عقد مجلس الوزراء جلسته في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي حضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوزراء الذين غاب منهم الوزيران اكرم شهيب وحسن اللقيس.
في مستهل الجلسة، طلب الرئيس عون الوقوف دقيقة صمت حدادا على الوزيرين السابقين عبد اللطيف الزين وسامي الخطيب، ثم شكر الوزراء على انجاز مشروع الموازنة للعام الحالي، داعيا الى مقاربة هذا المشروع من منظار اقتصادي وليس سياسي، لا سيما أن المطلوب سد العجز في قطاعات عدة نتيجة التراكمات طوال الاعوام الماضية.
وعرض الرئيس عون لعدد من الملاحظات حول مشروع الموازنة، طالبا من الوزراء المباشرة باعداد مشروع موازنة العام 2020 كي تحال على مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية.
وتحدث الرئيس الحريري عن جلسات مجلس الوزراء الـ19 التي عقدت خلال الايام الماضية، واعطى الكلام لوزير المال علي حسن خليل الذي قدم عرضا بما آل اليه مشروع الموازنة بعد دراسته وادخال التعديلات عليه بناء على النقاش الذي دار في الجلسات. وعلى الاثر، ابدى عدد من الوزراء ملاحظاته على مشروع الموازنة الذي اقر بعد نقاش مستفيض.
خليل
وبعد الجلسة، أدلى الوزير خليل بالتصريح الآتي:
“أنهينا عشرين جلسة لمناقشة مشروع موازنة العام 2019، وهو أمر غير مسبوق في مناقشة الموازنات ومقاربة كل الملف الاقتصادي والمالي، استجابة للتحديات الكبيرة التي يعانيها البلد على صعيد المال، والاقتصاد، والمؤسسات. وجاءت هذه الموازنة ونقاشها في ظرف اقتصادي ومالي ضاغط جدا، بعدما مررنا في العام 2018 بظروف استثنائية، من تأخير تشكيل الحكومة بعد اجراء الانتخابات النيابية، وضغوطات مختلفة، وأزمات المنطقة، ادت كلها الى رفع العجز الفعلي في الموازنة الى ما يقارب 11.4 %. وهذه الموازنة جاءت في سياق مالي متضخم، من دين عام كبير وما زال يكبر، وخدمة دين تكبر بدورها. من هنا كان لدينا تحد كبير جدا بأن نعمل على تخفيض نسبة العجز في هذه الموازنة الى اقصى حد ممكن، وفي الوقت نفسه نعمل على اقرار خطوات اصلاحية بنيوية في المجالات التي تشكل العناصر الاساسية للموازنة”.
واضاف: “تعلمون ان نسبة 35 % من الموازنة تذهب الى الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد، و35 % خدمة دين عام، و11% عجز كهرباء، وما يقارب 9 % انفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة. من هنا كان التركيز على معالجة كل النقاط الاساسية في هذه الموازنة. تم بحث موضوع خدمة الدين العام، واعادة النظر في مجموعة من الامور التي ترتبط بحوافز ومخصصات اضافية وتعويضات غير مبررة. ومن جهة اخرى تم اقرار خطة الكهرباء والبدء بتخفيض عجز هذا القطاع. كنا تقدمنا بمجموعة من مشاريع القوانين المستقلة، ارتأى مجلس الوزراء خلال نقاشاته ان نقتطع بعضا من موادها لنضمنها في مشروع الموازنة، إضافة الى الاخذ في الاعتبار ببعض المقترحات التي تقدم بها الوزراء.
