أكد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أن “السياحة هي من أهم القطاعات الإنتاجية في لبنان”، مشددا على أن “الخلافات السياسية هي مقتل لبنان، لأن هذا البلد مركب بطريقة لا يمكن أن يسير معها إلا بتوافق الجميع”.
ورأى أن “لبنان يمكنه أن يخرج من أزمته الاقتصادية إذا التزم بتنفيذ إصلاحات مؤتمر “سيدر” وقام بتطوير ودعم قطاعاته الإنتاجية، وفي مقدمتها القطاع السياحي”.
كلام الرئيس الحريري جاء خلال حوار جرى معه عصر اليوم، في ختام أعمال المؤتمر الذي نظمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي تحت عنوان “نحو سياحة مستدامة”، في مركز “سي سايد أرينا”.
سئل: ما هي رؤيتك للقطاع السياحي في لبنان؟
أجاب: “بداية أود أن أشكر المجلس الاقتصادي والاجتماعي على العمل الذي يقوم به، وكذلك وزارة السياحة. بالنسبة إلي، ما هي السياحة فعليا؟ السائح يأتي إلى لبنان لزيارة الشاطىء أو الجبل أو أي مكان آخر، وبذلك تستفيد قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة. مشكلتنا في السنوات الأخيرة كانت أننا بخلافاتنا السياسية “هشلنا” السياح، وكأننا نقول لهم اننا لا نريدهم. كلا، بالنسبة إلي السياحة هي من أهم القطاعات الإنتاجية في لبنان، وهي تؤمن حوالي العشرين بالمائة من الدخل القومي، وأنا أريدها أن تصل إلى نسبة 40 أو 50%. فإذا تحسنت السياحة تتحسن الزارعة والصناعة والتجارة، شركة طيران الشرق الأوسط تستفيد وكل القطاعات تستفيد. لذلك، السياحة هي من أهم القطاعات الإنتاجية”.
أضاف: “في دراسة ماكينزي التي أجريناها في الحكومة السابقة، تم تحديد 22 نقطة علينا تأمينها في السياحة لكي نستثمر في هذا القطاع. وأنا لدي قناعة أن طريقة عملنا يجب أن تتغير قليلا. ليس الاستقرار وحده هو ما يحسن السياحة، علينا أن نحسن أداءنا ونعمل بطريقة علمية، علينا أن نستثمر بدراسة، إن كان عبر ماكينزي أو مؤتمر كسيدر أو غيرهما، وعلينا أن نعد خطة عمل للنقاط التي تناولتها هذه الخطط، وكذلك التوصيات التي خرجتم بها اليوم. أنا أرى أن أول توصية يجب أن تكون التخفيف من السجالات السياسية عبر وسائل الإعلام. إذا تمكنا من فعل ذلك يهدأ البلد بنبسة 90%، لكن المشكلة في الإعلام الذي يعود ويغذي هذه الخلافات، ويتوقع أمورا غير صحيحة. قيل إني ذهبت لإجراء فحوصات طبية في فرنسا لأني أريد أن أعتكف. لم أكن أريد أن أعتكف، أجريت فحوصات طبية وعدت إلى البلد”.
وتابع: “لبنان هو بلد الخدمات، وإذا وجدت سياحة ناجحة في أي دولة بالعالم ولا سيما في دول الخليج، لا بد من أن تجد لبنانيا خلف هذا النجاح. فلماذا لا نحسن نحن إدارة سياحتنا. لدينا سياحة استشفائية ودينية واقتصادية وكل أنواع السياحة. من هنا لا بد من تحسين كل أنواع الخدمات. علينا أن نستثمر بكل شيء اسمه سياحة، لأن كل سائح سيأتي إلى لبنان سيصرف أموالا فيه”.
