كتبت صحيفة “النهار ” تقول : بمرور 27 يوماً منذ تكليف الدكتور حسان دياب تأليف الحكومة الموعودة من دون أي افق واضح للمأزق الناشئ الذي حاصره على أيدي تحالف القوى الذي رشحه ودعمه وأيد تكليفه، بدأت ترتسم ملامح ازمة استثنائية تماماً لم تعد تنطبق عليها القواعد القديمة التقليدية التي كانت تواكب تعقيدات تأليف الحكومات ولو ان مدد التاليف كانت تطول اكثر بكثير مما طالت الازمة الحالية. فالزمن الراهن في لبنان هو زمن كارثي بكل المعايير ولا يمكن تقليل أو تخفيف هذه الحقيقة على غرار سياسات الانكار وطمر الرؤوس في الرمال التي تتبعها السلطة الامر الذي يملي عدم اهدار أي دقيقة في مناورات المحاصصات السقيمة التي لعبت دوراً اساسياً في تقويض كل الجهود الاصلاحية التي كان يفترض ان يتبعها لبنان لتجنب المصير القاتم الذي انزلق اليه في الشهور الاخيرة.
لكن الحاصل منذ نحو اسبوعين يبدو أقرب الى المهازل السياسية التي تكشف مأساة بلد يواجه اسوأ كارثة اقتصادية ومالية واجتماعية عرفها أقله منذ نهاية الحرب، فيما لا تزال قوى سياسية تتمهل وتلهو تارة بالاعيب المحاصصات، وطوراً التبريرات العقيمة للتأخير في تاليف الحكومة، علماً ان هذه القوى تنتمي الى ارتباط تحالفي واحد كان يفترض ان يترجم في تسهيل مهمة الرئيس المكلف الذي اختارته باكثرية أصوات كتلها النيابية. واجه دياب انقلاب حلفائه عليه تباعاً من غير ان تتبين بعد الاسباب الخفية التي وقفت وراء هذا الانقلاب. ومع ان بعض القوى والجهات المعنية ترفض التسليم بمنطق الانقلاب على دياب ولا تزال تردد ان الفرصة لم تسقط امام معاودة الجهود لتأليف الحكومة فان مجمل المعطيات التي توافرت مطلع الاسبوع الجاري بدت بمثابة تمهيد تصاعدي لـ”الاستجارة” بتعويم حكومة تصريف الاعمال كعنوان تحتمه الضرورات الدستورية أولاً، والاولويات المالية والاقتصادية والادارية والخدماتية تاليا في انتظار مرحلة قد تطول قبل بت المصير الغامض لتكليف دياب وعبره للازمة الحكومية كلاً.
وهكذا لم يكن غريبا ان ينضم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء أمس في ابراز اهمية قيام حكومة تصريف الاعمال بعد العودة المنتظرة للرئيس سعد الحريري اليوم الى بيروت بتفعيل نشاطها باعتبار ان موقف بري الذي كان كشفه تكراراً قبل ساعات من لقائه جنبلاط امام مجلس نقابة الصحافة لم يظهر جديداً يوحي بان طريق دياب باتت معبدة ومسهلة نحو التأليف السريع. والغريب في هذا السياق ان مهمة دياب ستتلقى في الساعات المقبلة على الارجح صدمة اضافية من العيار الثقيل اذا ترجم ما تردد عن ان “التيار الوطني الحر” و”تكتل لبنان القوي” سيعلنان مساء اليوم عدم مشاركتهما في الحكومة التي يعمل على تأليفها بعدما اعترت علاقة الوزير جبران باسيل والرئيس المكلف سحب كثيفة داكنة بسبب الخلاف على حصة “التيار” وان يكن مكتب باسيل نفى أمس ان يكون ذلك قد حصل. وفي أي حال فان الاستجارة بحكومة تصريف الاعمال التي لا تعني شيئا من الناحية الدستورية تتصل أولاً وأخيراً بدوافع سياسية صرفة، اذ ان المنطق الدستوري يملي ان تواصل حكومة تصريف الاعمال مهماتها بكل ما يسمح به مفهوم تصريف الاعمال حتى لحظة تسلم الحكومة الجديدة مهماتها ولا حاجة تالياً الى أي افتعال في هذا السياق من جانب القوى التي ايدت تكليف دياب ثم ارتدت على تكليفه ضمناً أوعلناً.
