«وضعنا اليوم أفضل بما لا يُقاس من وضعنا قبل سنة، ووضعنا بعد سنة سيكون أفضل».
هذا الكلام لرئيس الحكومة سعد الحريري في حديثه عما أنجزته حكومة «استعادة الثقة» خلال العام 2017، وعلى أعتاب إطلاق برنامج استثماري ضخم بداية العام 2018 بتكلفة مقدرة بين 12 مليار دولار و16 ملياراً سيشكل خطوة إنقاذية لإخراج الاقتصاد من حال التباطؤ وتصويب استعمال فوائض المصارف وسيولتها عبر شراكة مقوننة. فهو يشمل إعمار وتأهيل نحو 250 مشروعاً في البنى التحتية في مختلف المرافق والقطاعات في المناطق اللبنانية، ومطلوبة لمجيء الاستثمارات. وهو يترافق مع مشروع آخر مُكمل مؤلف من نحو 40 مشروعاً بتكلفة نحو 4 مليارات دولار تشمل مشاريع مختلفة من مياه ومياه مبتذلة ونفايات وطرقات واتصالات ومطارات ومرافئ.
كما يأتي قبل أشهر عدة من عقد مؤتمر باريس في آذار المقبل والمخصص لدعم لبنان وضمان استقرار اقتصاده.
منذ أكثر من عام، وقبل تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، كان لبنان في وضع صعب جداً. فالنمو الاقتصادي كان قد تراجع إلى أقل من 1 في المئة في العام 2016 من متوسط 8 في المئة في 2010 (حين كان الرئيس الحريري رئيسا للحكومة أيضاً). وكان الفراغ الرئاسي متحكماً بالبلاد منذ ثلاث سنوات، والمجلس النيابي معطلاً، والحكومة مشلولة.
وعند ترؤس الحريري للحكومة، وضع أهدافاً عدة، لا سيما منع الانهيار وتثبيت الاستقرار وإعادة الدولة من أجل معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي الصعب. ثم بدأ مجلس الوزراء بمعالجة المشكلات المزمنة، ونجح في تسجيل انتصارات في ملفات عدة أساسية على طريق إعادة إحياء الاقتصاد.
وكان هم الحكومة منذ تشكيلها، مواجهة ملف النزوح السوري نظراً للتكلفة العالية التي يتحملها لبنان جراء وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، حيث تجاوزت الـ18 مليار دولار، إضافة إلى تداعيات استمرار هذا النزوح على الأوضاع الأمنية والاجتماعية بما في ذلك على مستوى البنى التحتية وتنامي البطالة بين الشباب اللبناني. وكانت أطر مواجهة هذا الملف، وضع خطة مفصلة سعت من خلالها الحكومة إلى دفع المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته. وهي خطة حملها الرئيس الحريري بيده وأخذها إلى العالم: من طاولة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إلى البيت الأبيض، إلى فرنسا، وروسيا، والفاتيكان مروراً بالدول العربية والبنك وصندوق النقد الدوليين وغيرها من المرجعيات الدولية.
إنجازات كثيرة تحققت عام 2017، لكن إنجازين مهمين طبعا هذا العام، الأول إقرار موازنة بعد غياب 12 عاماً، وهي خطوة أساسية في مسار عمل الدولة، إذ من خلالها يعود الانتظام إلى المالية العامة. وترافقت هذه الموازنة مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب والضرائب، والأنظار على موازنة 2018 حيث من الضروري خفض نسبة العجز في الموازنة إلى الناتج المحلي، وهو أمر مهم للمحافظة على الثقة والاستقرار وتحفيز النمو الاقتصادي.
أما الإنجاز الثاني فيتعلق بدخول لبنان إلى عالم الدول النفطية مع منح رخصتين حصريتين لائتلاف شركات «نوفاتك» الروسية و«توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9 في الشمال والجنوب. وما بين هذين الملفين، كان إقرار مجلس النواب لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص على طريق الشراكة المتينة للدولة مع القطاع الخاص، وزيادة النمو للنهوض باقتصاد لبنان.
