كتبت صحيفة “الديار” تقول: وفي اليوم الثاني للعمل الحكومي، همّان رئيسيان كانا تحت “المجهر”، الاول ترقب المواقف الدولية من الحكومة حيث انهمرت كلامات الدعم المشروط بالاصلاحات الاقتصادية، والثاني “الهم” الامني على خلفية الاحداث الخطيرة في وسط العاصمة، وكذلك في منطقة البقاع… واذا كانت “الرسائل” الخارجية والداخلية توحي بامكانية حصول الحكومة على “فرصة” لاثبات جديتها في عملية الانقاذ المرتقبة اقتصاديا، لا يبدو ان الرهانات على حصول تغيير جدي في السياسة الخارجية في مكانها، واذا كان رئيس الحكومة حسان دياب قد “جس نبض” الموقف الاوروربي، بانتظار حصوله على موقف مباشر من الادارة الاميركية، فان المعلومات الدبلوماسية تشير الى وجود توجه اميركي لمنح لبنان “الاوكسيجين” اللازم لابقائه في “غرفة الانعاش”، لا انقاذه، بانتظار الانتخابات الرئاسية بعد نحو 9 اشهر حيث ستدخل المنطقة “عصر المساومات مع وجود ربط واضح بين الخطة الانقاذية وملفي النفط،”، “وصفقة القرن” حيث يقع على عاتق لبنان تحمل اللجوء الفلسطيني…
وفيما حضر الملف اللبناني على “طاولة” المحادثات الفرنسية -الاسرائيلية، تم الاعداد داخليا لخطة طوارىء أمنية لمواكبة جلسات التشريع والثقة ومنع “الشغب” في بيروت، اما “التريث” الدولي فترجم داخليا بموقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي اكد انه من السابق لأوانه إطلاق الأحكام في شأن الحكومة، وقوله ان البلاد تحتاج إلى فرصة لالتقاط الأنفاس دون ان ينسى التأكيد انه لن تصح مقاربة الوضع الحكومي بمعزل عن رصد مواقف الأشقاء والأصدقاء، فيما سبق لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان اتخذ موقفا مماثلا، لكن اللافت في هذا السياق موقف حزب الله الواضح عبر كتلة الوفاء للمقاومة التي وجهت “رسالة” واضحة الى المجتمع الدولي عموما والولايات المتحدة خصوصا، بالتاكيد أنه لن تكون هناك اي مجاملة مع أحد في السيادة والقرارات الوطنية واستثمار مواردنا”.
لا تغيير في المقاربة الخارجية
وفي هذا السياق، اكدت مصادر مقربة من الحزب ان سياسات لبنان الخارجية لن تتغير مع حكومة حسان دياب، فلا هي حكومة حزب الله، ولا هي حكومة الاميركيين، ولن تغير “صفة” اللون الواحد في توجهات الحكومة السيادية، فالمعايير المتبعة في الحكومات السابقة لمقاربة الواقع اللبناني وتعامله مع الخارج سواء العلاقات مع واشنطن والدول الاوروبية او مع الاحداث والتطورات الاقليمية الساخنة ستبقى على حالها.ولان حزب الله يتعامل بواقعية مع الداخل اللبناني ولا يريد الفوضى تعامل بحكمة مع التشكيل والتأليف “ودوزن” خيارات بعض حلفائه وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رغب منذ اليوم الاول لاستقالة الرئيس سعد الحريري في الذهاب الى تشكيل حكومة “مواجهة” مع الداخل وفرض “امر واقع” على الخارج، فكانت “الولادة القيصرية” للحكومة بعد مماحكاة بين “الفريق الواحد”..
