نظم مركز فينيكس للدراسات اللبنانية في جامعة الروح القدس – الكسليك وعائلة الأديب جميل جبر، حفل تكريم للأديب جبر، لمناسبة صدور كتاب “القلم الميزان الدافئ”، من إعداد وتقديم الأب مارون الحايك، في حضور الرئيس أمين الجميل، وزير الإعلام ملحم الرياشي، نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية الأب طلال هاشم، الوزير السابق سجعان القزي، زوجة المكرم جاكلين جبر وعائلته وأصدقائه وفاعليات، وذلك في قاعة جان الهوا في حرم الجامعة في الكسليك.
نخله
بداية تحدث الباحث والإعلامي كمال نخله، وقال:”ألم يكن جميل جبر ذلك الطائر الذي غرد كثيرا مطلع كل فصل، فحول الشتاء صيفا والخريف ربيعا. وكان يتردد على مسامعي دائما أن الثقافة ليس فيها حلال وحرام وليس في المعرفة مباح ومحظور، وأن القلم هو أجمل ما في الدنيا وهو أوفى صديق لا يغدر، لا يطعن لأنه سفير العقل ورسول الفكر ولم يكن كريما وسخيا في إنتاجه الأدبي فحسب، بل كان سخيا جدا باستقباله الطلاب والباحثين. له حصاد قيم من البحث والرواية والقصة والمسرح والنقد والصحافة والترجمة والتاريخ، فيغدو جميل جبر في لبنان والعالم العربي من قلائل الذين حملوا لقب صاحب المئة كتاب”.
الريحاني
ثم ألقت مديرة كرسي جبران خليل جبران للقيم والسلام في جامعة ميريلاند مي الريحاني كلمة اعتبرت فيها أن “جميل جبر هو رجل أدرك أن جوهر الحياة يكمن في المعرفة. هو الذي شرب من مصدر المعرفة مثل رجل عطشان يتسلق الجبل في يوم صيفي حار، هذا واهتم بكل أنواع المعارف:التاريخ والأدب والشعر والفن، ولكنه أولى اهتماما كبيرا لتعميق معرفته عن لبنان وتوسيع الآفاق أمام اللبنانيين للتعرف على ثقافات جديدة. ولطالما آمن بأن لبنان، على الرغم من صغر مساحته الجغرافية، يحمل رسالة كبيرة إلى العالم تتجسد بنقاط الالتقاء بين مختلف الثقافات والأديان وفهم الآخر بطريقة أفضل. كما عشق جميل جبر بلدته بيت شباب، فكان مفتونا بها وكانت مصدر إلهامه، ودرس تقاليدها وجمالها”.
ثم ألقى الشاعر ريمون عازار قصيدة عن جميل جبر.
الخليل
بعد ذلك، قدمت الدكتورة سلوى الخليل الأمين مداخلة بعنوان “الدكتور جميل جبر… رجل الوزنات الأدبية الثقيلة” واعتبرت إياه “كاشف أسرار لغة الضاد وحوليات العصور الأدبية، مسلطا الضوء على بعض من رجالاتها. وقد غرف بزخم من بواطن العصور، مضامينها الأدبية، بشموخ العارف والقادر المقتدر على رصد المهمات الصعبة، التي انتجت معه جمعيات ومؤتمرات وإصدار موسوعات عن أعلام الأدب اللبناني المعاصر، ومعترك الصحافة عرف كيف يرتفع بها إلى الأعلى، عبر دراسات وأبحاث موضوعية، جعلها منارة لحرية الرأي والفكر، وإعلاء شأن المثقف الإعلامي في بلد الإشعاع والنور لبنان”.
وختاما، سألت بلسان جميل جبر “لماذا يتجاهل المسؤول أهل الفكر والقلم ويضعهم في خانة الإهمال المتعمد، حتى إذا ما أزفت الدعوة إلى العالم الآخر، هبت نسائم التقدير والحب والوفاء لمن ملأ الدنيا وشغل الناس بعلمه ومعارفه الأدبية”.
الرياشي
بدوره، قال الرياشي:”الزميل جميل جبر ليس كاتبا عاديا، هو من القلائل الذين دخلوا موسوعة لاروس الفرنسية وأدخل لبنان معه إلى هذه الموسوعة. جميل جبر خاض غمار الصحافة من مجلة المكشوف وصولا إلى الأفكار، ومن ثم إلى مجلة الحكمة. وكان من القلائل والأوائل الذين نقلوا الثقافة إلى الصحافة وعلم الخبر، فجعل من علم الإعلام علما قائما بذاته. جميل جبر وضع موسوعة أو منصة أو منطلق لموسوعة العلم في اللغة العربية، ليضع العلوم ويدخلها إلى اللغة العربية كما يجب أن تكون في الحقيقة”.
أضاف:”رؤساء كثيرون، يأتون ويذهبون ووزراء كثيرون يأتون ويذهبون أما أمثال جميل جبر فهم خالدون خلود الأرز. ولا يرحلون أبدا لأنهم حفروا في كلماتهم التاريخ، تاريخ لبنان ومجد لبنان. جميل جبر عشق خليل جبران وأمين الريحاني والرابطة القلمية وكتاب كثر، فأرخهم وخلدهم وأضاف إلى خلودهم في كتاباتهم خلودا”.