البرنامج الاستثماري
خلال العام 2017، عملت الحكومة على إعداد برنامج لتأهيل البنى التحتية كقاعدة أساسية لاستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية وعلى طريق زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد. ومن المتوقع أن تطلق الحكومة برنامجها المعروف ببرنامج الاستثمار العام بداية الـ 2018، ويشمل إعمار وتأهيل نحو 250 مشروعاً في البنى التحتية في مختلف المرافق والقطاعات في المناطق اللبنانية. ويتوقع أن تبلغ تكلفة البرنامج الإجمالية بين 12 مليار دولار و16 ملياراً سيتم تمويلها من القطاع الخاص، ومن مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية.
وتكمن أهمية تطوير البنى التحتية في الدور التنموي الذي تحققه على اعتبار أن كل مليار دولار يتم إنفاقه في مشاريع البنى التحتية يخلق نمواً اقتصادياً بنسبة 3 في المئة، كما يوفر 50 ألف فرصة عمل.
وتتوزع تفاصيل البرنامج كالآتي:
• قطاع المواصلات ويضم الطرقات والمطارات والمرافئ وتبلغ تكلفته 5 مليارات دولار.
• المياه: بما في ذلك بعض السدود ومياه الري بتكلفة 3 مليارات دولار.
• معالجة المياه المبتذلة والصرف الصحي: بتكلفة ملياري دولار.
• قطاع الكهرباء إنتاجاً ونقلاً: بتكلفة 4 مليارات دولار.
• قطاع الاتصالات: تقدر تكلفته بنحو 550 مليون دولار.
• معالجة النفايات: تقدر تكلفته بنحو 1.4 مليار دولار.
• قطاعات الصحة والتربية: بتكلفة 300 مليون دولار.
• الثقافة بما في ذلك الآثار: بتكلفة 280 مليار دولار.
وإلى هذا البرنامج، تم وضع مشروع آخر مكمل مؤلف من نحو 40 مشروعاً بتكلفة نحو 4 مليارات دولار تشمل مشاريع مختلفة من مياه ومياه مبتذلة ونفايات وطرقات واتصالات ومطارات ومرافئ. ويتوفر لهذه المشاريع التمويل من مصادر مختلفة دولية وعربية.
اذاً، ملفات عديدة تدخل في خانة إنجازات الحكومة في الـ2017، نوجز أبرزها:
1- إقرار موازنة العام 2017 بعد غياب نحو 12 عاماً. وهي خطوة تمهد لإقرار موازنة العام 2018 على أسس علمية متضمنة رؤية اقتصادية تلحظ تطور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وستتضمن مجموعة من الإجراءات المالية والإصلاحية لخفض نسبة العجز وزيادة النمو.
2 – في ملف النفط: إقرار المرسومين المتعلقين بالاستكشاف والإنتاج وتحديد البلوكات ليستتبع بعد أشهر إقرار رخصتين بتروليتين حصريتين لائتلاف شركات «نوفاتك» الروسية و«توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9 الشمال والجنوب. وبذلك يكون لبنان قد خطا أولى خطواته للدخول في نادي الدول النفطية.
وقضى الاتفاق بين وزير الطاقة سيزار أبي خليل وتحالف الشركات النفطية بأن يبدأ الحفر لاستخراج النفط والغاز عام 2019، على أن تكون حصة الدولة من الإنتاج بين 60 و70 في المئة في البلوك الشمالي، وبين 50 و60 في المئة في البلوك الجنوبي.
ويفتح العمل في الاستكشاف والتنقيب الباب واسعاً أمام آلاف فرص العمل للبنانيين، سواء في الشركات نفسها، التي تُلزمها الاتفاقات بتشغيل لبنانيين بنسب عالية، أو في الشركات التي تقدّم الخدمات للعاملين في منصات الحفر.
ومن أجل إكمال كل الإجراءات اللازمة لإنجاح هذا الملف، انضم لبنان إلى «مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية»، وأقر قانون «حق الوصول إلى المعلومات» الذي لحظ قطاع الغاز لناحية إلزامية نشر العقود، وقانون «الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية». هذا وتبحث اللجان النيابية في موضوع إنشاء الصندوق السيادي لحفظ إيرادات النفط مع تحديد وجهة استعمالها والجهة المكلفة الإشراف على الصندوق.