في المقابل، نجح حزب الله في “اللعب” خلف “الستار” دون ان يضطر الى فرض ما يريد بطريقة “فجة” فهو بعدما فرض مرشحه لرئاسة الجمهورية نجح في تشكيل الحكومة دون افرقاء وازنين في البلاد محسوبين سياسيا على واشنطن وحلفائها، لكنه تعامل بواقعية تتماشى مع الاوضاع الاقتصادية الصعبة، واضعا المجتمع الدولي امام اختبار اثبات “حسن نواياه” اتجاه لبنان بعدما قدم تراجعا “شكليا” بانسحابه المباشر من الحكومة…
لا اوهام اميركية
اما وصول حسان دياب نائب رئيس الجامعة الاميركية في بيروت الى السراي الحكومي، فيبقى دون اوهام من قبل الولايات المتحدة التي تدرك جيدا ان ما لم يتمكن الحريري ومن سبقه من رؤساء الحكومات اعطائها اياه في السياسة، لن يتمكن دياب من تقديمه، مهما بلغت صعوبة الوضع الاقتصادي، فثمة توازنات داخلية لم تهتز على الرغم من “انتفاضة” الـ17 من تشرين، واذا كان الاميركيون ينتظرون بيانا وزاريا مغايرا عما سبق في الشق السياسي فهم سينتظرون كثيرا، لان البيان سيكون منقحا عما سبقه من بيانات تمت خلالها مراعاة جميع الاطراف في الداخل، اما اذا كان وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو يريد جدية في مكافحة الفساد والمزيد من الشفافية للتعاون مع الحكومة الجديدة ومساعدتها، فهذا المطلب يسبقه اليه اللبنانيون الذين يحرضون الخارج على وقف المساعدات الى الطبقة السياسية اذا لم تثبت جديتها في وقف السرقات والهدر ومكافحة الفساد..
كيف ستتعامل واشنطن ؟
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر دبلوماسية، ان واشنطن مضطرة للتعامل مع الحكومة الجديدة ولا تملك اي ذريعة لمقاطعتها، وهي سبق وتعاونت مع الحكومات السابقة التي كان لحزب الله فيها حضور سياسي مباشر، والاتجاه الغالب في الادارة الاميركية يتجه الى ابقاء “المريض” اللبناني في “غرفة الانعاش” عبر منحه “الاوكسيجين” الضروري للبقاء على “قيد الحياة” حتى تقطيع الاستحقاق الرئاسي الاميركي بعد نحو 9 اشهر على ان تبقى مسألة مساعدته على الشفاء مرهونة بتطورات المنطقة والتفاهمات المفترضة على الملفات الساخنة الاخرى، وحينها سيكون لبنان امام استحقاقات شديدة الخطورة لارتباطها بملف النفط والغاز، وصفقة القرن التي ستتمحل الساحة اللبنانية تبعاتها من خلال توطين الفلسطينيين، فيما يبدو ان الاوروبيين مهتمين اكثر بايجاد توليفة تشرع بقاء النازحين السوريين في لبنان.
احياء “صفقة القرن”
ووفقا لتلك الاوساط، ستعمل واشنطن على إحياء صفقة القرن، بعد تشكيل حكومة في إسرائيل او بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية على ابعد تقدير، فعلاقات الولايات المتحدة مع معظم الدول العربية قريبة ووثيقة، وخصوصا دول الخليج، وهذه الدول ابدت استعدادها لتسهيل تمرير الصفقة عبر مزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية ومن الواضح ان الأميركيين لا يعتزمون تقديم التنازلات بل سيعمدون الى إجبار الفلسطينيين على الوصول إلى التسوية على أساس الواقع الذي تقرر على الأرض، ويتضح ذلك من قرارات إدارة ترامب في مسألتي القدس والجولان، وهو ما سيكون الامر عليه في مسألة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية ومنها لبنان.
رفض اسرائيلي “لوساطة” ماكرون
في هذا الوقت حضر الملف اللبناني على طاولة المباحثات بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمسؤولين الاسرائيليين، وقد طلب الرئيس الفرنسي منهم عدم التدخل في الازمة اللبنانية، والابتعاد عن اي عمل استفزازي يهدد القرار 1701كما حصل قبل اشهر، وعرض الرئيس الفرنسي “خدمات” بلاده للتوصل الى تسوية لترسيم الحدود البحرية والبرية مع لبنان، الا انه قوبل “بفتور” اسرائيلي واضح لامس حد الرفض، بعدما اكد له الاسرائيليون ان هذا الملف تتولاه الولايات المتحدة ولا حاجة راهنا الى “وسيط” جديد…
ملف الصواريخ “الدقيقة”
في المقابل طرح الاسرائيليون على الرئيس الفرنسي ملف الصواريخ الدقيقة التي يمتلكها حزب الله، وطالبوه باستخدام نفوذه في هذا السياق لانهم لن يكونوا قادرين على “التعايش” مع هذا الخطر الاستراتيجي لمدة طويلة، لكن ماكرون الذي ابدى تفهما للقلق الاسرائيلي، طلب التعامل بحكمة مع هذه المخاطر، ولفت الى ان حزب الله لن يتخلى “طوعا” عن اسلحته، محذرا من اي “مخاطرة” غير محسوبة لتنفيذ هذا الامر بالقوة، واعتبر ان الاستقرار الحالي برعاية “القبعات الزرق” يؤمن حد معقول من الامن المفقود في كل المنطقة.
