمية والدولية.
وبالتوازي مع عودة الوضع الحكومي إلى طبيعته في الأسبوع المقبل، فإن الحركة عادت لتنشط في مجلس النواب من خلال عودة اللجان إلى الاجتماع، وسيكون الأبرز في هذا المجال اجتماع اللجان النيابية المشتركة الذي دعا إليه الرئيس برّي الثلاثاء المقبل. والمهم في هذا الاجتماع ما هو مدرج على جدول الأعمال حيث ان غالبية البنود تتعلق بالثروة النفطية، وهذا يعني وجود مناخات ملائمة على المستويين المحلي والخارجي لوضع هذا القطاع على السكة والانطلاق في اتجاه وضع لبنان في مصافي الدول المنتجة للنفط، وهذا لم يكن ليحصل لو لم يكن هناك ضوء أخضر على المستويين الإقليمي والدولي، وقد برز ذلك من خلال إبداء غالبية الدول المعنية بالملف اللبناني منذ اللحظة الأولى لبدء الأزمة الحكومية الحرص على استقرار لبنان على المستويات كافة لا سيما السياسية والأمنية والاقتصادية، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على ان لبنان مقبل على حالة من الاستقرار، وأن زنار النار الذي يحيط به نتيجة الصراعات في المنطقة سيبقى بعيداً عن داخله، وهو ما سيساعد المعنيين على الانصراف إلى نفض الغبار عن الملفات وخوض الاستحقاقات بشكل منتج وهادئ.