كتبت صحيفة الجمهورية في عددها اليوم تقول: لم تنسحب عطلة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي استراحةً سياسية، بل تحوّلت مناسبةً لمبارزة انتخابية بامتياز، بعدما حفلت نهاية الأسبوع بجملة مؤشرات تشِي بمعارك انتخابية طاحنة بين اللوائح، وكذلك داخل كلّ لائحة، في ظلّ ممارسات فاضحة للسلطة، وسعيٍ وقِح لمرشّحين إلى شراء «الصوت التفضيلي»، في وقتٍ تواصَلت المهرجانات والاحتفالات بإعلان مزيد من اللوائح، مصحوبةً بخطابات نارية رَفعت منسوب التجييش. ويُنتظَر أن تشهد بيروت اليوم حدثاً لافتاً يتمثّل بافتتاح رئيس الحكومة سعد الحريري جادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على الواجهة البحرية لوسط بيروت، وذلك في حضور حشدٍ كبيرمن الشخصيات الرسمية والقيادات السياسية والفعاليات. وسيشكّل هذا الحدث أبرزَ المؤشّرات على المرحلة الجديدة التي دخَلتها العلاقات اللبنانية ـ السعودية، كما يُنتظَر أن يليَه قريباً إحياءُ اللجنة العليا اللبنانية ـ السعودية للبحث في تعزيز العلاقات بين البلدين.
ويُنتظر أن تتخلّل الاحتفال الذي سيُقام في المناسبة كلمة للحريري يُركّز فيها على متانة العلاقات اللبنانية ـ السعودية وما تشهده وستشهده من تعزيزٍ وتطوير، ويتطرّق إلى الأوضاع الداخلية والإقليمة والدولية. كذلك ستكون للقائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوّض وليد البخاري كلمةٌ يُركّز فيها على مستقبل العلاقات بين البلدين.
“حرب مدمرة”
ومن جهةٍ ثانية، وفيما السلطة منشغلة بالسعي للاستحواز على أكبر عددٍ من المقاعد النيابية للقبض على زمام الحكم وكمِّ أفواهِ المعارضة وإقفال البيوتات السياسية العريقة، تلفحُ المنطقة رياحُ عواصف عسكرية، وسط خوفٍ من ارتداداتها على مسرح الشرق الأوسط وتالياً لبنان، مع بقاء التصعيد العسكري سِمة المرحلة، في وقتٍ لفتت دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيرَه الروسي فلاديمير بوتين للاجتماع به في البيت الأبيض، كذلك بَرز تهديد إسرائيلي بحرب مدمّرة على «حزب الله».
وفي هذا السياق، توقّع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت خلال حديث نَقله موقع «Al-masdar» الإسرائيلي، ونقلته وكالة «معاً» الفلسطينية، اندلاعَ حربٍ كبيرة مع الحزب هذه السنة، وقال: «الفرَص قائمة هذه السَنة لاندلاع حرب أكبر ممّا شهدته السنوات الثلاث السابقة من ولايتي، ومِن المحتمل أنّني سأقود الجيش في حربٍ ستندلع خلال سنتي الأخيرة في الخدمة».
وأضاف: «الخطر العسكري الأكبر على إسرائيل يَكمن في الجبهة الشمالية للدولة العبرية، المتمثّلةِ في إيران وسوريا ولبنان»، مشيراً إلى أنّ عمليات بلاده العسكرية في سوريا لا تزال مستمرّة «ولن تتوقّف».
واعتبَر أنّ هذه الحرب في حال اندلاعِها، لن تكون مِثل سابقاتها «وأنّ كلّ ما يقع تحت استخدام «حزب الله» في لبنان سيُدمَّر، من بيروت وحتى آخر نقطة في الجنوب».
وأضاف «أنّ إسرائيل سبق وحدّدت آلاف الأهداف في لبنان لضربِها في حال نشوب حربها المرتقبة مع «حزب الله»، وأكّد أنّ «صورة الدمار التي ستُخلّفها الحرب لن ينساها أحد في المنطقة، وأنّ «الحصانة لن تُمنح للمدنيين».