نحن بالمجمل امام تحول استثنائي مهم جدا واساسي حصل في مشروع هذا العام، على صعيد تخفيض النفقات، وزيادة الواردات والمواد الاضافية في الموازنة التي تؤسس لمعالجة بعض من الخلل في الوضعين الاقتصادي والمالي، وتؤسس ايضا لموازنة في العامين 2020 و 2021 تكمل ما بدأنا به. لذا علينا ان ننظر الى هذه الموازنة في السياق الذي بدأنا به، بالتحضير لموازنة العامين المقبلين. هناك امور كثيرة ستستكمل في الموازنات المقبلة، وقرارات في مجلس الوزراء اتفقنا عليها ويجب ان تترجم ايضا نتائج ايجابية ومباشرة على المستوى المالي والاقتصادي”.
وقال خليل: “يهمني ان أذكر ان الانفاق في هذه الموازنة وصل الى 23340 مليار ليرة لبنانية، نضيف اليه 2500 مليار سلفة لدعم كهرباء لبنان. في المقابل لدينا واردات تبلغ 19016 مليار ليرة، بزيادة ايضا عما كان مقررا سابقا، فتصبح نسبة العجز بالمقارنة مع الناتج المحلي 7.59 %، وهو رقم مرض جدا يعبر عن التزام حقيقي حصل في النقاشات خلال الاسابيع الماضية، ويعكس ايضا ارادة حقيقية عند الحكومة بأن تسير على طريق تصحيح الوضع المالي.
هذا الرقم مهم بقدر ما يمكن للدولة والحكومة الالتزام به، ومن هنا اقول اننا سنعمل كوزارة مال بأعلى درجات الجدية للبقاء بحدود نسبة العجز المقدرة تماما كما وردت اليوم في هذا المشروع، خاصة اننا بنينا هذا الامر على نسبة نمو محدودة تبلغ 1.2 % للناتج المحلي، ليصل الى ما يقارب 90 الف مليار (89935 مليار). وبالتالي انا اتوقع ان اي عنصر ايجابي يطرأ على الوضع العام، يمكن ان يساهم في الحفاظ على هذا الرقم، لا بل يمكن ان يحسنه. وفي الوقت نفسه، نحن نرسل رسالة واضحة الى المجتمع الدولي، وكل الصناديق الملتزمة بالوقوف الى جانب لبنان، بأننا جديون في هذا المجال وبالتالي سيترجم هذا الامر بضخ واطلاق مشاريع استثمارية جديدة سيكون لها اثر كبير على تحريك عجلة الاقتصاد.
في المقابل، نحن في مسار لاقرار مجموعة من القوانين المكملة للوصول الى افضل واعلى المعايير في الالتزام بما قررناه، اقله عبر اقرار قانونين: قانون الشراء العام والمناقصات، وقد انجزته وزارة المالية مع دفاتر شروط نموذجية ورفعته إلى مجلس الوزراء، واعتقد انه في اقرب جلسة وبعد التنسيق مع وزارة التنمية الادارية، سيقر المشروع ويحال الى المجلس النيابي. اضافة الى اقرار قانون تحديث الجمارك وفق المعايير التي تسمح اكثر فاكثر بتعزيز الانضباط ومنع التهريب الجمركي. في هذا المجال ايضا هناك قرارات لمجلس الوزراء وتوصيات صدرت خلال هذه الجلسات، بأن نضع موضع التنفيذ مجموعة من الاجراءات المتعلقة بمجال ضبط التهريب الجمركي الى اقصى حد”.
