كتبت صحيفة “النهار” تقول: في اليوم الـ90 تماماً لبدء انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، كان الحدث الحقيقي أمس في تجدد الانتفاضة بزخم كبير فاق تقريباً الأيام الاولى من انطلاقتها بما اكسب يوم 14 كانون الثاني دلالة كبيرة لجهة ما مثله من محطة مفصلية ثانية في مسار الانتفاضة من جهة والاثر الذي ستتركه هذه الانطلاقة المتجددة على مجمل الواقع المأزوم بل الكارثي في البلاد من جهة أخرى. واذا كانت مظاهر تجدد الانتفاضة الشعبية عمت بيروت ومعظم المناطق تقريباً في انعكاس متجدد للاحوال الشديدة التأزم التي تتراكم اخطارها المالية والاقتصادية والاجتماعية، فان أبرز وأهم ما واكب هذا الحدث الداخلي على المستوى السياسي برز في طغيان الزخم الذي اتخذته التحركات الاحتجاجية على كل التحركات والمواقف السياسية بما فيها الخطاب الذي القاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام أعضاء السلك الديبلوماسي والذي، على رغم اعترافه فيه باخفاق محاولاته لاصلاح الوضع الاقتصادي والمالي ومسالة الفساد، بدا واضحاً ان ارتفاع صوت الانتفاضة والتصعيد الواسع الذي باشرته تحت عنوان “أسبوع الغضب” قد حجب الخطاب كما حجب لاحقاً التحركات والمواقف السياسية والحزبية التي تزامنت وتجدد الانتفاضة.
والحال ان التصعيد الواسع الذي طبع تحركات الانتفاضة رسم ملامح اندفاع قوية نحو ارغام السلطة والقوى الداعمة لتكليف حسان دياب تأليف الحكومة الجديدة على اجتراح محاولات جديدة للخروج من مأزق انقلابها على هذا التكليف، خصوصاً بعدما سقطت كل البدائل التي كان تحالف العهد وقوى 8 آذار يبحث عنها لاستبدال دياب برئيس مكلف آخر، وبدا واضحاً ان الدستور لا يلحظ أولاً مخرجاً متاحاً وسهلاً لتصرف مناوئ للاصول كهذا، كما ان أي اسم بديل من دياب ليس متوافراً حالياً وسط معطيات باتت تملكها قوى هذا التحالف من ان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري اتخذ قراراً استراتيجياً ثابتاً بعدم القبول باي مفاوضات تهدف الى اعادة تكليفه وفق القواعد التي كان رفضها سابقاً. وفي ظل هذه المعطيات التي واكبت عودة الحريري من الخارج كما تزامنت مع مشهد حشود المتظاهرين تجتاح الطرق الرئيسية والساحات وتقيم مخيمات الاعتصامات وتقفل عشرات الطرق الرئيسية والفرعية وتتوعد بمزيد من التصعيد في “أسبوع الغضب”، بدأت قوى التحالف الذي دعم تكليف دياب بالقيام مرغمة بانعطافة سياسية مفاجئة تمثلت في قرار جرى التوافق عليه بين العهد و”التيار الوطني الحر” من جهة والثنائي الشيعي من جهة أخرى، بمنح الرئيس المكلف حسان دياب فرصة جديدة لاستكمال تأليف حكومته، الامر الذي تزامن أيضاً مع اعلان المجموعات التي شاركت في التظاهرة الحاشدة امام منزل دياب انها تمهله 48 ساعة لتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين والا فعليه الاعتذار، في حين توعدت الانتفاضة بخطوات تصعيدية جديدة بعد هذه المهلة.
مخرج لدياب وداعميه؟
ومن هنا تسارعت المشاورات من أجل بلورة مخرج للقوى الداعمة أساساً لتكليف دياب. وحصل لهذه الغاية لقاء طويل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل في عين التينة واستمر نحو ساعتين وثلث ساعة واستبق اجتماع “تكتل لبنان القوي” الذي كان يفترض ان يعلن بعده باسيل موقفاً سلبياً من مسار تكليف دياب. وفي المعلومات ان بري وباسيل تناولا مسار التأليف. وعمل بري على تخفيف اندفاع باسيل. لذلك اطلق وزير الخارجية بعد اجتماع التكتل كلاماً قابلاً للتسييل في الايجابيات والعمل على امكان ترك فرصة جديدة لإنقاذ التأليف الذي وصل الى شفير الهاوية. وتفيد المعلومات ان مخارج يجري العمل عليها وتتطلب المزيد من المتابعة بدءاً من اليوم للخروج من مروحة الانسداد الحالية على خط دياب ومساعدته في تشكيل حكومة ترضي الاطراف. ولم يعلق بري على كل هذا التفاصيل من أجل انضاجها في الشكل المطلوب والمنتج و”عدم حرق هذه الاوراق الجديدة. وان شاء الله خير”.
