كتب الدكتور عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
طيلة الأشهر الثمانية التي مرّت على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة خلفاً للحكومة المستقيلة حكماً بعد الانتخابات النيابية، دأب البعض ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي على القول بأن وراء عدم توصل الأفرقاء إلى الاتفاق على تشكيل حكومة، قطبة مخفية، وذهب البعض الآخر إلى القول بأن هذه القطبة هي في الأغلب خارجية، ومنهم من عزاها إلى إيران لأن لها مصلحة في ان يبقى لبنان ورقة ضغط في يدها تستخدمها عبر ذراعها العسكري حزب الله كإحدى أوراق الضغط في الصراع المحتدم بينها وبين الولايات المتحدة الأميركة من جهة، وبينها وبين روسيا للحد من نفوذها وتقليم أظافرها في منطقة ذات أهمية لما تختزنه من النفط الخام من جهة ولوجود إسرائيل كدولة محتلة من جهة ثانية.
وظل هذا الاعتقاد هو السائد طوال تلك المرحلة، من دون إسقاط الأسباب الداخلية الأخرى التي تمظهرت حول تقاسم الحصص والنفوذ داخل الحكومة المقترحة، كالعقدة المسيحية – المسيحية والعقدة الدرزية – الدرزية اللتين انتهتا بعدما استغرقتا من عمر الحكومة قرابة الخمسة أشهر، وفقاً لتوصيف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، وما ان بلغ الحل نقطة الانتقال للتشكيل حتى ظهرت أو حتى أظهر الحزب عقدة جديدة لم تكن اساساً على جدول المشاورات هي عقدة تمثيل النواب السُنَّة الستة الذين فازوا في الانتخابات النيابية من خارج تيّار «المستقبل»، وبذلك عادت عملية التأليف إلى نقطة الصفر وإلى ما قبل نقطة الصفر.
ومنذ ان طرح السيّد هذا التمثيل، ارتفعت أصوات تدل على ان وراء هذا الطرح تقف الحكومة الإيرانية من أجل إبقاء لبنان ورقة ضغط في يدها، خصوصاً وان الأمين العام لحزب الله لم يترك أي مجال للتباحث معه من أجل التنازل عن هذا المطلب الشرط للخروج من الأزمة الحكومية التي بات استمرارها يُشكّل خطراً داهماً على حليفه رئيس الجمهورية وعلى العهد برمته، ولم يمض الوقت طويلاً حتى تكشفت كل الأوراق وأصبح اللعب على المكشوف لا سيما عندما تدخل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع الرئيس المكلف وطرح عليه عدّة صيغ للحل تدور كلها حول هدف واحد وهو حصول التيار على الثلث المعطل في الحكومة، بهدف إحراج الرئيس المكلف لإخراجه، وتوضحت هذه الصورة أكثر بعد الحملة المركزة التي شنّها حزب الله مؤخرا على الرئيس المكلف متهماً اياه بشكل مباشر بأنه هو وحده المسؤول عن استمرار التعطيل في السلطة الإجرائية، بما يترتب عن ذلك من اخطار على البلد أقلها الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الذي ألمح إليه مستشار الرئيس برّي ووزير المال في الحكومة المستقيلة، وبذلك تكون الصورة أصبحت واضحة للجميع، ولم يكن هناك أي شك بأن القطبة داخلية أكثر منها خارجية، أو انها خارجية متفق على تسويقها بين الحزب والتيار الوطني الحر لربطها بالاستحقاقات المقبلة ومنها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي كان الرئيس عون نفسه هو أول من فتح بازارها عندما أعلن من مقره في بعبدا ان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل هو الأوّل بين المتسابقين للوصول إلى بعبدا بعد انتهاء ولايته.
وبناء على كل ما تقدّم، لم تعد هناك أية قطبة مخفية، كما كان يُعتقد في السابق، لأن الجميع كشفوا عن اوراقهم ويلعبون «على المكشوف» على حدّ الحكمة اللبنانية، والهدف الأساسي هو الاستحقاق الرئاسي وليس أي أمر آخر.
عامر مشموشي – اللواء