يترقب اللبنانيون بأمل كبير إقرار مشروع قانون البطاقة الصحية الذي شق طريقه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب بعد أن أقرته اللجان النيابية المعنية، لتوفير تغطية صحية شاملة لجميع المواطنين. لكن اللبنانيين لا ينامون على حرير الوعود، ويبقى حذرهم قائماً من بروز خلافات سياسية قد تطيح بـ«المشروع الحلم»، خصوصاً أنه لا اتفاق حتى الآن على كيفية تأمين التمويل لهذا المشروع.
ويأتي المشروع ترجمة للخطة الصحية الاستراتيجية التي توفر الرعاية الصحية والعلاجية المضمونة للطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود، وترفع العبء المالي عنهم، على أن تشمل البطاقة الصحية وتتضمن السجل الصحي لكل فرد، جميع اللبنانيين الذين يقارب عددهم الأربعة ملايين شخص. وستسهل البطاقة العلاج المطلوب، من دون حاجة لتقديم المريض تقارير طبية عن مراحل علاجه في كل مرة يخضع فيها للمعاينة أو دخول المستشفى.
وبانتظار أن يدرج هذا الملف على جدول أعمال الجلسات التشريعية، أعلن رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي، أن «البطاقة الصحية تشكل مشروعاً طموحاً للطبقات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود، ويتجاوز عددهم الـ50 في المائة من الشعب اللبناني، والذين لا ينالون العناية الطبية اللازمة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن مشروع قانون البطاقة الصحية «أقرته لجنة الصحة العامة، ثم أحيل إلى لجنة الإدارة التي ناقشته وصادقت عليه، وبعدها شاركنا جميعاً في دراسته داخل لجنة المال والموازنة وجرى إقراره، فقط، لم نتفق على آلية تأمين التمويل له، لذلك أحيل على الهيئة العامة لمجلس النواب للنقاش للتصويت عليه».
ورغم موجة التفاؤل التي عمت المواطنين الذين يتقهقرون على أبواب المستشفيات، ثمة قلق من عرقلة المشروع أو نسفه بخلافات سياسية على مصادر التمويل، لكن النائب عاصم عراجي (عضو كتلة «المستقبل» النيابية)، كشف عن «وجود طرحين لتمويل مشروع البطاقة الصحية، الأول عبر استيفاء مبلغ 100 دولار أميركي سنوياً من المستفيد الواحد، والثاني اقتطاع ما قيمته 8 في المائة من إيرادات الهاتف المحمول السنوية، يضاف إليها قيمة الموازنة السنوية المخصصة لوزارة الصحة، على أن توضع هذه الأموال في صندوق البطاقة الصحية»، مشيراً إلى أن «الرأي لم يستقر بعد على أي من الخيارين، لذلك أحيل المشروع برمته إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لإيجاد الحل المناسب وإقراره».
ولفت رئيس لجنة الصحة النيابية إلى أن «البطاقة تشمل كل الفئات العمرية، وهي وضعت ضمن حزمتين: الحزمة الشاملة تشمل كل اللبنانيين المضمونين وغير المضمونين، بمن فيهم العسكريون في الجيش والمؤسسات الأمنية، وأما الحزمة الثانية الإلزامية التي تشمل المواطنين غير المنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة، وهؤلاء سيحصلون حكماً على البطاقة الصحية»، مؤكداً أن هذه البطاقة «معتمدة في كل المستشفيات والمؤسسات الطبية المتعاقدة مع وزارة الصحة، وهي تغطي بشكل إلزامي وأساسي وكامل العلاجات والأدوية العائدة لأمراض السرطان والأمراض المستعصية».
وتراجعت التقديمات الطبية للبنانيين في السنوات الأخيرة، نتيجة العجز المالي، وباتت أكثرية المستشفيات ترفض استقبال المرضى الذين يتلقون العلاج على نفقة وزارة الصحة، وفيما كان يتوقع أن تخفف البطاقة الصحية من الضغوط الهائلة على التزامات وزارة الصحة العامة، أكد مستشار شؤون التخطيط في وزارة الصحة الدكتور بهيج عربيد لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة «ستكون مسؤولة عن تنفيذ مشروع البطاقة الصحية، وهو سيفرض عليها مهام جديدة وأساسية، على صعيد التنظيم والرؤية وبناء نظام معلومات متطور»، مشيراً إلى أن المشروع «سيغطي نفس المرضى الذين يعالجون الآن على نفقة وزارة الصحة، لكن الجديد في الأمر، هو أن المريض سيساهم بنسبة مئوية من قيمة البطاقة الصحية».
وتتمثل المشكلة الطبية الكبرى في عجز وزارة الصحة عن تأمين الأدوية لمرضى السرطان، لعدم توفر الاعتمادات المالية لشراء هذه الأدوية، وحاجتها إلى قانون من مجلس النواب يجيز لها دفع سلفة لشراء هذه الأدوية.
ولفت عربيد إلى أن «علاجات الأمراض السرطانية والأمراض المستعصية والمزمنة، هي المعضلة الكبرى التي تواجه الوزارة»، كاشفاً أن «تكلفة علاجات الأمراض السرطانية تبلغ 80 مليون دولار سنوياً، أضيف إليها الآن علاج تعزيز المناعة لدى المصابين بالسرطان، وتبلغ قيمتها 240 ألف دولار سنوياً للمريض الواحد، والتي تعطي نتائج رائعة»، لافتاً إلى أهمية مشروع البطاقة الصحية الذي سيفرض إعادة النظر بمرتكزات النظام الصحي في كل لبنان.
(يوسف دياب- الشرق الأوسط)