ألقى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري كلمة أمام المؤتمر الوزاري لمجموعة الدعم الدولية، الذي عقد اليوم في مقر وزارة الشؤون الأوروبية والخارجية الفرنسية في باريس، برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ما يلي نصها:
“أشكر فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون على عقد هذا الاجتماع الهام لمجموعة الدعم الدولية ولكل الموجودين هنا. إن فخامته يواصل التأكيد على صداقته وتعلقه بلبنان وانا، مرة جديدة، ممتن له شخصيا على ذلك.
لقد عبر لبنان للتو أزمة كان من شأنها أن ترتد على استقراره السياسي والاقتصادي والأمني. وقد تخطاها بفضل أصدقائه الموجود الكثير منهم هنا، وبفضل إرادة شعبه وممثليه لعدم الوقوع فيها.
وبالفعل، لقد سمحت هذه الأزمة بتأكيد تعلق كل المجتمع الدولي باستقرار لبنان. كما سمحت بقياس إرادة جميع اللبنانيين حماية بلدهم من النار الإقليمية التي تحيط بهم. وبالفعل أيضا، قامت جميع التشكيلات السياسية اللبنانية لتوها بإعادة تأكيد التزامها احترام مبدأ النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية.
وعلى أساس هذا الالتزام، قررت سحب عرضي الاستقالة وعلى حكومتي الآن أن تكرس نفسها لمهمة الحفاظ على أفضل العلاقات مع الدول العربية ومع المجتمع الدولي على أساس احترام قرارات مجلس الأمن وبخاصة القرار 1701 الذي يساهم بضمان الاستقرار والأمن على حدودنا الجنوبية منذ 11 عاما.
كما أن على حكومتي أن تستأنف برنامجها للاستقرار والأمن الداخلي في لبنان وللاستجابة لحاجات مواطنينا الأساسية، وفي الوقت نفسه مواجهة التحديات التي تفرضها أزمة النازحين السوريين على أراضينا. وعليها أيضا مواصلة الإصلاحات التي بدأناها وعقد الانتخابات النيابية المحدد موعدها في أيار المقبل.
إن استقرار لبنان قد يبدو بمثابة معجزة صغيرة نظرا للنزاعات العديدة التي تقوض استقرار المنطقة. وهو استقرار نحافظ عليه بالتضحيات والحوار والتسوية.
إن تضحيات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية سمحت باحتواء التهديد الإرهابي وإبعاده عن حدودنا. والقدرة على الحوار والتسوية تسمح بالحفاظ على السلم الأهلي في إطار احترام الدستور واتفاق الطائف. وإرادة جميع اللبنانيين هي بحماية ديمقراطيتنا وتعايشنا في منطقة يلتهمها التطرف والإقصاء. بهذا المعنى، إن لبنان نموذج لكل المنطقة، وإذا سمحتم التعبير، للعالم.
إنني التزم شخصيا بمتابعة عملنا لتدعيم مؤسسات الدولة وللإصلاح الاقتصادي والتشريعي الذي يدعم دولة القانون ويضمن مزيدا من الشفافية ومكافحة أفضل للفساد.
إن مصرف لبنان والقطاع المصرفي اللبناني برمته يواصل ضمان الامتثال الكامل للقوانين والقواعد الدولية ولأفضل الممارسات المصرفية. وهذا أمر مهم لأن استقرار قطاعنا المصرفي هو شرط لا بديل عنه لاستقرار لبنان واقتصاده.
إن سياسة النأي بالنفس التي أعادت حكومتي التأكيد عليها، وتبنتها كل مكوناتها السياسية، ستسمح لنا بالحفاظ على وحدتنا الوطنية في إطار احترام الإجماع العربي. لكن استقرار لبنان يمر حتما بقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة بشكل رئيس عن الأزمة السورية.
إنني على ثقة أنكم جميعا واعون أن لبنان يوفر خدمة عامة للعالم اجمع باستقباله أكثر من 1,5 مليون نازح سوري على أراضينا. كما أننا نعي جميعا أيضا أن هذه الأزمة لن تنتهي إلا بحل سياسي يضمن عودة النازحين بكرامة وأمان.
وفي الانتظار، ولاستيعاب هذه الصدمة، علينا الانخراط في خطة إعادة تأهيل البنى التحتية والنهوض باقتصادنا. وهذه الخطة لن تتحقق من دون دعمكم ودعم جميع أصدقاء لبنان.
إننا نأمل أن هذا الدعم سيترجم بعقد المؤتمرات الموعودة للاستثمار في لبنان ولتدعيم جيشه وقواه الأمنية ولحل أزمة اللاجئين.
اسمحوا لي أن أعبر عن امتناني للدور الإيجابي الذي تلعبه مجموعتكم والذي يلعبه كل منكم بمفرده لصالح لبنان. وآمل أن تبقى مجموعتكم منتدى يسمع فيه صوتنا ويعبر عن دعمكم السياسي لاستقرارنا.
هذا امر يصبح أكثر إلحاحا بعد القرار الأميركي غير الموفق والاستفزازي بالاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة الإسرائيلية. وهو قرار سيزيد عملية السلام تعقيدا ويضع تحديا إضافيا للاستقرار في المنطقة برمتها.
باسم جميع اللبنانيين، لا يسعني إلا أن أكرر رفضنا لهذا القرار وتمسكنا بالمبادرة العربية لحل على أساس الدولتين لتكون القدس عاصمة فلسطين”.