كتبت صحيفة “النهار ” تقول : لعل بعض ما في قصيدة الشاعر نزار قباني التي غناها الفنان عبد الحليم حافظ بعنوان “رسالة من تحت الماء” تنطبق على وضع لبنان الذي أطلق أمس نداء بعيداً من الحب وفيه “إني أتنفَّسُ تحتَ الماء.. إنّي أغرق، أغرق، أغرق…”. وقد بدا لبنان من شماله الى جنوبه غارقاً في مياه الامطار التي تساقطت بغزارة، وغارقاً في الاهمال المزمن الذي يتبارى الوزراء والمعنيون في مجلس الانماء والاعمار وفي البلديات، في نفض أيديهم منه، والطريف ان وزراء يتهمون الدولة بالتقصير والعجز متناسين أنهم باتوا، مع الجهات والاحزاب التي يمثلون، هم الدولة. واذا كان المسؤولون تقاذفوا مجدداً المسؤولية عن أضرار العاصفة بين وزارات معنية منها الاشغال والطاقة والداخلية، وبلديات واتحادات بلديات، وأحزاب تغطي المخالفات على مجاري الأنهر، فإن العاصفة المستمرة اليوم “نورما”، أثبتت بما لا يقبل الشك غياب المسؤولية، وغياب المحاسبة، وغياب الرقابة، وبالتالي غياب مؤسسات الدولة، وهيبة الدولة. الفيضانات والسيول تحصل في كل دول العالم، لكن ان تتأتى الكوارث من تنفيذ اشغال مشكوك في جودته ومواصفاته من دون أدنى سؤال لاحق للشركات المعنية واخضاعها للتحقيق والمحاسبة، فهذا ما يدعو الى الأسف والقلق من امكان بناء دولة المؤسسات وتفعيل القضاء والمؤسسات الرقابية.
اليوم تستمر العاصفة “نورما” بعدما أدت غزارة الأمطار الى فيضان معظم الانهر من عكار الى الهرمل وبعلبك والبقاع الغربي، وأدت الفيضانات ليس الى تعطيل المدارس فحسب، بل الى تعطيل معظم الاشغال بسبب محاصرة اللبنانيين في زحمة السير ساعات طويلة لم يتمكنوا من خلالها من بلوغ أماكن أعمالهم او منازلهم، وتسببت بخسائر كبيرة في الممتلكات والمزروعات، وأصابت في الصميم مخيمات اللاجئين السوريين.
ولم تنعكس البرودة على الحركة فحسب، وانما امتدت الى الاتصالات السياسية التي تجمدت في الصقيع حتى بدت معها عملية تأليف الحكومة متراجعة الى حد كبير في سلم الاهتمامات، فقال الرئيس نبيه بري “ان الحكومة في خبر كان”، فيما استمرت المواقف – الرسائل التي تعبر عن الاستمرار في الجمود المريب والمعطل، وبدا ان محاولات تسريع ولادة الحكومة قبل القمة الاقتصادية العربية تلاشت أيضاً
.
”تكتل لبنان القوي” الذي اجتمع أمس لوح بانه “سيكون لنا موقف اذا استمر الموضوع الحكومي بلا سقف ولن نتفّرّج على أخذنا الى مصير مجهول بات معلوماً لدى البعض”. وقال أمين سره النائب ابرهيم كنعان ان” مبادرة رئيس الجمهورية وأفكار رئيس التكتل تسعى لحل الأزمة الحكومية ويجب ان لا تحارب على انها تخط لحقوق احد او تشكّل تجاوزاً لدور أحد والمطلوب تأليف حكومة والوقت مهم ونعترف ونقر بحقوق الجميع بحسب نتائج الانتخابات والمطلوب الحسم والمعالجة”.
في المقابل، قالت كتلة “المستقبل” إن المحاولات المتجددة لرمي المسؤولية على الرئيس المكلف وتحميله تبعات التأخير في تشكيل الحكومة لن تنفع”. ورأت في “التصريحات التي صدرت في هذا الشأن محاولة مكشوفة لحرف الانظار عن المكامن الحقيقية للازمة الحكومية، بهدف نقل الاشتباك من معسكر سياسي الى آخر، وتسويق اقتراحات يدرك أصحابها سلفاً انها منتهية الصلاحية منذ الأيام الأولى للتكليف”.
بكركي
في هذه الأثناء، استمرت بكركي تعلن استياءها من التأخير الحاصل، وتستمر في اطلاق مساع ومبادرات آخرها ما كشف عنه النائب ميشال معوض أمس عن اتجاه لدى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى دعوة القيادات المسيحية المارونية الى الاجتماع في بكركي للضغط من أجل تشكيل الحكومة. وسيبدأ الراعي قريباً اتصالات مع القادة الموارنة لدعوتهم الى طاولة حوار لمناقشة كيفية الخروج من مأزق الحكومة والذهاب نحو تأليف سريع، لان البلد لم يعد يحتمل ترف التأخير والشروط والمطالب التعجيزية. ويُرجّح ان يُعقد الاجتماع قبل توجّه البطريرك الى الولايات المتحدة الاميركية في 21 من الجاري.
وأشارت “المركزية” الى “ان بياناً مهماً جداً سيصدر بعد اجتماع مجلس المطارنة الموارنة اليوم، بحيث سيُكمل بلهجة “العتب” نفسها التي بدأها الراعي تجاه المعنيين بالتشكيل منذ وصول المشاورات الى مكان غير مقبول، لا سياسياً ولا اقتصادياً وحتى أمنياً، اذ ان الراعي وانطلاقاً من نتائج لقاءاته واتّصالاته يستشعر الخطر الداهم الاتي على البلد اذا ما استمر “الدلع” الحكومي.