كتبت صحيفة “اللواء ” تقول : اعتراض حاد في الشارع، قبل ان يخرج الدخان الأبيض من قصر بعبدا، إيذاناً بولادة حكومة الرئيس حسان دياب المكوّنة من 20 وزيراً، من الاخصائيين، ولكن بصفة سياسية، من مكونات 8 آذار، جدّدت الحركة الاعتراضية انشطتها بالشارع، فقطعت معظم الطرقات والشوارع في العاصمة، بكل الاتجاهات وصولاً إلى مجلس النواب.
ولدت حكومة دياب، التي يمكن وصفها بحكومة المغامرة.. وإذا كان الرئيس دياب، يتحرك ضمن خطة تهدف إلى إنقاذ لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية يعرفها لبنان منذعقود، فتكون حكومته حكومة “مغامرة الانقاذ” المحفوفة، بتحديات ومخاطر عدّة، على الرغم من صبغة التكنوقراط، التي اتسمت بها شخصيات وهويات الوزراء الجدد، الآتين من عالم الاكاديميا والاقتصاد والطب، وما شاكل..
اتخذت حركة الشارع ليلاً، ابعاداً خطيرة، مع محاولات نزع الاسلاك الشائكة باتجاه المجلس النيابي، وسط بروز مخاوف من اتخاذ المواجهة طابعاً، يخرج عن المألوف.. مع عزم المحتجين في الشوارع على مواصلة أعمال الاحتجاج.
وأيا تكن الاعتبارات، فإن اليوم، هو بداية اختبار قدرة هذا “الفريق الانقاذي” بتعبير رئيسه على انتزاع الثقة، ليس بالخطابات، والكلام سواء في ما خص تهدئة الشارع، أو لجم انهيار سعر الليرة اللبنانية، أو كسب الثقة العربية والدولية، قبل الثقة النيابية أو بعدها..
بعد التقاط الصورة التذكارية اليوم، تعقد الحكومة أوّل اجتماع لها، لتشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري..
ومهما يكن من أمر الوزراء الموزعين، قبل مناصبهم الوزارية، على الوزراء السابقين في الحكومة المستقيلة، والمحسوبين على الجامعات: اللبنانية، والأميركية، واليسوعية، والبلمند وغيرها، فإن البيان الوزاري شبه جاهز وفقاً لمصادر وزارية مطلعة أبلغت “اللواء” ان الورقة الإصلاحية سيتم اعتمادها، وفي ما خص الشق المتعلق بصيغة ”الجيش والمقاومة والشعب”، كما هو حاصل في حكومة “استعادة الثقة” مع إعادة نظر في الصياغة، حفاظاً على الأجواء الجديدة، والانفتاح على العالم العربي.
وفي كلمة بعد فترة قصيرة من توقيع الرئيس ميشال عون على مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، قال دياب إن أول زيارة يقوم بها خارج البلاد بعد تولي منصبه ستكون للعالم العربي ولا سيما الخليج.
ووصف الحكومة الجديدة بأنها “فريق إنقاذ” وقال إنها ستكون سريعة وليست متسرعة في التعامل مع الضغوط الاقتصادية والمالية الهائلة.
غضب على التأليف
واللافت، انه ما ان أعلنت مراسيم تأليف حكومة الرئيس دياب، قرابة العاشرة ليلاً من قصر بعبدا، بعد مخاض استمر 33 يوماً منذ التكليف، حتى اشتعلت شوارع العاصمة، وتقطعت كل المفاصل المؤدية إلى بيروت، سواء باتجاه الشمال أو الجنوب أو الجبل والبقاع، فيما توافد متظاهرون إلى وسط العاصمة، وامام دارة الرئيس دياب في تلة الخياط، التعبير عن رفضهم لحكومة المحاصصة التي ولدت بخلاف ما أراد الحراك بأن تكون حكومة وزراء مستقلين وغير حزبيين، كما صدرت دعوات للرئيس دياب بالاستقالة.