وأضاف وزير المال: “نحن معنيون بأن نعمل بشكل جدي على إجراءات تساعد على التحسين في ميزان المدفوعات، انطلاقا من تحسين العجز في الميزان التجاري. هناك خطوات أقريناها مع بعض الملاحظات والتحفظات عليها، ولكن علي ان اذكر ان الحكومة اتخذت هذه الاجراءات، وآمل ان تؤدي الغرض منها، ويجب ان تستكمل بالتركيز على دعم القطاعات الانتاجية في الزراعة والصناعة، وبالتالي تخفيف التركيز على الاستيراد من الخارج وتقليص حجم استنزاف العملات الاجنبية من لبنان الى الخارج. عجزنا اليوم في الميزان التجاري كبير جدا، فقد استوردنا في العام 2018 ما يقارب 20 مليار دولار، ولم نصدر اكثر من 3.8 مليار دولار، وبالتالي هذا العجز يضغط على الاحتياط بالعملات الاجنبية لدينا. سنكون امام فرصة لتشريح موضوع الموازنة في مناسبات اخرى، لكنني اود القول انه في جلسة اليوم كان هناك عرض سريع لها وجرى الاستماع الى بعض الملاحظات، وتم اقرار الموازنة تماما كما احيلت بعد الجلسة الاخيرة في السراي الحكومي، ولم يطرأ اي تعديل عليها، لا في الارقام ولا في المواد. اقرت كما هي، وعكست الالتزام الذي ابداه الوزراء خلال الاسابيع الماضية”.
حوار
ثم دار بين الوزير خليل والصحافيين الحوار التالي:
سئل: هل ستقر الموازنة في مجلس النواب دون قطع حساب؟
أجاب: “ذكرت في بداية الجلسة أن وزارة المال أحالت على ديوان المحاسبة، منذ اشهر، مشروع قطوعات الحساب منذ العام 1993 وحتى العام 2017، وقد سمعنا من فخامة الرئيس ودولة الرئيس وجوب حث ومتابعة عمل ديوان المحاسبة من اجل انجاز قطوعات الحساب بالتوازي مع عمل مجلس النواب لاقرار الموازنة وفق الاصول، وهذا ما نطمح اليه.
أما في ما يتعلق بموضوع الرواتب، فقد ثبت ان كل ما اشيع حول هذا الموضوع في الايام الماضية والمس بحقوق العسكريين والموظفين في الادارة والاساتذة وغيرها كان غير واقعي، واكد ما قلناه ان لا صحة لكل الكلام المتعلق بتخفيض الرواتب والمخصصات لهذه الشريحة”.
سئل: ماذا يعني الحديث عن المخصصات؟
اجاب: “المقصود بهذا التعبير هو رواتب السلطات. اما ما تم تعديله فهو مجموع التقديمات والاضافات والتعويضات عن العمل الاضافي الذي كانت تقدم وفيها مبالغات كثيرة، وقد تضمن مشروع الموازنة بندا يحدد سقفها الاعلى بـ75 % من راتب الموظف”.
سئل: هناك غموض حول التدبير رقم 3، والاعتمادات التي اعطيت لوزارة الاتصالات ووزارة المهجرين.
اجاب: “في ما يتعلق بالتدبير رقم 3، كل ما اثير من ضجة حوله كان يمكن تفاديه لو تمت قراءة ما رفعته وزارة المال سابقا في هذا الشأن والذي تمت العودة اليه حاليا. فقد قلنا ان على الحكومة ان تعيد النظر خلال ستة اشهر، في كل التدابير الاستثنائية، وللاسف استغرقنا نحو 20 جلسة للعودة الى الموضوع نفسه، فهي مسألة تناقش في المجلس الاعلى للدفاع وترفع الى الحكومة لتحديد آلية تطبيق التدبير رقم 3. ان الموازنة لم تقارب هذا الموضوع ان من الناحية المالية او الصياغة القانونية، فهو امر متروك للمناقشة في المجلس الاعلى للدفاع واحالته الى الحكومة لاصدار مرسوم ينظم كيفية توزيع القوى العسكرية والامنية على التدابير رقم 1 ورقم 2 ورقم 3.
اما حول الواردات، فخلال النقاش يتم تخفيضها او زيادتها. وفي بداية النقاش، افاد وزير الاتصالات انه لن يكون من الممكن الوصول الى الرقم الموضوع وهو 1900 مليار لوزارته، وتم تخفيض ما يقارب 150 مليار. وانا كوزير مال علي ان اتعامل مع الارقام الواردة من الوزارات وفق تقديرها كي لا يكون هناك تقدير لواردات لا يمكن تحقيقها، لانه اذا اخذنا الاقل وحققنا الاكثر فنكون قد انجزنا امرا مهما دون اي ارباك.