وحول إمكانية تدخّلِ إيران ودعمِها لـ«حزب الله» في حال نشَبت الحرب، قال أيزنكوت «إنّ احتمال حدوث ذلك منخفض جداً».
«سيدر» فرصة أم سَقطة؟
وفيما يُرتقب أن تنطلق المعركة الفعلية للوصول إلى المجلس النيابي الاسبوع المقبل، عقب انتهاء عطلةِ الفصح لدى الطوائف الشرقية، الاثنين المقبل، تُواصِل الحكومة استعداداتها لمؤتمر «سيدر» الذي سينعقد في باريس يومَي الجمعة والسبت المقبلين. وعلى رغم أنّه في حد ذاته إيجابية لا يمكن التنكّر لها، فإنّ علامات الاستفهام المطروحة حول ظروف انعقاده، والنتائج التي قد يفضي إليها لا تدعو إلى التفاؤل.
وقالت مصادر متابعة للتحضيرات لهذا المؤتمر إنّ من التساؤلات المطروحة تلك المتعلقة بأهداف الدوَل المشاركة، لأنّ من الأمور التي تدعو إلى الريبة هو ذلك الحِرص على تأمين مشاريع صالحة لتشغيل أكبر عدد ممكن من اليد العاملة السورية في لبنان، لضمان حدّ أدنى من مقوّمات العيش المقبول للنازح، لتشجيعِه على البقاء في لبنان.
وكذلك من المبرّر طرحُ سؤال حول أولويات المشاريع المطروحة، وهل تمّ اختيارها فعلاً لأنّها تُنمّي الاقتصاد وتُحفّز الاستثمارات، أم لأنّها تَخدم مصالح بعضِ الأطراف في تلبيةِ مطالب الجماعات المحسوبة عليها انتخابياً؟
وأضافت المصادر: «يبقى أنّ توقيت المؤتمر قبل الانتخابات، وما يَستتبعها من تغييرات في المجلس النيابي والحكومة، بالإضافة الى الشلل الذي قد يصيب البلد، في حال تأخّر تشكيل الحكومة، كلّها أمور تسمح بتبرير الانتقادات التي تتناول التوقيتَ تحديداً. وفي الخلاصة، فإنّ مؤتمر «سيدر» من حيث المبدأ، ليس حدثاً سلبياً، لكنّ الظروف المحيطة بانعقاده، تُبرّر القلق من تحويل ما يُعتبَر في عالم الاقتصاد فرصة، إلى سقطة تُسرّع موعد الوصول إلى الهاوية».
في أيّ حال، سيتوجّه رئيس الحكومة سعد الحريري إلى باريس غداً الأربعاء على رأس وفدٍ كبير يضمّ وزراء ومستشارين في السراي الحكومي وفي الشؤون المالية والمكلّفين الترتيبات الخاصة بالمؤتمر ولجانِه من موظفي مجلس الإنماء والإعمار الكبار.
وفي المعلومات أنّ ورقة لبنان إلى المؤتمرلا تنحو إلى طلب مزيدٍ مِن القروض بمقدار ما ستطرح توجّهاً إلى تمويل بعض المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تحتاج إلى دور أكبر للقطاع الخاص من دون أن يعني ذلك مبدأ «الشراكة» بين القطاعين العام والخاص، خصوصاً في مجالات إنتاج الطاقة والمياه والنفقات والنقل، وهي نقطة تتقدّم على طلب مزيد من القروض والديون الجديدة.
وتطرح الورقة اللبنانية جدولاً بالمشاريع على مرحلتين: الأولى لسِتّ سنوات تنتهي في 2026 بكلفة تُقارب 10 مليارات من الدولارات، والمرحلة الثانية تمتدّ إلى العام 2030 بقيمة تُناهز العشرين مليار دولار.