ولم يُكثّف المتظاهرون التعبير عن احتجاجهم على تشكيل الحكومة الجديدة، بقطع الطرقات بالاطارات المشتعلة سواء في كورنيش المزرعة والمدينة الرياضية والكولا ومستديرة فردان وقصقص، بل كادت ان يتكرر المشهد في وسط بيروت، عندما اندفع عدد من المحتجين إلى محاولة اقتحام أحد مداخل المجلس النيابي قرب المسجد العمري، ورشقوا حرس المجلس والقوى الأمنية بالحجارة والمفرقعات النارية، لكن عناصر قوة مكافحة الشغب لم تشأ الرد على هؤلاء فأنكفوا إلى الشوارع الخلفية، في حين انتقلت أعمال الشغب والعنف إلى طرابلس، حيث افيد ان محتجين حطموا واجهات عدد من المصارف في المدينة واقفلوا جادة رياض الصلح في الجميزات، واحرقوا النفايات في بعض المستوعبات، كما جابت شوارع المدينة مسيرات شعبية غاضبة وعمد المشاركون فيها إلى تحطيم الأملاك العامة وبعض الأملاك الخاصة وكل ما تيسر في طريقهم.
وذكرت معلومات ان المحتجين نفذوا اعتصاماً امام منزل وزير الاتصالات الجديد طلال حواط مرددين هتافات تطالبه بتقديم استقالته فوراً أو مغادرة المدينة وقطع متظاهرون طرقاً فرعية ورئيسة عدّة بالاطارات المشتعلة.
وتزامن ذلك مع قطع طرقات الجنوب عند خلدة والناعمة والجية، وطرقات البقاع عند تلعبايا بالاتجاهين.
وقرابة منتصف الليل تبدل المشهد في وسط بيروت، عندما تقدمت مجموعة من المتظاهرين تجاه القوى الأمنية وبدأوا برشقها بالحجارة والمفرقعات الأمر الذي صعد الاشتباك بين الطرفين، عادة ألقى الأمنية إلى استخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع.
مخاض الحكومة
وكان الانفراج في مخاض تأليف الحكومة، قد جاء قرابة عصر أمس، مع ورود معلومات عن نجاح الاتصالات التي تولاها الرئيس نبيه برّي سواء مع الرئيس دياب، أو مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، الذي ارجأ سفره إلى مؤتمر دافوس غداً، أو حتى مع رئيس تيّار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية الذي شن هجوماً صاعقاً على الوزير باسيل، متهماً اياه بأن طمعه وجشعه هو الذي يعطل ولادة الحكومة، ويضع الفريق الواحد امام الباب المسدود، وتمثل التقدم الذي احرز بقبول الرئيس دياب بصيغة العشرين وزيراً، وهو ما عد تنازلاً كبيراً منه، وكذلك قبول الوزير باسيل بأن يكون المقعد الكاثوليكي الثاني من حصته، والوزير الدرزي الثاني من حصة حليفه النائب طلال أرسلان وحليفه الوزير السابق وئام وهّاب، لكن الوسط السياسي فوجئ بأن هذا المقعد ذهب للسيدة منال عبد الصمد من حصة رئيس الحكومة، وليس من حصة أرسلان، باعتبار انها مقربة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، واسندت إليها حقيبة الإعلام.
وفي ضوء التقدم الذي حصل، سارع الرئيس برّي إلى بعبدا مستبقاً وصول الرئيس دياب، ثم انعقد الاجتماع الثلاثي الذي سبق صدور المراسيم الثلاثة، بعدها قدم كل من الرئيس ميشال عون الاسم الذي يريده لنيابة رئاسة الحكومة وحقيبة الدفاع، بدل نقيبة المحامين السابقة أمل حداد، الذي كان الحزب السوري القومي الاجتماعي يرغب بأن تمثله في التشكيلة الحكومية، لكنه تبلغ عكس ما يريد فأعلن مجلسه الأعلى عدم المشاركة في الحكومة، وكان كثيرون يتوقعون ان تكون السيدة بترا خوري، لكن المراسم حملت اسم السيدة زينة عكر زوجة جواد عدرة، فيما تمت تلبية مطلب تيار المردة بحقيبتين فنال الاشغال والعمل، التي كانت مقررة لدميانوس قطار من حصة الرئيس دياب، فتسلم حقيبة التنمية الادارية.اما الحصة الدرزية فأصبحت أربع حقائب هي وزير للشؤون الإجتماعية والمهجرين، ووزيرللاعلام والسياحة. وعلى هذا آلت حقيبة الشباب والرياضة الى الارمن بدل السياحة. وذهبت حقيبة الاقتصاد للوزيرالكاثوليكي الثاني راوول نعمة.
وكانت المفاجأة في تسمية وزراء من خارج الاسماء التي تم تداولها خلال الشهر الماضي، بحيث طارت اسماء كانت تعتبر من الثوابت.
توزيع الحصص
وعلى الرغم من التأكيد الرسمي من ان أي طرف في الحكومة ليس لديه الثلث المعطل أي أن يكون لديه 7 وزراء في حكومة من 20 وزيراً، الا انه في إمكان التحالفات التي يمكن ان تحصل داخل الجلسات ان تحقق نوعاً من الثلث لدى القوى الرئيسية الثلاثة التي تقاسمت المغانم.
