كتبت صحيفة “الديار” تقول: انطلقت حكومة “انقاذ لبنان” رسميا على وقع مواقف دولية “مشجعة”، و”شغب” داخلي “ممنهج” “برياح شمالية” في وسط بيروت، كان بارزا خلاله توسع رقعة العنف الى الاسواق التجارية حيث كان ثمة تعمد لتخريب المنشآت العامة والخاصة، في محاولة لاستدراج القوى الامنية الى مواجهة “عنفية” “تلطخ” “سمعة” الحكومة الجديدة امام المجتمع الدولي، ومع نجاح القيادات الامنية والسياسية في استيعاب المشهد الذي لم يخلو من مشهد “الاعتراض” “المستقبلي” في بعض المناطق خارج بيروت، تبدو الحكومة بوزرائها امام اختبارات جدية للنجاح في “امتحان” الثقة الداخلية والخارجية، مع العلم ان التصريحات الاولية لبعض الوزراء المعنيين بالشأن الاقتصادي لم تكن “مشجعة” بعدما غاب عن مضمونها “الرؤية الواضحة لكيفية معالجة الخلل الاقتصادي والمالي وفي مقدمته ازمة الكهرباء”…
وفي انتظار تبلور صورة واضحة لدى الوزراء الذين لا يملكون ترف تضييع الوقت، ترى اوساط سياسية بارزة شاركت في “طبخ” الحكومة ان ثمة رابحين في عملية التأليف، حزب الله الذي نجح اخيرا في ارغام حلفائه بمغادرة “رصيف” “الدلع” السياسي “المخجل” و”المحبط”، والافراج عن الحكومة بعد احتجازها رهينة “كباش” المصالح والمشاريع الضيقة. الرابح الثاني، رئيس الحكومة حسان دياب بانضمامه رسميا الى نادي رؤساء الحكومات، متحديا شريحة كبيرة من بيئته السنية، لكن مع ترك “بصمة” تحسب له، بعدما نجح من خلال “تصلبه” بفرض معاييره الخاصة في تشكيل فريق وزاري مصغر ضمن المهلة التي كان قد حددها لنفسه عقب الاستشارات النيابية غير الملزمة، متجاوزا “مطبات” ضخمة كانت لتدفع اي مرشح آخر للاعتذار، لكن الامر لم ينته مع نجاح التأليف “فالولادة” القيصرية للحكومة تضع رئيسها امام اختبارات وتحديات جدية لا ترتبط فقط بالوضع الاقتصادي السيىء في البلاد، وانما في تحديات من نوع آخر ترتبط بمناخات “عدائية” تحيط بحكومته من جهات وازنة سياسيا وطائفيا تعمد على استغلال الشارع ولن تتوانى عن اسقاطه متى سنحت لها الفرصة، فهل سينجح في تقديم نموذج جديد في السلطة او سنكون اما “استنساخ” جديد لتجربة الرئيس نجيب ميقاتي عندما اصبح “ملكيا” اكثر من “الملك” عندما ترأس حكومة “اللون الواحد” وزايد في مواقفه على تيار المستقبل؟
الدعم “المطلق” لـ”دياب”
وبحسب تلك الاوساط، نجح حزب الله في تجاوز القطوع داخل المنزل الواحد بأقل الخسائر الممكنة، ومنح “قبلة الحياة” لحكومة يمكن ان تجتاز الاختبار الدولي والاقليمي اذا ما “صفت النوايا” الخارجية، بعدما وافق على الخروج السياسي المباشر منها، واقنع المشاركين فيها بالتنازل عن الوجوه “المستفزة” للداخل والخارج، واذا كان الحزب قد ادى “قسطه للعلى”، فان تمرير قطوع التأليف لا يعني أن رحلة رئيس الحكومة مع الامتحانات السياسية قد انتهت، بل على العكس، فهي قد بدأت للتو، لكن الشيء الواضح والجلي من هذه التجربة ان دياب قد خاض للمرة الاولى تجربة التعامل مع حزب الله، “ولمس” وفاء الحزب بمجرد ان منحه “الوعد” بذلك، وكما كانت قيادة الحزب واضحة مع بداية عملية التأليف عندما ابلغته انها لن تتخلى عنه اذا صمد وتمسك بمعاييره المعلنة، فهي اكدت له صراحة انها ستكون الى جانبه طالما “عنده ركاب” لمواجهة التحديات مهما بلغت صعوبتها…
لا “استفزاز” ولا “عقدة نقص” ميقاتي
ووفقا لتلك الاوساط، تبدو المؤشرات مشجعة حتى الان، فدياب تجاوز قطوع “الشارع السني” الرافض لتوليه الحكومة، ولم يؤثر “الغضب” المفتعل على قراره تولي المسؤولية في هذه الظروف الصعبة، لكنه في المقابل ليس في وارد اتخاذ قرارات استفزازية يمكن تصنيفها “بالانتقامية” اتجاه المرحلة الحريرية، وهو تحدث صراحة امام زواره انه لم يأت الى السراي الحكومي للقيام بتصفية حساب مع المرحلة الماضية، فهو ليس في نيته تغيير المدير العام للامن الداخلي اللواء عماد عثمان، واعطى اشارة ايجابية واضحة من خلال عدم تعيين وزير استفزازي للداخلية، وهو ليس في وارد الاستغناء عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اقله في المرحلة الراهنة، لكنه يصر على عدم تكرار تجربة الرئيس ميقاتي الذي بقي اسير “عقدة نقص” حكومة “اللون الواحد” التي “كبلته” ومنعته من ترك اي “بصمة” خلال حكومته بعدما حرص على ارضاء “تيار المستقبل”، فلم يحصل على “الرضى” ولم يحقق اي انجاز، وهذا الامر لن يتكرر…