وكان لقاء جمع ايضاً دياب والمعاون السياسي للسيد حسن نصرالله حسين الخليل كان هدفه الاسراع في تشكيل الحكومة والمساعدة في تذليل بعض العقبات. كما جمع لقاء مطوّل دياب ووزير المال علي حسن خليل وكان الجو كان إيجابياً. ونقل عن أوساط الرئيس المكلف ان تشكيلته الوزارية باتت شبه جاهزة ولا ينقصها سوى اسمين أو ثلاثة لانجازها وربما التوجه بها الى قصر بعبدا غداً أو الجمعة اذا سارت الامور كما يجري التحضير لها. وقالت الأوساط ان التشكيلة ستكون من 18 وزيراً لا وزراء حزبيين بينهم ولا وزراء سابقين من حكومة تصريف الاعمال، كما يجري الحديث عن احتمال توسيعها الى 24 وزيراً بناء على رغبة رئيس الجمهورية وعندها يزاد عدد الوزراء الدروز الى اثنين. وقالت إن البيان الوزاري وضع في مسودة اولية ايضا.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أكد فور عودته أمس ان “أساس الحل هو تشكيل حكومة جديدة وليس تعويم حكومة استقالت بطلب من الشارع”، لافتا إلى أنه يقوم بتصريف الأعمال بشكل كامل بحسب الدستور، أما إذا كان المطلوب أكثر فلا مشكلة.وقال: “كفانا لف ودوران حول أساس الحل. أساس الحل هو تشكيل حكومة جديدة. هناك الرئيس المكلف حسان دياب الذي لديه مهمة تشكيل حكومة مع من سموه لهذه المهمة، فليشكل الحكومة مع فخامة الرئيس ونقطة على السطر. إذا كان هناك مكان قصّرت فيه بتصريف الأعمال فليخبروني أين هو”.
أما باسيل، فصرح بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي”: “اردنا ان نعلن اليوم موقفاً متقدماً لناحية تأكيدنا اننا لم نطلب أي مطلب خاص غير تشكيل حكومة ناجحة لانقاذ الوضع المالي الذي نمر به، انما حصلت تطورات عديدة اليوم تدفعنا لتحمل المسؤولية اكثر فأكثر، لأن أسهل شيء في ظل هذا الوضع ان نتصرف كسوانا ونقول اننا غير معنيين، ومن مصلحتنا الحزبية والسياسية ان نقول اننا غير معنيين بهذه الحكومة طالما اننا منذ البداية دفعنا باتجاه حكومة خالية من سياسيين وحزبيين ومن وجوه قديمة وان تكون حكومة من أصحاب الكفاءة والجدارة يتمكن كل وزير فيها من ان يحمل مسؤولية وزارته ليقوموا بعمل جماعي يقدمون فيه خطة إنقاذ ويخرجون البلد من الوضع الاقتصادي والمالي. ولكننا بحكم مسؤولياتنا النيابية إما ان نعطي هذه الحكومة الثقة وإما نحجبها عنها، وهذا الامر مرتبط بعامل واحد بالنسبة إلينا هو إمكان النجاح لهذه الحكومة وتحقيق الإنقاذ، وغير ذلك لا مطلب لنا لا من ناحية العدد ولا من ناحية الأسماء، ولن نختار اي اسم من التيار الوطني الحر او قريب منه”. واوضح من جهة اخرى ان “التكتل وقع على كتاب موجه الى حاكم مصرف لبنان يتعلق بالتحويلات المالية التي حصلت الى الخارج خصوصا بعد 17 تشرين الاول 2019 وما تشكله بالأرقام التي كان قد أعلن عنها الحاكم في وسائل الإعلام، إضافة إلى الأخبار والإخبار التي صدرت والتي تشكل استنسابية في التعامل مع المواطنين بشكل غير مقبول، بحيث أن البعض منهم يقف طويلا في الصف للحصول على مبلغ قليل من المال، كذلك يحرمون تحويل اموال بسيطة إلى الخارج لاولادهم كأقساط، في حين ان آخرين يحولون عشرات الملايين او حتى مئات الملايين من الدولارات”.
مواجهات الحمراء
وسط هذه الاجواء، بدا لافتاً تجدد المواجهات العنيفة ليلاً بين مجموعات من المتظاهرين أمام مبنى مصرف لبنان في شارع الحمراء وقوى الامن الداخلي التي استعملت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وابعادهم عن مبنى المصرف، فيما رمى متظاهرون القوى الامنية بالحجارة وسجلت نحو 20 اصابة بين القوى الامنية والمتظاهرين جراء المواجهات الحادة التي حصلت. وحصلت أيضاً اعمال شغب وتكسير واجهات وتخريب قام بها بعض المتظاهرين علنا أمام عدسات الكاميرات والنقل التلفزيوني المباشر في شارع الحمراء طاولت فروعاً مصرفية ومحلات تجارية، الامر الذي دفع القوى الامنية الى الطلب من المتظاهرين السلميين الابتعاد عن الشارع.
ويشار في هذا السياق الى تطور مالي لافت واكب يوم الانتفاضة الطويل وتمثل في تراجع مفاجئ لسعر الدولار في السوق الرديفة “دولار الصرافين” أكثر من 300 ليرة وسط توقعات ان يستمر تراجعه اليوم الى حدود الـ 2000 ليرة.