وأظهرت القراءة الأولى للحصص حالة من التوازن بين هذه القوى، بمعدل خمسة وزراء لدى كل من رئيس الجمهورية مع التيار الوطني الحر، ورئيس الحكومة والثنائي الشيعي مع تيّار “المردة” الذي نجح في ان يكون لديه وزيران.
لكن حصة رئيس الجمهورية مع التيار الحر وحليفه حزب الطاشناق وهي ستة وزراء، لا تستطيع ان تكون ثلثاً معطلاً الا إذا انضمت حصة النائب طلال أرسلان إليها، والمكونة من الوزيرين، رمزي مشرفية ومنال عبد الصمد، إذا احتسبت من حصته وليس حصة الرئيس دياب بحيث تصل إلى ثمانية وزراء، والأمر نفسه يسرى على حصة الرئيس دياب الذي يمتلك داخل الحكومة خمسة وزراء وربما ستة إذا أضيفت إليه الوزيرة عبدالصمد، وكذلك الأمر بالنسبة لحصة الثنائي الشيعي مع حليفه وزيري تيّار “المردة”.
وفي ما يلي الحصص بالاسماء:
{{ رئيس الجمهورية مع التيار الوطني الحر:
- زينة عكر نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع.
- ماري كلود نجم وزيرة العدل.
- ريمون غجر وزير الطاقة والمياه.
- راوول نعمة وزير الاقتصاد والتجارة.
- غادة شريم وزيرة المهجرين.
{{ رئيس الحكومة مع اللقاء التشاوري:
- اللواء محمّد فهمي وزير الداخلية.
- ناصيف حتي وزير الخارجية.
- طلال حواط وزير الاتصالات.
- طارق المجذوب وزير التربية.
- دميانوس قطار وزير البيئة وشؤون التنمية الإدارية.
{{ الثنائي الشيعي: حركة “أمل” و”حزب الله”:
- غازي وزني وزير المالية (أمل).
- عباس مرتضى وزير الزراعة والثقافة (أمل).
- حمد حسن وزير الصحة (حزب الله).
- عماد حب الله وزير الصناعة (حزب الله).
{{ تيّار المردة:
- ميشال نجم وزير الاشغال العامة والنقل.
- لميا يمين وزيرة العمل.
{{ الحصة الدرزية:
- رمزي مشرفية وزير السياحة والشؤون الاجتماعية.
- منال عبد الصمد وزيرة الإعلام.
{{ حزب الطاشناق:
- فارتي اوهانيان وزيرة الشباب والرياضة.
واللافت انه للمرة الأولى في تاريخ لبنان، بات للنساء ست وزيرات، وبات لها أيضاً منصب نائب رئيس الحكومة وزيرة للدفاع.
وحرص الرئيس دياب في بيان بعد صدور المراسيم على ان يتوجه إلى الحراك، موجهاً التحية للانتفاضة الثورة، مشدداً على ان الحكومة تعبّر عن تطلعات المعتصمين على مساحة الوطن وستعمل لترجمة مطالبهم، وقال انها حكومة مصغّرة لا تتمدّد للتسويات وتوزيع جوائز الترضية الوزارية وحكومة فصل النيابة عن الوزارة، والاختصاصيين وغير الحزبيين وحكومة المرأة التي تشارك في السلطة التنفيذية قولاً وفعلاً وحكومة الاستثناء… ووزراءها استثنائيون بانحيازهم إلى خيار واحد لبنان الوحدة والعزّة والازدهار.
لكن ردود الفعل السياسية على التأليف لم تأت وفق ما كان يتوقع، إذ قال جنبلاط في أوّل تعليق له: “أي حكومة أفضل من الفراغ، لأن الآتي أعظم”، فيما قال الرئيس نجيب ميقاتي عبر تويتر: “يبدو ان الرصاص المطاطي قد أصاب آذان وأعين القيمين على السلطة فلم يسمعوا صراخ النّاس في الشارع منذ أربعة أشهر ولم يشاهدوا ماذا يحصل، فمضوا في تكريس نهج المحاصصة في تشكيل الحكومة. حمى الله لبنان”.
نقدياً، وقبل إعلان المراسيم دعت نقابة الصرّافين إلى إعلان سعر شراء الدولار بألفي ليرة كحد أقصى، تحت طائلة إلحاق العقوبات بالمخالفين.