3- في ملف الاتصالات: خفض أسعار خدمات الإنترنت السريع DSL، بنسبة تراوح بين 50 في المئة و60 في المئة، بحيث أصبح سعر سرعة الـ 2 ميغابت باستهلاك شهري من دون سقف نحو 60 ألف ليرة، بالمقارنة مع 75 ألف ليرة سابقاً، وبات سعر سرعة الـ 4 ميغابت باستهلاك شهري من دون سقف نحو 90 ألف ليرة بعدما كان 50 ألف ليرة باستهلاك محدّد بـ 50 غيغابت. كذلك، كما تمّ الاتفاق على فتح السعات الدوليّة لجميع المستخدمين ومقدّمي المعلومات وموزعي الإنترنت، وخفض أسعار الـ E1 من 240 دولاراً إلى 100 ألف ليرة، أي بنسبة 300 في المئة، ما سيُسهم لاحقاً في انخفاض أسعار الـ 3G والـ 4G على الخلوي أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، إقرار مد شبكة الألياف الضوئية التي تشكل العمود الفقري للبنى التحتية للفايبر اوبتيك.
3- إقرار الخطة الإنقاذية للكهرباء: وهو ملف استنزف مالية الدولة على مر السنوات الماضية وكبد الخزينة أكثر من 34 مليار دولار.
وتضمنت الخطة خمسة محاور أهمها زيادة ساعات التغذية بمعدل عشر ساعات، سبع منها تتأمن من خلال المعامل العائمة، وثلاث متأتية من معملي الزوق والجية الجديدين، وإشراك القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء، واستيراد الغاز الطبيعي عبر محطات ستربط المعامل الساحلية مع بعضها البعض وستوفر ثلاثين في المئة من تكلفة الكهرباء. كما شملت الطاقة المتجددة عبر توليد الكهرباء من طاقة الرياح، ومن الطاقة الشمسية، وتوليد الكهرباء من طاقة المياه وهو ما يسمى بالمعامل الكهرمائية. وشملت أيضاً الإجراءات المالية التي سوف تتخذها كهرباء لبنان والدولة اللبنانية من أجل خفض الفاتورة الإجمالية على المواطن. ما يعني أنه مع زيادة ساعات الإنتاج تدريجياً، زيادة ساعات التغذية تدريجياً والتخلي عن المولدات الخاصة، سوف يتم رفع التعرفة بشكل طفيف يؤدي إلى خفض إجمالي بالفاتورة الإجمالية على المواطن ويُزيل العبء تدريجياً عن كهرباء لبنان.
4- إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع ضرائبها بعد خمس سنوات من المناقشات وذلك بعد إقرار جميع الأفرقاء السياسين بوجوب ربط هذا الإقرار بتأمين الايرادات اللازمة لتمويل هذه «السلسلة» التي لا أرقام نهائية لها وتراوح بين 1800 مليار ليرة و2000 مليار.
وفي ما يتعلق بتوقعات العام 2018، فستكون موازنة العام 2018 تحدياً بالنسبة للحكومة من أجل العمل على وقف التدهور في المالية العامة والسعي إلى خفض العجز الذي يبلغ اليوم نحو 9 في المئة من الناتج المحلي بسبب ارتفاع خدمة الدين نتيجة ارتفاع معدلات الفوائد، وتزايد عجز مؤسسة كهرباء لبنان، وارتفاع تكلفة الرواتب والأجور. في حين تشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الذي يبلغ اليوم 147 في المئة.
كما تواجه الحكومة تحدي تلبية كل الاحتياجات المالية في العام 2018، علماً أن استحقاقات سندات اليوروبوندز في العام 2018 تبلغ 4.8 مليارات دولار أميركي.
والأهم أن الحكومة بحاجة إلى استعادة كامل الثقة باقتصاد لبنان وبطاقاته الكامنة والتي تبلورت بعد الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد في تشرين الثاني 2017، إثر إعلان الرئيس الحريري الاستقالة والعودة عنها، رغم أن هذه الازمة أدت إلى تحويل ودائع من الليرة إلى الدولار وخروج بعض الودائع ورفع أسعار الفائدة على الليرة، لكن لبنان أظهر مرونة اقتصادية وبأن سياسته المالية صحيحة.
المستقبل