وفي موضوع وزارة المهجرين، لم يحصل اي امر استثنائي، فهناك خطة موضوعة لم يناقشها مجلس الوزراء، ولكن كي لا يتعطل عمل الوزارة، تم تخصيص مبلغ 40 مليار ليرة في موازنة العام 2019 لتعمل بها لان الخطة هي اقفال هذا الملف، واذا كان هذا المبلغ يصب في هذه الخانة، فكون عملنا ايجابياُ وليس سلبيا”.
سئل: ماذا عن اقتراح التخفيض للجيش وفق الخطة الخمسية؟
اجاب: “هناك اصرار على ما يبدو لدى بعض الصحف من اجل خلق اشكالات. وفي موضوع الجيش، تم اقرار ما اعدته وزارة الدفاع دون تغيير، وكما وافقت عليه قيادة الجيش. اما الاموال التي ارجئت الى السنوات المقبلة في قانون البرنامج، فسبب هذا التأجيل يعود الى وجود مبالغ مدورة من السنوات الماضية لم تنفق، وبالتالي يمكن انفاقها هذا العام وعقدها وفق الاصول بالكامل، اضافة الى ان قانون البرنامج يتضمن مادة تنص على امكان عقد كامل مبالغ القانون حتى دون توفر الاعتمادات”.
سئل: كانت المطالبة بتخفيض نسبة العجز الى حدود الـ7 في المئة.
اجاب: “يمكن ان نطالب بما نريد، ولكن اعتبر ان الرقم الذي وصلنا اليه مشجع جدا ولم اسمع اي اعتراض عليه من اي وزير”.
سئل: حتى من الوزير جبران باسيل؟
اجاب: “اقرت الموازنة دون تسجيل اي اعتراض عليها، هناك آراء كثيرة وانا اطمح الا يكون هناك اي عجز في المالية العامة ولكن هناك وقائع علينا الانتباه اليها، وهي اننا كنا امام عجز فعلي هو 11.4 في المئة، وتمكنا من تخفيضه بنحو 3.8 في المئة وهو امر مهم جدا يجب التركيز على ايجابياته والبناء عليه كي لا يتم تخطيه عند الانفاق”.
سئل: هناك تخوف من ضرائب غير مباشرة.
اجاب: “لم يعد هناك مجال للتخوف من بعيد. هذه هي الارقام وليس هناك اي ضريبة. هناك رسم اقر على المواد المستوردة ويبلغ 2 في المئة، وكنت قد صوت ضد اقراره، ولكنني الآن اعكس وجهة نظر الحكومة. وكنت شخصيا مع التركيز على فرض رسوم نوعية على كل المواد المستوردة التي تنتج او يمكن انتاجها في لبنان صناعية كانت ام زراعية، وهذه الرسوم يمكن ان تكون مرتفعة الى حد يدفع الى تشجيع الانتاج الوطني ويعيد تحسين الخلل الكبير في الميزان التجاري. ولكن القرار لمجلس الوزراء، ونحن ملتزمون تطبيق هذا الامر وفق الاصول والمعايير العلمية”.
سئل: هل ترضي نسبة العجز التي توصلتم اليها الجهات الدولية وخصوصا المعنيين في مؤتمر “سيدر”؟
اجاب: “ان تخفيض العجز حاجة وطنية قبل ان يكون مرتبطا بـ”سيدر” او غيره، ولكن من المؤكد ان هناك نظرة ايجابية من كل المعنيين في الخارج الى ما تم تحقيقه على هذا الصعيد ان لناحية الخطوات الاصلاحية او لجهة مستوى تخفيض العجز”.
وكان سبق الجلسة خلوة بين الرئيس عون والرئيس الحريري تم في خلالها بحث البنود المدرجة في مشروع الموازنة.