وأردف: “إذا نظرنا إلى جامعاتنا، قبل سبع أو عشر سنوات، كان عدد الطلاب الأجانب فيها يصل إلى حوالي الـ40 و50%، أما الآن فالنسبة لا تصل إلى أكثر من 10%. أليس هذا مؤسفا؟ نحن كنا نخرج من لبنان قيادات عربية من الجامعة الأميركية في بيروت والجامعات اللبنانية، لماذا لم يعد الأمر كذلك؟ بسبب خلافاتنا السياسية. الخلافات السياسية هي مقتل لبنان، لأن هذا البلد مركب بطريقة لا يمكن أن يسير معها إلا بتوافق الجميع. وهذا الاستقرار هو الأساس في هذه الحكومة. من هنا، أحييكم على العمل الذي تقومون به، وأعدكم بأن التوصيات التي خرجتم بها ستكون أوامر بالنسبة إلي، وسأعمل على إقرارها في مجلس الوزراء وتنفيذها بأقرب وقت ممكن، لأن هذا هو واجبنا. وأتمنى عليكم أن تبقوا على تواصل معي ومع وزير السياحة”.
وقال: “نحن كحكومة واجبنا أن نخدم كل القطاعات الإنتاجية، والسياحة من أهم هذه القطاعات التي تساعد باقي القطاعات الأخرى. بلدنا جميل، لا ينقصنا سوى أن ننتهي من مشكلة الكهرباء، وأما الخطة البيئية لمعالجة مشكلة النفايات فستعرض قريبا على مجلس الوزراء. صحيح أن لدينا مشاكل، لكن لدينا بلد وإمكانيات ولدينا شعب، وأهم ما لدينا هو المواطن اللبناني، انسوا الغاز والنفط، هما موجودان وسنستخرجهما، وسنأتي بشركات من الخارج لاستخراجهما كتوتال وإيني ونوفاتك، لكن البترول الحقيقي لدينا هو المواطن اللبناني، وعلينا كدولة أن نؤمن له البنية التحتية التي يحتاجها، سواء البنية التحتية الرقمية أو ما يتعلق بالكهرباء والمياه والطرقات وغيرها، وكل هذا ضمن مشروع سيدر، فلن ينقصنا بعدها شيء”.
سئل: هل سيكون لبنان مقصدا للسياح الخليجيين ولا سيما السعوديين خلال هذا الصيف؟
أجاب: “تشكلت الحكومة، وأتى بعدها الوزير نزار علولا إلى لبنان في وقت كانت هناك عطلة في السعودية، وأعلن أن السعودية رفعت الحظر عن سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان. خلال هذه العطلة التي لا تتخطى أربعة أيام، زار لبنان 12 ألف سائح سعودي. إذا استمررنا على هذه الوتيرة وحافظنا على الاستقرار السياسي وقمنا بالمشاريع الإصلاحية وأظهرنا للجميع أن خطة الكهرباء وضعت على السكة وكذلك باقي الخطط، فإن كل ذلك سيضفي جوا من الإيجابية. من هنا، أنا متأكد أن هذا الصيف سيكون واعدا سياحيا بإذن الله”.
سئل: كيف ترون السياحة الداخلية في لبنان وكيفية تنميتها؟
أجاب: “ما ألاحظه لدى كثير من السياح الخليجيين، ولا سيما من الكويت وغيرها، أنهم يعرفون في لبنان أكثر مما نعرف نحن كلبنانيين. فهم يذهبون إلى مناطق لا يزورها اللبنانيون أنفسهم. في بداية حزيران سنكون قد أنجزنا الأعمال التي نقوم بها على صعيد التوسعة الأولية للمطار التي نقوم بها وتوفير المعدات الأمنية، بما يجعل الدخول إلى المطار أفضل بكثير مما كان عليه في السابق. ولقد وضعنا مسألة توسعة المطار، لكي يستوعب 12 مليون زائر و16 مليونا، على طاولة الخصخصة، والهيئة العليا للخصخصة تدرس اليوم مع مؤسسة التمويل الدولية تنفيذ هذه التوسعة بطريقة الـBOT مثل مطاري باريس وهيثرو وغيرهما، وأي شركة كبرى ترغب الاستثمار في هذا المشروع مرحب بها. ولكن، ولكي نشجع السياح على الذهب إلى الريف وكل هذه المناطق، لا بد من إنجاز البنى التحتية، وهذا هو أساس مؤتمر سيدر”.
سئل: ماذا عن طريق ضهر البيدر المزرية؟
أجاب: “هذا الموضوع نوليه كل اهتمام، وهو يأتي من ضمن مشاريع مؤتمر سيدر”.