ويعود الاستحقاق الحكومي بقوة الى الشارع في ظل موجة جديدة من التحركات الاحتجاجية بدأت ليل أمس وينتظر ان تتصاعد من اليوم للمطالبة بتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين. وقطع متظاهرون ليل أمس طريق برج الغزال في اتجاه الرينغ بعض الوقت فيما سقط جرحى في مواجهات بين الجيش ومتظاهرين في صيدا، وسجل قطع طرق في مناطق شمالية. ودعت مجموعات في الانتفاضة الى تصعيد واسع اذا لم تشكل حكومة مستقلين خلال 48 ساعة على ان تبدأ اليوم مسيرات سيارة وتنظيم مسيرة مركزية بعد الظهر من ساحة الشهداء نحو منزل الرئيس المكلف.
ولعل التطور الايجابي الوحيد الذي برز في سياق الانسداد السياسي تمثل في اعلان مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة أمال مدللي أمس أن “لبنان سدد مستحقاته لدى المنظمة الدولية للامم المتحدة”، وقالت في تغريدة عبر حسابها على “تويتر”: “دفع لبنان مستحقاته التي تأخرت بضعة أيام بسبب الوضع الحالي في لبنان وكل شيء عاد إلى طبيعته. لبنان لم يعد خاضعاً للمادة 19 “.
بري وجنبلاط
وكان الرئيس بري أعلن لدى لقائه مجلس نقابة الصحافة “انني مع دياب في التشكيل، لكن من دون ان يقيدني ويقيد نفسه بما لا يفرضه عليه الدستور”، وأضاف: “الرئيس المكلّف يرفض الحزبيين علماً أن تكليفه تم بدعم أربع كتل حزبية”. وقال: “لا يمكن إعطاء مصرف لبنان صلاحيات استثنائية في غياب الحكومة”. ورأى “ان خمسين في المئة من أسباب التدهور الاقتصادي سببه سياسي، اعطونا حكومة انقاذية وأؤكد لكم ان إنقاذ لبنان ممكن ووقف الانحدار ليس صعباً. السياسة هي الاساس”.
وكان الملف الحكومي محور لقاء بري وجنبلاط مساء في حضور الوزير السابق غازي العريضي ووزير المال علي حسن خليل.
وصرح جنبلاط بعد اللقاء: “استمعت الى كلمة سماحة السيد حسن نصرالله حول الأحداث الأخيرة بعد مقتل قاسم سليماني حيث وردت عبارة أن البعض في لبنان يستخدم كلمة ممانعة حسب قوله لتسخيف المقاومة. نحن لم نكن في أي يوم من الأيام ولا في أي لحظة من تاريخنا لنسخف المقاومة. أصبحت كلمة ممانعة “دارجة” كما في الماضي منذ أربعة عقود كانت هناك عبارة “قمة الصمود والتصدي” فإذا كانت هذه الكلمة تعتبر إساءة الى جمهور المقاومة فإنني أسحبها، لكن أيضاً أتمنى أن يتفهم السيد حسن أننا لم نعد نفهم غير المقاومة الحقيقية التي يمثلها في مواجهة إسرائيل، وهناك جمهور ورهط وكتاب وتعدد وتنوع بحيث لم نعد نفهم من هو ممانع ومن هو غير ممانع. هذه فقط للملاحظة، والملاحظة الجوهرية”.
