كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كانت الجلسة التشريعية لمجلس النواب اكتسبت دلالات سياسية أغرقت المشهد الرسمي والحكومي والنيابي بمزيد من الهشاشة والتراجع والتقهقر بما يمعن اضعافاً في صورة دولة لا تقيم اعتبارات لالتزاماتها الاصلاحية التي لا ينفك رموزها يكررون الحديث عنها كأناشيد فارغة من المحتوى، فان ذلك لن يبرر بالتأكيد لاي فئة لبنانية تحمل لواء المطالبة بحقوق تعود اليها ان تنبري لمعاقبة المواطنين جراء تبادل عض الاصابع بينها وبين السلطة. فما سيحصل ابتداء من الساعات الاولى من صباح اليوم بفعل تصعيد العسكريين المتقاعدين تحركهم الاحتجاجي في وجه الحكومة ومجلس النواب في ملف الموازنة، سيشكل مهما قيل في تبريره ومحاولات تخفيفه، عقاباً قاسياً للناس عبر ما سمي “عزل بيروت” بقطع الطرق الرئيسية والاوتوسترادات الشرايين التي تصل العاصمة بكل المناطق الاخرى شمالاً وبقاعاً وجنوباً.
ولعل الغرابة القصوى في الامر ان هذه الخطوة التي تعتبر ذروة التصعيد الذي يلجأ اليه العسكريون المتقاعدون منذ بداية تحركهم الاحتجاجي رفضاً لاي اجراءات في الموازنة تطاول حقوقهم وتعويضاتهم، ولو انهم “اعتذروا” سلفاً من المواطنين عنه، اتخذ من خلال البيانات التي أصدروها طابعاً “عسكرياً نظامياً” تماماً سواء عبر “توزيع المهمات” أو عبر رسم “خطة التحرك ” لقطع الطرق والاتوتسترادات بدءاً من الخامسة فجراً أو من خلال “النبرة” التي تنطوي عليها هذه البيانات كأنها اقرب الى نبرة “انقلابية”. أما الاكثر اثارة للاستغراب فكان تجاهل السلطات الرسمية المعنية هذا التحرك النادر في عزل العاصمة وعدم المبادرة الى فتح قنوات الحوار أو التفاوض مع العسكريين المتقاعدين الامر الذي سيضع الناس اليوم في قبضة حصار محكم وشلل للتحرك وما يستتبعه ذلك من اضرار وتداعيات سلبية.
وعشية هذا التحرك لم تشكل نتائج الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس النواب أمس واقعياً أي مفاجأة خصوصا لجهة “انتخاب” الاعضاء الخمسة الجدد في المجلس الدستوري الذين جاءت اسماؤهم مطابقة للمعلومات المعروفة سلفاً عن التوافق الذي أدى الى اختيارهم. وبدا واضحاً ان التعيينات الاولى من خلال انتخاب مجلس النواب الاعضاء الخمسة في المجلس الدستوري قد كرست واقع المحاصصة السياسية، والحزبية بين الكتل الكبرى برعاية هيئة مكتب مجلس النواب وبقوة التسوية السياسية علما ان المحاصصة ستستكمل من خلال تعيين مجلس الوزراء الاعضاء الخمسة الآخرين. والاعضاء المنتخبون أمس هم: طنوس مشلب (72 صوتا)، عوني رمضان (73 صوتا) اكرم بعاصيري (71 صوتاً)، أنطوان بريدي (72 صوتا) رياض أبو غيدا (79 صوتاً). والاعضاء الخمسة المنتخبون هم الذين أوصت هيئة مكتب المجلس بانتخابهم، علماً ان انتماءاتهم تتوزع على “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” وحركة “أمل” والحزب التقدمي الاشتراكي.
المعارضون
وانسحب من جلسة انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، النواب بولا يعقوبيان وسامي الجميل ونديم الجميل، وعقدوا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، فاوضحت يعقوبيان أنهم “انسحبنا من المجلس لأننا تحولنا الى هيئة ناخبة قبل أن نعرف. وسألنا عن الموضوع واشرنا الى مخالفة دستورية فاضحة للمادة 33، ونحن اليوم في دورة استثنائية، ويجب التقيد بجدول أعمال هذه الدورة، أضف الى ذلك أن المجلس الدستوري الحالي يدرس طعوناً نيابية، وما زال يبتها، فكيف نغير المجلس الدستوري أثناء بت الطعون؟ فإذا كانت المحاصصة تطغى على كل شيء في لبنان، فهذه المسألة بالشكل وبالقانون غير مسموح بها ولا مقبولة. واجبنا ان نسجل هذا الاعتراض، هذا ليس انتخاباً، بل هو تعيين”.