سئل: ألا ترى ضرورة لفتح مطار ثان لتنمية السياحة وخلق المزيد من فرص العمل، ولأن تكون هناك سياحة مرافىء سياحية لليخوت؟
أجاب: “لا شك أن علينا تحسين أوضاع المرافىء، لكن في لبنان ليس لدينا مواقع أساسية كدول أخرى، لأن بلدنا صغير. أنا أرى أن نحدد ما هي القطاعات الإنتاجية التي يمككنا أن نكون فيها الرقم 1 أو 2 في المنطقة لكي ندعمها. وهذا الأمر ينطبق على الصناعة والزراعة أيضا. علينا كدولة أن نركز على الصناعات التي يجب علينا إعطاؤها كل الحوافز لكي تصبح بعد سنتين أو ثلاث صناعات تنافسية وقادرة على الانتشار في كل دول العالم”.
أضاف: “أما في ما يخص مسألة فتح مطار آخر، فهناك دراسة تجرى على إعادة فتح مطار رينيه معوض، وفور تعيين هيئة الطيران المدني، يمكننا أن نبدأ العمل في هذا المجال. وهناك خدمة ثالثة سننتهي منها خلال أسابيع، وهي التنقل عبر المروحيات من منطقة إلى أخرى، بما يقدم خدمة أفضل في السياحة”.
سئل: الشاطىء لدينا أصبح مطمرا للنفايات والمقالع انتشرت في كل البلد، اليوم مرج بسري سيتعرض للتدمير، وهو آخر سهل زراعي في جبل لبنان، فما مصير كل ذلك؟
أجاب: “أنا لا أقول لك إنه ليست لدينا مشاكل، سواء في الشواطىء أو بالمقالع أو بالنفايات وغيرها، لكن أن نصور بلدنا وكأنه أصبح مزبلة، كلا لم يصبح مزبلة. السياح يتمنون المجيء إلى بلدنا شرط توفر القليل من الاستقرار السياسي. وحتى الآن، ملايين السياح مستعدون للمجيء إلى لبنان رغم الوضع الذي نعاني منه. أزمتنا أننا نعمم المشاكل. مشكلتنا بالنفايات مثلا، حتى أصبحت طائفية ومذهبية ومناطقية، حتى بات المواطن على استعداد لأن يرمي النفايات أمام بيته لا أن يقيم مطمرا صحيا، وكل ذلك بسبب الخلافات السياسية”.
أضاف: “في العام 1992 كان بلدنا مدمرا كليا، يومها كانت المشكلة في كيفية جذب المستثمرين وإقناعهم بالبلد وإعادة إعمار وسط بيروت وتغيير المطار وإقناع الناس بأن هناك أملا في البلد. هذا كان المشكل الحقيقي. أما اليوم فلدينا كل المقومات، ولكننا كنا مختلفين في السياسة على مشاريع الكهرباء والنفايات والاتصالات والصناعة والمياه وكل شيء، بسبب الانقسام العمودي الذي كان قائما. أما الآن، فقد اختلطت الأوراق. حتى في مسألة البطالة، نسمع أرقاما لا أعرف من أين يأتون بها. بالتأكيد هناك مشاكل، ولا بد من العمل على إيجاد حلول لها، وأنا اتخذت قرارا في موضوع النفايات، بأني لن أسمح بأن أجد النفايات في الطرقات بعد إقرار الخطة. إذا أردت أن أسير بموضوع التغويز والحرق وتحويل النفايات إلى طاقة أو أي حل موجود في العالم، فإني لن أسمح لأحد بأن يقول إنه ليست لديه الثقة في التنفيذ. لدينا أفضل جامعات وأفضل فنادق وأفضل مطار وأفضل وسط مدينة وغيرها الكثير. كما أن القطاع الخاص هو الذي سينفذ هذه المشاريع وليس الدولة، وستكون هناك شركات عالمية مسؤولة عن كل هذه المشاريع مع مراقبة من قبلنا. كل شيء نستطيع أن نقوم به ونصلحه”.