وتابع مؤكدا ان “جميل جبر علمنا أهمية الكلمة، أهمية الكلمة الخالدة وليس الكلمة التي نشاهدها ونسمعها في معظم الإعلام اليوم، وهي ترخص أمام كلمات التاريخ وأمام كلمات الثقافة، في زمن قلت فيه الثقافة وانحط إلى ما دون الانحطاط. نحن أيها السادة في زمن رديء جدا، والكلمة تحتاج إلى أشخاص لرفعها، وهم موجودون في جامعة الروح القدس – الكسليك وفي كثير من الجامعات، لكنهم قليلون وإن الكرام قليل”.
وقال:”لا بد أن أخبركم بقصة أحبها كثيرا أخبرني إياها جميل جبر يوما وقال لي:إن الصينيين بنوا سور الصين العظيم ليمنعوا اجتياح الصين، لكن الصين تم اجتياحها بعد بناء السور لأكثر من 3 مرات. قلت له كيف ذلك؟ قال: إن المغول كانوا يرشون حارس الباب فيفتح لهم باب السور ويدخلون من دون أن يفعلوا شيئا آخر. وذكرني جميل جبر بهذا القول بشيء مهم جدا وهو أن الصينيين في ذلك الوقت بنوا الحجر ونسوا البشر. نحن نفتقد الثقافة اليوم ونفتقد أمثالها مع جميل جبر الذي نريد أن يحيا دائما في كتبه وفي أرواحنا وفي أذهاننا”، مشددا على أهمية بناء البشر على حساب الحجر، “لأن البشر هم رمز لبنان ورسالة لبنان ودور لبنان النموذج. لبنان لا يحيا بالحجر بل بالبشر، لبنان النموذج، لبنان الحضارة، لبنان السلام، لبنان الميزة الخاصة في المنطقة وفي إقليم مشتعل بشكل دائم وبشكل مختلف”.
ولفت إلى أننا “مع جميل جبر نتعلم احترام الآخر والرأي الآخر والآخر المختلف. ومع الآخر المختلف نبني لبنانا مختلفا، ونقدم نموذجا آخر إلى العالم كما قدمه القديس يوحنا بولس الثاني يوما رسالة حق وحرية إلى العالم”.
وختم الرياشي موجها تحية إلى جامعة الروح القدس – الكسليك وإلى جميل جبر وأمثاله من كبارنا.
القزي
اما القزي فقال:”وجدت في جميل جبر من خلال جلساتي معه، أنه كان تقدميا في زمن الرجعية، وعلمانيا في زمن الطائفية ومعتدلا في زمن التعصب، وهادئا في زمن الغضب. لم أر يوما جميل جبر غاضبا، كان الهدوء سلاحه ضد الغضب وضد العواصف، في مرحلة الحرب والقصف الشديد”.
وأضاف:”ما ميز الدكتور جميل جبر بأنه لم يكتب فقط، لأن الثقافة ليست حرفا انما نشرا أيضا. عمل على نشر الفكر اللبناني وهو من القلائل بين الكتاب الذي لم أسمع منه يوما كلمات سوء عن كاتب آخر، أو عن أديب آخر. كان يشكر بالجميع ولم يتفوه بكلمة حيال أي كاتب أو مؤلف”.
جبر
ثم ألقى كلمة عائلة الأديب جبر ابنه قيصر جبر وشكر كل من ساهم في هذا التكريم مؤكدا على “إبقاء شعلة اليوم مضاءة عبر القيام بنشاطات دورية: تحضير كتاب عن سيرة حياة جميل جبر من إعداد الأديب جوزيف محفوظ، العمل على مسودة صحافة جميل جبر التي يملكها مركز فينيكس، نشر ترجمة كتاب جبيل باللغة الإنكليزية من درغام، وعدد من الأعمال مع معرض انطلياس الثقافي”.
يونس
كذلك، تحدث المدير المساعد في المركز كارلوس يونس وقال:”لأن تاريخنا شاهد على أصالتنا وعلى إيماننا وتشبثنا بأرضنا ولأننا أحفاد الأجداد الأولين الذين لجأوا إلى المغاور والجبال، ولأننا نتحدث عن ذاكرة وطن وهوية شعب ناضل من أجل الحفاظ على هويته وثقافته وكرامته، ولكي لا تكون المستندات التي توثق تاريخ لبنان مشتتة وموزعة على دور الأرشيف العالمية، ولأن الاهتمام بالتراث واجب وطني ومعيار لعراقة الشعوب وتقدمها، ولأنه إذا ضاعت الأصول ضاعت معها الهوية! لأجل ذلك كله، تأسس هذا المركز من أجل الحفاظ على ذاكرتنا الوطنية وعلى رجالاتها ومؤسساتها من خطر الاندثار والضياع”.
وتابع:”نحن اليوم، وبتكريم الأديب والروائي والناقد والصحافي والمؤرخ الدكتور جميل جبر والاحتفال بصدور كتاب حوله عنوانه القلم الميزان الدافئ، استنادا إلى أرشيفه المحفوظ في مركز فينيكس ليس إلا وفاء لشخصه ولما تركه في حقل الثقافة والأدب. فأبدع وأعطى الكثير في حياته فهو يستحق منا كل التقدير والوفاء. ونعاهدكم أن تبقى ذكراه حية من خلال وضع كامل أوراقه بمتناول الباحثين والطلاب لتبقى الشعلة مضاءة وتبقى ذكراه حاضرة في وجداننا وفي كل أطروحة أو بحث علمي”.
واختتم الحفل بعرض وثائقي عن مركز فينيكس وجميل جبر.