} “تشتت” المعارضة }
وفي هذا السياق، يعول دياب على العلاقة مع الخارج باعتبارها المؤشر الاساسي على الثقة المطلوبة للمساعدات الاقتصادية، وكذلك على تحرك “المعارضة” السياسية في الداخل، فهو يعتقد ان الحراك سيقتنع بالحكومة بعد منحها الفرصة الكافية لكي تثبت جديتها، لكن يبقى افرقاء 14 آذار السابقين الذين طردوا من “جنة” الحكم، وهؤلاء لن يكونوا مؤثرين دون دعم خارجي منقسم على نفسه حيث تختلف الاجندات الاماراتية ـ السعودية مع القطرية – التركية، كما لا توجد نظرة فرنسية ـ اميركية موحدة حيال الملف اللبناني، ولذلك سيعمل رئيس الحكومة خلال جولة خارجية قريبة على ترسيخ مناخات الثقة مع تلك الدول التي وعد بعض سفرائها في بيروت بتقديم الدعم، واول المؤشرات الايجابية ترحيب الامين العام للامم المتحدة والرئيس الفرنسي “بولادة الحكومة”. في المقابل سيعمل دياب داخليا على احتواء “الشارع” بأقل الاضرار الممكنة… ومن المؤشرات الايجابية ايضا ان قوى المعارضة لا تزال مشتتة على الرغم من اللقاء الاخير بين الحريري وجنبلاط، والهوة لا تزال كبيرة مع القوات اللبنانية، وثمة اتجاه لدى “بيت الوسط” لابقاء حركة الاعتراض “المضبوط” في “الشارع” وفي نفس الوقت عدم الذهاب الى السلبية المطلقة، وسيترجم ذلك بحضور جلسة منح الثقة دون منحها وهذا يعني الانتقال العملي الى المعارضة التي لن تكون فاعلة اذا ما بقيت الخلافات على حالها مع “معراب”، و”الثقة” مهتزة مع “المختارة”…
ماذا طلب حزب الله؟
وامام التحديات الاقتصادية المصيرية التي تهدد الدولة، طلب حزب الله من حلفائه منح دياب فرصة جدية لقيادة حكومة “فرصة الانقاذ الاخيرة” لوقف الانهيار، وسيكون البيان الوزاري المؤشر الاكثر وضوحا عن هذا التسهيل لمهمته، ومن المفترض ان يكون نسخة طبق الاصل عن بيان الحكومة السابقة لجهة اعتماد سياسة النأي بالنفس وحق لبنان في تحرير اراضيه المحتلة مع التركيز على الملفات الاقتصادية والمالية، وثمة تبادل في الرهانات بين دياب وحزب الله، فالاول يعول على الثاني لمده بالدعم المطلوب عندما يحتاج اليه خصوصا انه لا يمتلك الادوات المناسبة بين يديه لمواجهة الصعوبات المنتظرة، في المقابل يراهن الحزب على “صمود” رئيس الحكومة وتحمله للمسؤولية مهما بلغت الصعوبات، وعدم تكرار تجربة الحريري الذي قفز من “السفينة” هربا من “الغرق” على الرغم من كل وسائل الدعم التي قدمت اليه… ثمة اختبارات متبادلة واوقات صعبة منتظرة، النجاح مرتبط بأكثر من عامل داخلي وخارجي، وستستفيد منه كل الاطراف، ام الفشل فسيكون كارثيا هذه المرة، ولن ينجو منه احد…
اعمال “الشغب”…
وكما كان متوقعا، ارتفعت حدة اعمال “الشغب” واندلعت المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في وسط بيروت، وقد توسعت إلى مداخل أخرى مؤدية إلى ساحة النجمة، ووفقا لمعلومات امنية فان غالبية هؤلاء الشبان جاؤوا من الشمال، وكان لافتا حصول عمليات تكسير ممنهجة للمحلات التجارية في تحد جديد من نوعه للقوى الامنية التي كان البعض يعمل على استدراجها لمواجهة عنيفة، وبعدما نجحت القوى الامنية التي انضمت اليها مجموعات من الجيش والقوة الضاربة في شعبة المعلومات من اخراج المتظاهرين من وسط بيروت عمد هؤلاء الى تكسير مبنى شركة تاتش في منطقة الصيفي… وفي بيروت قطع انصار تيار المستقبل طريق كورنيش المزرعة، وكذلك الخط الساحلي، فيما اصدر “التيار” بيانا اكد فيه عدم علاقته بالمواجهات من قريب او من بعيد، في وسط بيروت.