وأضاف: الأمر الثاني أنه لا يمكن البلد أن يبقى في هذه الحالة من الإنحدار، قام الحراك في بدايته وأسقطنا سياسياً، لكن الحراك لم يقدم خطة لكيفية الوصول الى الحكم، والكيفية الوحيدة للوصول الى الحكم هي الإنتخابات. وأعتقد أنني في أول أسبوع قلت فلتكن الإنتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة وقانون لا طائفي يوازيه مجلس شيوخ من أجل الحساسيات الطائفية والمذهبية، لكن بقينا على نفس المنوال، “إسقاط الطبقة الحاكمة الفاسدة” ولا نزال ويزداد الفراغ ولا حل لذلك. لا بد من حكومة، وقبل الوصول الى الحكومة لا بد من الإتفاق على الحكومة لأنه يبدو هناك عراقيل، ولا بد من الحد الأدنى الى تصريف الأعمال، فتصريف الأعمال بأهمية وجود الحكومة. هذا هو رأيي الليلة، وإذا ما عاد الرئيس الحريري وأتمنى أن يعود فلا بد في الحد الأدنى من الإنضباط في تصريف الأعمال، ولاحقاً نرى كيف تشكل حكومة جديدة، تبقى الحكومة أو تعدل، ليس أنا من يقرر”.
وسئل هل تواصل اللواء جميل السيد معه من أجل توزير رامي الريس، فأجاب: غير دقيق هذا الكلام، الرئيس المكلف طلب مني ضابط اتصال أو صلة وصل فكلفت الأستاذ رامي الريس مستشاري، وبما أن الحكومة كان عنوانها تكنوقراط وأخصائيين، وبما أننا في الحكومة المستقيلة كان لنا حقيبتان الصناعة والتربية، اقترحت على الأستاذ حسان دياب كمرشح الأستاذ وليد عساف الصناعي المعروف كي يكون وزيراً لا أكثر ولا أقل، ثم اتصل بي أو اتصلت باللواء السيد وأكدت له الموضوع لأنه عرفت أيضاً أنه أصبح من الذين يشكلون حكومات، هكذا أصبح البلد، لذلك ومنعاً لأي التباس، هناك أصول في تشكيل الحكومات وهناك فروع، وأكدت له أن مرشح الطائفة الدرزية هو وليد عساف”.
هيكلة الدين
على الصعيد المالي، ابلغ رئيس جميعة مصارف لبنان سليم صفير وكالة “رويترز” امس إن من المرجح إعادة هيكلة الدين السيادي للبنان بطريقة لا تضر بالاقتصاد ولا بالمودعين، موضحاً أنه سيجري الدفع للدائنين الأجانب.
وقال صفير إنه لا يتوقع مشاكل في مقترح تبادل البنوك اللبنانية بموجبه حيازاتها في سندات دولية حجمها 1,2 مليار دولار تستحق في آذار بأوراق ذات أجل أطول، واصفاً مثل تلك المقايضات بأنها “ممارسة معتادة”.
وأكد أنه لم ير أزمة مماثلة خلال 50 عاماً له في القطاع المصرفي “وكل ما نقوم به هو لإبقاء ثروة لبنان داخل لبنان، وإلا فستتبخر وسيكون لبنان بلا سيولة ولا عملة أجنبية يحتاج اليها لشراء السلع الضرورية. ما يحدث الآن ليس ضد الشعب. أموالهم آمنة، ودعوني أضيف: الضغط ليس من كبار المودعين”.
ورجّح “إعادة هيكلة الدين بطريقة أو بأخرى لكن دون التأثير على ودائع الناس وهم يعملون الآن على التأكد من ذلك”، مشيراً الى أن هذا “سيوفر مزيداً من الأوكسجين لتنشيط اقتصادنا”.
ورداً على سؤال عن الطريقة التي ينبغي أن تجري بها إعادة الهيكلة، قال إنها ستكون مسؤولية الحكومة الجديدة. لكن الفكرة العامة هي “خفض الفوائد وتمديد آجال الاستحقاق”.
وأعرب عن معارضته تقنين القيود المصرفية رسمياً، قائلاً إنه سيكون من الصعب حينئذ “العودة الى الممارسة الطبيعية”.