سئل: أطلقنا قبل أسبوعين مهرجان “صناع التغيير” من الشباب والنساء، فهل يمكنك دعمنا كحكومة في هذا المجال؟
أجاب: “أي أجندة تقدم المرأة خطوة إلى الأمام ستجدونني إلى جانبها وداعما لها”.
قيل له: ندعو الحكومة اللبنانية إلى إعطاء كل الدعم لوزير السياحة ليتمكن من العمل بقوة، وتحويل هذه الوزارة إلى وزارة سيادية، وتناول الملف السياحي في كل اللقاءات الخارجية التي تجرونها؟
أجاب: “أود أن أطمئنك أن وزير السياحة على تواصل مستمر معي، أما تحويل هذه الوزارة إلى سيادية، فإنه سيجعلها محط تنازع بين مختلف الأطراف. على صعيد آخر، أنا أرى أن السياحة تفعل كل القطاعات الأخرى، وكل من يأتي إلى لبنان يفعل ذلك محبة بهذا البلد، فلبنان هو بحد ذاته علامة تجارية قائمة، ومما لا شك فيه أن ما أخرنا سياحيا في السنوات الماضية هو مشاكلنا الداخلية والتحديات الأمنية ووضع المنطقة ككل. الحمد لله الأمور اليوم إلى تحسن، ونحن نعتمد على الله سبحانه وتعالى ثم على الشعب اللبناني، الذي إذا أعطيناه الأرضية الصحيحة والبنى التحتية الفاعلة، يمكنه أن يوفر أفضل خدمة سياحية على كل الصعد”.
سئل: في الدراسة السياحية التي وضعت ضمن خطة ماكينزي، تم تغييب منطقة الشمال وعكار، مما خلق تساؤلات عند أهالي الشمال، فهل السياحة مستبعدة عن منطقتهم؟
أجاب: “أهم ما في دراسة ماكينزي هو تحديد نقاط لتحسين كل القطاع السياحي. ربما تم اختيار صور وجبيل وغيرهما لأنهما أماكن تاريخية ومتقدمة بالسياحة أكثر من المناطق الأخرى، لكني أؤكد كسعد الحريري، أنه ليست هناك منطقة لن أكون مصمما على أن تكون في مقدمة المناطق الجاذبة على صعيد السياحة والزراعة والصناعة وغيرها”.
سئل: ندعو الهيئات الرقابية في الوزارات المعنية للحرص على أن تكون اليد العاملة في المؤسسات السياحية لبنانية وليست أجنبية. كما أننا نطالب بخطة نقل سريعة من أجل توفير مقومات السياحة. وماذا عن التراشق الحاصل على وسائل الإعلام، أليس كارثيا على السياحة؟
أجاب: “بالنسبة إلى العمالة في القطاع السياحي، فإننا بالتأكيد غير راضين عنها والحكومة ستتحرك في هذا الإطار. لكننا إذا نظرنا إلى الأعوام 2009 و2010 وقبلهما، نجد أن السياحة لدينا كانت متقدمة. وفي وسط الازدهار الذي عاشه لبنان، كان لدينا 800 ألف سوري يعملون في البلد بمجالات البنى التحتية والزراعة، دون أن تكون هناك مشكلة في العمالة. لكن المشكلة اليوم أن البلد معطل، النمو لدينا منذ سبع سنوات هو 1%، ما يعني أن البلد متوقف. لا بد أن يكون النمو من عام إلى آخر ما بين 5 و6%. حين تركت الحكومة في العام 2011 كان النمو 9.5%. الناس يتحدثون عن الدين العام، ولكن لو بقي النمو على معدل 7% لكان مدخولنا القومي حوالي السبعين مليار دولار. الخلافات السياسية أدت إلى هذا الانخفاض في النمو. ما أقوله إننا قادرون على أن نخرج من هذه الأزمة وأن نجد فرص عمل للشباب والشابات، شرط أن نعمل بطريقة صحيحة. واليوم هناك مشروعان واضحان: تنفيذ إصلاحات ومشاريع مؤتمر سيدر وتطوير ودعم القطاعات الإنتاجية، وفي مقدمتها السياحة، وحينها يخرج لبنان من أزمته الاقتصادية”.