“الامن” اولا…
وكان رئيس الحكومة حسان دياب بدأ نشاطه في السراي الحكومي باجتماع امني مع المدير العام للامن العام اللواء عماد عثمان، وانضم اليهما لاحقا وزير الداخلية محمد فهمي حيث تم التداول بالاوضاع الامنية في البلاد، وبحسب مصادر مطلعة منح رئيس الحكومة عثمان ثقته طالبا منه اتخاذ الاجراءات الضرورية لمنع الشغب في العاصمة بيروت مع الحفاظ على حماية التظاهرات السلمية وممتلكات المواطنين، وقد ترجمت نتائج الاجتماع مساء بالتدخل الحاسم للقوى الضاربة في فرع المعلومات لمؤازرة قوات مكافحة الشغب لوقف عمليات الاعتداء على الاسواق التجارية…
الدعم الدولي “مشجع”
وفيما كشف رئيس الحكومة حسان دياب في دردشة مع الاعلام أنه التقى بعيدا من الاعلام عددا من السفراء الاجانب “الذين طلبوا موعدا اثناء فترة التأليف وجميعهم ابدوا استعدادا للتعاون”، جاءت اولى المواقف الدولية من التأليف “مشجعة”، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال تواجده في القدس أن فرنسا ستفعل “كل شيء” لمساعدة لبنان على الخروج من “الأزمة العميقة” التي تعصف به، وقال “سنقوم بكل شيء لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين في الأزمة العميقة التي يمرون بها”، ومساء صدر بيان عن مجموعة الدعم الدولية للبنان، تمنت فيه على الحكومة الجديدة السير باجندة العمل للنهوض الاقتصادي واجراء الاصلاحات اللازمة. كما رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتشكيل الحكومة مؤكدا العمل مع رئيس الوزراء الجديد حسان دياب من أجل دعم الإصلاحات في البلد المثقل بالديون والذي يصارع أزمة اقتصادية. واعرب السفير الروسي الكسندر زاسبكين عن تمني بلاده النجاح للحكومة مؤيدا تأليفها.
الدولار الى اين؟
وفي اولى ردود الفعل الاقتصادية، ارتفعت سندات لبنان الدولارية بمقدار سنت بعد تشكيل الحكومة وفيما اكدت مصادر مصرفية ان المصارف ستبقى تسعر الدولار الأميركي على أساس 1507,50 ليرة، وهي غير معنية بالاتفاق بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونقابة الصرافين الذي قضى بتثبيت سعر صرف الدولار على حدود 2000 ليرة، من جهته، قال وزير المال غازي وزني: انه من الصعب إن لم يكن مستحيلا أن يعود الى سعر الصرف الرسمي الحالي.
الجلسة الاولى للحكومة
وكان مجلس الوزراء الجديد عقد اوّل جلسة في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون بعد ان التقط الصورة التذكارية في حديقة القصر. وعقد لقاء بين عون ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة قبيل بدء الجلسة. وقبل مغادرته قصر بعبدا، قال بري للصحافيين: “أنتو مش” متفائلين اما أنا متفائل”. وقد توجه رئيس الجمهورية للوزراء بداية بالقول “مهمتكم دقيقة وعليكم اكتساب ثقة اللبنانيين والعمل لتحقيق الاهداف التي يتطلعون اليها سواء بالنسبة الى المطالب الحياتية التي تحتاج الى تحقيق، او الاوضاع الاقتصادية التي تردت نتيجة تراكمها على مدى سنوات طويلة”. وشدد على ضرورة العمل لمعالجة الاوضاع الاقتصادية واستعادة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات اللبنانية، والعمل على طمأنة اللبنانيين الى مستقبلهم… من جانبه، أعلن دياب “أننا امام مأزق مالي واقتصادي وعلينا تخفيف وطأة الكارثة على اللبنانيين وتأمين الاستقرار الذي يحفظ البلاد، لافتا الى أن الرهان هو على حماية ظهر الجيش وقوى الامن عبر تأمين المظلة السياسية”.
اقالة سلامة “غير واردة”…
وشكل مجلس الوزراء لجنة اعداد البيان الوزاري برئاسة الرئيس حسان دياب وعضوية نائب رئيس الحكومة، ووزراء: المالية والخارجية والعدل والاقتصاد والبيئة والتنمية الادارية، والاعلام، الشباب والرياضة، والاتصالات والصناعة والشؤون الاجتماعية، ستعقد اجتماعها الاول غدا الساعة 11 في السراي، وشدد على أن نهج الحكومة المالي والاقتصادي سيكون مختلفا تماما عن الحكومات السابقة، وقال: “اقالة حاكم مصرف لبنان غير واردة حاليا ونريد ان نبني على الايجايية”.