على الرغم من تأكيد أكثر من مصدر معنيّ بتشكيل الحكومة أنْ ليس هناك معوّقات خارجية وراء تأخير البدء بالمشاورات الجدية للتأليف، إلّا أن مماطلة الرئيس سعد الحريري تترك انطباعاً عن ارتباط التأخير بأجندات سعودية تراهن على تحوّل في موازين القوى من العراق إلى اليمن
مصادر سياسية بارزة في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن «لقاء باسيل والحريري كان طويلاً وجدياً… ولا توجد مشاكل». وأوضحت أن رئيس الحكومة بات يدرك أن التأخير في التأليف لم يعد مبرراً، وبالتالي بات لزاماً أن يغادر مربع إرضاء الجميع إلى مصارحة كل الأطراف بالأحجام التي تستحق أن تتمثّل بها في الحكومة، «إذ إن من يطالبون بحصص أكبر من حجمهم هم من يؤخرون عملية التأليف. فليس منطقياً أن يطالب الاشتراكيون بثلاث حقائب والقوات بخمس. عندها، بالنسبة والتناسب، يحق للتيار 10 وزراء من دون احتساب حصة رئيس الجمهورية، إلا إذا كان رئيس الحكومة يريد إعطاءهم ذلك من حصته». ونقلت المصادر عن الحريري أنه لا يزال رافضاً أي تمثيل لسنّة 8 آذار في الحكومة.
وبينما استمر الرئيس نبيه برّي على تشاؤمه لليوم الثاني على التوالي، متسائلاً عن الأسباب التي تدفع الحريري إلى التأخر في البدء بالعمل على التشكيل بشكل جدّي، قالت مصادر متابعة لـ«الأخبار» ليل أمس، إن «هناك بوادر جديّة لبدء مساعي التأليف، وستعقد اجتماعات اليوم وفي الأيام المقبلة تصبّ في هذا السياق». غير أن برّي، في تساؤلاته، ربط بين الظروف الخارجية والتطورات في الإقليم، وبين التأخير في تشكيل الحكومة، على اعتبار أن العقد الداخلية، وإن كانت صعبة، لكنها ليست مستحيلة، ويمكن حلّها إذا انطلقت الحوارات بين الأطراف. وتأتي تساؤلات برّي في ظل التصعيد السعودي ـــــ الأميركي ـــــ الإسرائيلي في كل المنطقة ضد إيران وسوريا وحلفائهما، من العراق إلى لبنان وفلسطين واليمن، وفي ظلّ الإجراءات العقابية ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة والردود الروسية بالعقوبات المضادة. الانطباع العام في بيروت، أن السعودية باتت تربط ملفات المنطقة، ومنها الملفّ اللبناني، وتحديداً تشكيل الحكومة، بتطورات العراق واليمن، بانتظار تحقيق إنجازات ميدانية تقلب المعدلات الميدانية لمصلحة السعودية، التي لا تراكم إلا الخسائر منذ سنوات، في رهانات فاشلة من العراق إلى سوريا واليمن.
مصادر رفيعة المستوى في قوى 8 آذار، أكّدت لـ«الأخبار» مساء أمس أنه «لم يظهر حتى الآن أي عقد خارجية، والعمل سيبدأ على حلّ العقد الداخلية». وفي الإطار عينه، نفى وزير الداخلية نهاد المشنوق، في اتصال مع «الأخبار»، أن تكون السعودية متدخلة في تأليف الحكومة، لا من قريب ولا من بعيد.
غير أن هذه الطمأنات، لا تجد تفسيراً للبطء الذي تعاني منه عمليّة التشكيل، على الأقل بدء الحوارات بين الأطراف. وفي الوقت عينه، تظهر معالم المحاولات السعودية لإعادة تشكيل قوة ضغط على حزب الله في لبنان من بقايا فريق 14 آذار، والمحاولات الأميركية لإعادة قطع طريق دمشق ـــــ بغداد وفصل العراق عن سوريا عبر السيطرة على الحدود السورية ـــــ العراقية، وتالياً قطع الطريق على إيران إلى سوريا ولبنان، واستكمال حصار طهران بالتوازي مع عمليّة التحالف في اليمن للسيطرة على الساحل الغربي. كلّ ذلك يضع تأخير الحريري في خانة «الانتظار الإقليمي» في خطوة مشابهة لما حصل على مدى السنوات الماضية، حين كان فريق 14 آذار يراهن على التحولات في الإقليم عبر العرقلة الداخلية، ثم لا يلبث أن يضطر إلى السير في التسويات مع فشل مشاريع رعاته في الإقليم.