وقال سامي الجميل: “نأسف لأنهم استمروا في هذه المسرحية واتفقوا على الاسماء بين امس واليوم، واليوم يفرضون على الشعب اللبناني مجلساً دستورياً خاضعاً للمحاصصة، وخوفنا كبير جداً على مستقبل المجلس الدستوري في المرحلة المقبلة. للاسف، حصل ما كنا تخوفنا وحذرنا منه، ونتمنى على القضاة عدم التزام الجهة التي عينتهم، وننتظر النتائج. كنا نراهن على المجلس الدستوري، وقد حافظوا على القانون والدستور في لبنان، وخوفنا ان نكون قد فقدنا آخر مرجع للمعارضة”. بينما قال نديم الجميل: “نحن لم ندع الى جلسة انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، واليوم صباحاً علمنا من خلال الصحف عن جلسة ثانية لانتخاب اعضاء المجلس الدستوري. هذا أمر مرفوض، وغير قانوني وغير دستوري”.
وأقر مجلس النواب في الجلسة 11 مشروعاً واقتراح قانون بينها مشروع قانون خارج جدول الاعمال وهو اتفاق قرض مع البنك الدولي من اجل طرق بيروت الكبرى، ومشروع تسوية مخالفات البناء الكاملة خلال الفترة من تاريخ 13/9/1971 ولغاية تاريخ 31/12/2016 ضمنا”، واعترض عليه عدد كبير من النواب. وأقر اعتماد القاعدة الاثني عشرية لغاية 31/5/2019، واقتراح مكافحة الفساد في القطاع العام، واقتراح اعفاء اولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني والحائزين افادات مجاملة من الاستحصال على اجازة عمل.
ورد رئيس الوزراء سعد الحريري على مداخلات النواب، فأكد ان “دستورنا يمنع التوطين”، مستغرباً “كيف ان هناك أناسا يشككون في موقف الحكومة من مؤتمر البحرين أو صفقة القرن”، وقال: “الحكومة مع مجلس النواب ضد هذه الصفقة وموقف لبنان مع فلسطين”. ولفت الى “اننا نحاول ايجاد حلول للخروج من الازمة الاقتصادية”.
جعجع لـ”النهار”
وسألت “النهار” مساء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن رأيه في نتائج انتخابات أعضاء المجلس الدستوري في ظل تصاعد الاعتراضات على المحاصصة، فاجاب: “انتخاب الاعضاء الخمسة للمجلس الدستوري اليوم حصل تبعاً للآلية التي يعتمدها المجلس الدستوري ويجب ان نكون نقديين انما ليس سلبيين كل الوقت، فما حصل ان المرشحين تقدموا بالعشرات وبعد ذلك حصل “فيلتراج” وارسلت الاسماء الى مجلس النواب حيث جرى التصويت.مجموعة الكتل اتفقت وتفاهمت وكانت النتائج. بصرف النظر عن المرشحين نحن لسنا “مبسوطين” من كل الاسماء التي طرحتها مختلف الكتل ولكن هذه ليست محاصصة بل هذه ترجمة للآلية. ونحن رشحنا الاستاذ سعيد مالك وكنا نتمنى لو فاز”.
وسألته “النهار” وسط هذه القرقعة الداخلية عما يراه لواقع ما سمي “صفقة القرن”، فأجاب: “صفقة القرن اسم على مسمى أي صفقة لا أكثر ولا أقل وهي كما قلت من اللحظة الاولى ولدت ميتة من الاساس ولا تؤدي الى أي مكان وهناك سببان على الاقل يجعلاننا ضدها وهما: أولاً السبب المبدئي، فالسياسة صارت صفقات وأين المسألة المبدئية ؟ هل معقول الحديث عن حل للقضية الفلسطينية بغياب الفلسطينيين وهل قضيتهم اقتصادية أم وطنية بامتياز؟ والنقطة الثانية البالغة الاهمية هي مسألة التوطين المرفوض جملة وتفصيلاً ولو مقابل كل مال العالم”.
وعن احتمال انسحاب الاجماع اللبناني على أي تطور آخر مثل تحييد لبنان عن المواجهة الاميركية – الايرانية وما يجب القيام به تجنبا لتورط اي فريق بعدما نقل عن “حزب الله” استعداده للتحرك اذا تعرضت ايران لعمل عسكري قال جعجع: “هذا الموقف برسم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة مجتمعة ورئيس المجلس والظرف لا يحتمل أي تلكؤ أو تخبئة أو عدم تحمل للمسؤولية. رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة يجب ان يتحدثوا بهدوء و”رواق” مع “حزب الله” من الآن لانه لن يكون مقبولا لاي سبب الزج بلبنان في اتون الحديد والنار”.
وأخيراً تطرق جعجع الى موضوع الموازنة، فقال إن “الكل يبذلون جهودهم ولكن البعض لا يدرك أو لا يقدر صعوبة الموقف ويبدو كأنه يفضل المضي بامور تؤدي الى صعوبات كبيرة للبلد على حساب بعض الفئات التي تعنيه. واذا كان الرئيس الحريري يبذل جهوداً جبارة للخروج بموازنة ملائمة مع الصعوبات فإن ذلك يبقى عرضة للحذر والشك اذا ظلت كتل اخرى تمارس شعبوية معينة”.