كتبت صحيفة “نداء الوطن ” تقول : مدارس تقفل أبوابها وطلاب دخل مصيرهم في غياهب المجهول، مؤسسات طردت موظفيها وعائلات أضحت في مهب البطالة، مواطنة تعرض كليتها للبيع لسداد إيجار منزلها، ناجي فليطي وجورج زريق باتا إسمين راسخين في ذاكرة الشعب والثورة، واحد شنق نفسه بعدما طلبت منه ابنته ثمن منقوشة، وآخر انتحر حرقاً بعدما عجز عن تأمين قسط المدرسة… الانهيارات تتوالى والهيكل يتداعى والبلد ينهار والناس تقترب من حافة الجوع ولا يزال الساكنون في القصور مختلفين على الحصص يتناتشون المقاعد الوزارية، بينما السلطة تأسر الاستشارات النيابية الملزمة ريثما يتم العثور على “باش كاتب” يتولى البصم على أجندة “التكليف والتأليف” قبل صدور مراسيم تعيينه وتعيين تشكيلته الحكومية.
عذراً “دولة الرئيس” المفترض المهندس سمير الخطيب، لكنها الحقيقة الموجعة التي يعرفها القاصي والداني وتقف أنت على تماس مباشر معها، فالسلطة تبحث عن “وكيل تفليسة” لإدارة الأزمة أو في أفضل الأحوال عن “باش كاتب” بمنصب رئيس حكومة لتدوين محاضر الأزمة وتدوير زواياها على طاولة مجلس الوزراء. أما لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي “أثلج” صدور المواطنين بالأمس بكلام مطمئن يؤكد فيه أنّ “المرحلة المقبلة ستشهد ما يرضي جميع اللبنانيين”، فالناس كفروا بأسطوانة الوعود المتكررة دونما أي ترجمات عملية لها ولم يعد بمقدورهم تحمّل لعبة استنزاف الوقت للعبور إلى المرحلة “الوردية” المقبلة التي وعدتهم بها، هم بالكاد يستطيعون الصمود وتقطيع المرحلة الراهنة وعينهم على حلول اليوم لا وعود الغد… “الآن الآن وليس غداً” يريدون تشكيل حكومة الإنقاذ الموعودة ويتطلعون إلى الإفراج عن ورقة التكليف للشروع فوراً نحو استيلاد تشكيلة حكومية إصلاحية من الاختصاصيين علّها تستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقدراتهم المنهوبة وواقعهم المتهالك.
وفي جديد البازار الحكومي المفتوح على مصراعيه متجاهلاً الواقع المتأزم، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، لا تزال مصادر مواكبة للاتصالات الحكومية تؤشر بالإصبع الى الوزير جبران باسيل باعتباره يجسّد مكمن العقدة المستحكمة بعملية التأليف “متسلحاً بورقة التكليف التي يقبض عليها رئيس الجمهورية ويرفض تحريرها قبل تأمين شروطه الحكومية”، وأكدت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ ”حزب الله” يعمل على فرملة النزعة نحو تشكيل حكومة من لون واحد وهو كان قد استمهل عون حين كان ينوي الدعوة الأسبوع الماضي إلى استشارات نيابية لتشكيل حكومة أكثرية وطلب منه التريث في الموضوع، مشيرةً إلى أنّ الحزب لا يزال يأمل بإقناع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بترؤس الحكومة الجديدة، في حين أنّ الحريري يرفض الخوض في أي تشكيلة تعيد استنساخ التركيبة السابقة لا سيما وأنه يرفض طروحات باسيل في هذا المجال ولن يقبل لا بتوزيره أسوةً بالأسماء الاستفزازية التي يرفضها الناس ولنّ يسلّم بالعودة إلى نغمة التحاصص الوزاري وكأنّ شيئاً لم يكن في الشارع ولا انتفاضة شعبية جرت في 17 تشرين. وعن الخطيب، أكدت المصادر أنه واصل لقاءاته خلال الساعات الأخيرة مع مختلف الأطراف لكنه لم يصل إلى نتيجة حاسمة بعد والأمور لا تزال عالقة على أن تتضح توجهاته أكثر اليوم بين التكليف أو الانكفاء.
وفي الغضون، برز على شريط الأحداث أمس انتقال طرفي التسوية الرئاسية منتهية الصلاحية، من ضفة الغرام إلى ضفة الانتقام، عبر اشتباك سياسي وإعلامي عنيف دار بين التيارين “الأزرق” و”البرتقالي”، واستخدمت فيه عبارات من العيار الثقيل استهلها الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري رداً على “عبقري الفتنة” في محطة “أو تي في” متهماً إياه بالتحريض على الحرب المذهبية بين السنّة والشيعة والتحامل الطائفي على رؤساء الحكومات وصولاً إلى قوله: “كبيرة على رقاب كل مَن في التيار الوطني أن يتمكنوا من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ونبش أوكار الفتن” وخصّ بالذكر رئيس التيار جبران باسيل الذي طالبه بأن “يخيّط بغير مسلّة الفتنة”. وإذ لم يتأخر رد “التيار الوطني” على الحريري ليسجل مفارقة التنصل من المسؤولية عمّا تبثه قناة “أو تي في”، معتبراً أن ما جاء في مقدمة نشرتها المسائية أمس الأول “لا يعكس موقف التيار”، عاد “المستقبل” ليرد على الرد مذكراً “الوطني الحر” بحملات “الإسفاف الرخيص بحق الحريرية” التي يشنها نواب التيار العوني ومسؤوليه عبر هواء الـ”أو تي في”، التي اتهم كاتب مقدمتها بأنه “شخص يحمل ارثاً تاريخياً من الكراهيات الوطنية التي تطفو على جسد أصحابها كلما حاولوا الهروب إلى الأمام في إنكار الحقيقة والواقع”.