الراعي
وإلى ذلك، قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في قدّاس على نيّة فرنسا: «إنّنا نتّكِل على دعمِ فرنسا للتنسيق معنا لتجنّبِ أن يتحوّل لبنان مركزاً للأزمة والمواجهة بين إسرائيل وإيران، وأن لا ينهار اقتصاده ونظامه السياسي تحت وطأة الأعباء المتراكمة منذ سنة 1990 والتي تضخّمت نتيجةً للأزمات الإقليمية المتعددة، وتدفّقِ النازحين الذين بَلغ عددهم نحو مليون و700 ألف نسمة.
كلّ هذا أوجَد لبنان على مفترق طرق قد يقودنا إمّا إلى الخلاص إذا كنّا نتمتّع بدعمٍ دولي وصحوةِ ضمير عميقة لقياديّينا، وإمّا نتّجه صوب أزمةِ أكثر صعوبةً نتيجة نقصِ المسؤولية عند معظم السياسيين والقادة».
واعتبَر «أنّ وضعَنا الاقتصاديّ صعبٌ جدّاً والوضعُ المالي مقلِق. منذ عشرات السنين، أدّى التنظيم المالي والضريبي إلى دينٍ مستشرٍ لتمويل القطاع العام، أضِف إلى ذلك عبءَ النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الذي يفوق قدرة لبنان ويزيد من فقر شعبِه».
ريفي
وفي الشأن الانتخابي، تواصَل إعلانُ اللوائح لخوض الانتخابات النيابية، في بيروت وعددٍ من المناطق.
وبعدما أعلنَ لوائحَه في عكّار وبيروت، وأمس في طرابلس، قال اللواء أشرف ريفي لـ»الجمهورية»: «حاوَلوا شنَّ حربٍ نفسية على الناس وتهويلَهم لكنّ مشهد عكّار وبيروت وطرابلس أسقَط أوهامهم ورهاناتهم، ونعِدهم بأنّ الحساب سيكون في صناديق الاقتراع. وإيهام الناس بأنّهم يواجهون مشروع الوصاية والنظام السوري سَقط كذلك.
معركتُهم مع أشرف ريفي وليس مع النظام السوري، وهناك معلومات عن أنّ ودائع هذا النظام في لوائحهم ما زالت تجري اتصالات معه، وندرك تماماً بأنّهم أخَذوا من «حزب الله»، مِن تحت الطاولة، الضوءَ الأخضر لمهاجمته، فيما هم متفاهمون مع العهد، حليف «حزب الله»، على كلّ شيء، ويريدون بعد الانتخابات أن يستمرّوا بهذه التسوية المذِلّة. نقول لهم إستعدّوا، لأنّ الناس ستُحاسب في 6 أيار».
بعثة مراقبة أوروبية
في غضون ذلك، علِم أنّ الاتّحاد الأوروبي قرّر إرسالَ بعثة متخصّصة إلى لبنان برئاسة البرلمانية إيلينا فانلنسيا (عن كتلة اليساريين التقدميين – إسبانيا)، لمراقبة الانتخابات في 6 أيار المقبل. وأكّدت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني «أنّ الاتّحاد الأوروبي يولي أهمّيةً خاصّة لهذه الانتخابات التي تُعتبَر الأولى منذ عقدٍ من الزمن تقريباً، حيث يُمكن للبنان الاعتماد على دعمِه ودعمِ المجتمع الدولي له، فاستقرار هذا البلد ونموُّه الاقتصادي مهم للمنطقة بأسرها».
وأملت في «أن يقود المجلس النيابي الجديد الإصلاحات الضرورية والمطلوبة أوروبّياً. ويرى الاتحاد الأوروبي أنّ مِن شأن هذه الانتخابات، أن توفّر فرصةً إضافية لتعزيز الديموقراطية في لبنان».
تجدر الإشارة إلى أنّ فريقاً مؤلفاً من تسعة مراقبين من أعضاء البعثة بدأ العملَ في بيروت وسيبقى في لبنان بعد انتهاء عملية الاقتراع لإعداد التقرير النهائي الشامل.
وسيتمّ نشرُ 36 مراقِب آخر على مدى قصير اعتباراً من بداية أيار المقبل.