كتبت صحيفة “نداء الوطن ” تقول : في “أحد الوضوح”، بدت الرؤية واضحة وضوح الشمس على جبهتي الثورة والسلطة على حد سواء… فعلى الجبهة الأولى أثبت الثوار مناعة ساحاتهم ومتانة عزائمهم من الجنوب إلى البقاع ومن الشمال إلى بيروت حيث اختصر أحدهم واقع الحال بأربع كلمات: “لبنان مسروق وعم نستردوا”. أما على الجبهة المضادة فكانت السلطة تزداد تشبثاً وتعنتاً في مواجهة مطالب الناس، حتى أنّ العونيين ذهبوا في لعبة “الشارع المضاد” إلى الاقتداء بمناصري الثنائية الشيعية والسير على خطى موقعة جسر ”الرينغ” في محاولتهم الالتفاف على الثوار والاعتداء عليهم عند الجسر المؤدي إلى قصر بعبدا أمس، في وقت كان رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة بطرس الراعي يبارك “شال الثورة” ويضعه بفخر على كتفيه خلال استقباله وفداً من الحراك المدني جاءه من جل الديب شاكياً حالة القمع التي يتعرض لها أهالي المنطقة لمنعهم من نصب خيمة في ساحتهم.
وكان البطريرك الراعي قد عبّر بما لا يقبل الشك والتأويل في عظة بكركي عن تموضعه على ضفة ”الانتفاضة الشعبية الحرة غير المرتهنة والمحررة من كل التبعيات إلى الخارج” مقابل تصويبه على ”استبداد” السلطة التي أكد أنها “لا تأخذ شرعيتها من ذاتها وليس لها أن تتصرف تصرفاً ظالماً”، مجدداً المطالبة بتشكيل “حكومة إنقاذ مصغرة” مع إعرابه في الوقت عينه عن استبعاد اتخاذ “القابضين على السلطة السياسية مثل هذا القرار” رغم أنّهم مدعوون إلى إنقاذ الدولة وأن يخلعوا عنهم “ثياب مواقفهم المتحجرة ومصالحهم الرخيصة وحساباتهم البخيسة”.
وتعليقاً على مشهدية اصطدام الشارع العوني بالمتظاهرين على طريق بعبدا، برّرت مصادر عونية الموضوع باتهام المتظاهرين بأنهم يمسّون بموقع رئاسة الجمهوريةـ وقالت لـ”نداء الوطن”: “هناك من يحرّكهم باتجاه القصر الجمهوري للضغط على الرئيس”، وأردفت: “الضغط في الشارع لم يعد ينفع لأنه أصبح يولّد شارعاً آخر، فالناس محتقنة من الشتائم وتحديداً من المسّ برئيس الجمهورية شخصاً ومقاماً”، معتبرةً رداً على سؤال حول مطالبة الناس بإجراء الاستشارات النيابية الملزمة أنّ “رئيس الجمهورية يستخدم صلاحياته وحقه الدستوري عبر ربط الاستشارات بالتكليف والتأليف لتأمين عدم وقوع البلد في فراغ طويل وفي مشكلة أكبر، وهو حتى الآن تمكن من إزالة الكثير من العقبات بعدما كشف مجموعة من الألاعيب السياسية واليوم يقترب من تحقيق الهدف”.
في الغضون، انسحب “أحد الوضوح” بوضوحه على موقف “حزب الله” الذي بدا بالأمس كمن يضع الإصبع على “بيت الداء والدواء” في عملية التكليف والتأليف عبر سلسلة مواقف توّجها رئيس كتلة الحزب البرلمانية النائب محمد رعد بمجاهرته بوجوب إبقاء القديم على قدمه حكومياً من خلال تأكيده جازماً أنّ “الأزمة لا تُحلّ إلا بتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق صيغة اتفاق الطائف وغير هذا سيبقى البلد في ظل حكومة تصريف أعمال”، ليعطف تصريحه باستطراد يحمل طابع تهديد المتمنّعين عن الركوب في مركب الحزب: “سنلاحقهم لكي يقوموا بواجبهم والذي لا يقوم بواجباته سنحاسبه”.
وإذ لا لُبس ولا التباس في تشديد رعد على أن “حزب الله” لا يقبل ولن يقبل بأقل من حكومة تستنسخ تشكيلات الحكومات السابقة وتعيد تثبيت خطوط التوازنات السياسية القائمة بغض النظر عن مطالب الحراك الشعبي في الشارع، بدا رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” السيّد ابراهيم أمين السيد كمن يستشهد بوجود “ضوء أخضر أميركي” لدخول الحزب إلى الحكومة قائلاً: “كل معلوماتنا تقول إنّ الأميركي ليست له مشكلة في دخول “حزب الله” إلى الحكومة (…) ولا أحد يستطيع أن يمنعنا من القيام بدورنا في لبنان”، وشدد في المقابل على أنّ “أي حكومة تكنوقراط أو اختصاصيين من دون السياسيين هي حكومة محكومة بالفشل، والفكر الذي يتحدث عن حكومة من هذا النوع يأخذ البلد إلى الإنهيار”.
إذاً قالها “حزب الله” بدون لف ودوران وبادر إلى “بقّ البحصة” ليحسم بوصلة التكليف والتأليف وجدلية المانع الحقيقي الذي لا يزال يحول دون دعوة رئيس الجمهورية إلى إجراء الاستشارات النيابية الملزمة، فالحزب يريدها حكومة سياسية بطابعها التكويني… وبرئاسة سعد الحريري ولا أحد غيره، حسبما أكد الوزير محمود قماطي متسائلاً: “هل هناك نية جدّية بتشكيل حكومة برئاسة شخص غير الرئيس سعد الحريري؟”، ليجيب: “نحن نتمسك بالحريري لرئاسة الحكومة لما يمثله على الساحة السنية كما لدوره في تحمّل مسؤولية الأزمة الحاصلة اليوم”