“جس نبض” المجتمع الدولي
وعشية اجتماع لجنة صياغة البيان الوزاري في السراي، سجلت حركة دبلوماسية لافتة في السراي. فقد استقبل رئيس مجلس الوزراء سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه، الذي غادر دون التصريح بينما إشترطت فرنسا على الحكومة اللبنانية الجديدة تنفيذ الإصلاحات لمساعدة لبنان. بدورها أعلنت وزارة الخارجية البريطانية ان دعم الحكومة اللبنانية رهن التزامها بالإصلاح.فيما اكد سفيرها في بيروت كريس رامبلينغ بعد لقاء دياب ان تشكيل الحكومة خطوة مهمة وبريطانيا مستعدة لدعم لبنان لكننا نتطلع الى ان تظهر هذه الحكومة التزامها بالاصلاحات التي يحتاجه لبنان بشدة.
وقد التقى دياب رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف الذي قال لدى مغادرته: “اتفقنا مع دولة الرئيس على ان الحكومة تحتاج الى التركيز على الملفات الاقتصادية لمعالجة الازمة ووضع اصلاحات بنوبة لتحسين اداء الحكومة”، مشيرا الى أن “الاتحاد الاوروبي مستعد للالتزام ايجاباً بالمساعدة اذا نفذت الحكومة الاصلاحات”، مشددا على مسألة النأي بالنفس والابتعاد عن مشاكل المنطقة، وقال: سنراقب تموضع الحكومة سياسيا. رافضا التعليق عما اذا كانت حكومة من لون واحد او حكومة حزب الله…كما التقى دياب سفيرة الاتحاد السويسري مونيكا شموتز كيرغوز، التي وعدت بالمساعدة في “الاشاعات” حول تهريب اموال الى بلادها.
“السيطرة” على “شغب” بيروت؟
في هذا الوقت، وفيما توالت عمليات التسلم والتسليم في الوزارات، تركزت الجهود خلال الساعات القليلة الماضية على دراسة الاجراءات الكفيلة لوقف التصعيد “الممنهج” في وسط بيروت ولمنعه من الانزلاق الى مستوى بالغ الخطورة بعدما لامست اعمال الشغب حدود الفوضى اثر استهداف لتخريب الممتلكات الخاصة في شوارع العاصمة، وقد امنت المواقف السياسية العالية السقف من قبل تيار المستقبل، وكذلك من مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، الغطاء اللازم لرئيس الحكومة ووزير الداخلية لاتخاذ الاجراءات الضرورية لوقف التدهور الامني، وقد اعطيت التعليمات الواضحة والحاسمة لقادة الاجهزة الامنية للقيام بكل ما يلزم في هذا السياق، مع ضرورة مراعاة عدم التعرض لاي احتجاج سلمي.
التحقيقات الامنية تتقدم..
ووفقا للمصادر الامنية فان عدد الباصات التي توجهت من البقاع والشمال الى بيروت عشية المواجهات تجاوزت الـ27 باصا، وتجري ملاحقة المنظمين الذين باتوا معروفين لدى الاجهزة المختصة، وقد استدعى فرع المعلومات في طرابلس “الناشطة” داليا الجبلي للتحقيق معها بعدما توافرت معلومات بانها ساهمت بتأمين الباصات من الشمال الى بيروت..
وفي هذا السياق اكد وزير الداخلية محمد فهمي أن قوى الأمن لن تعتدي على أحد وستبذل كل جهد ممكن من اجل ضمان حق التعبير وحقوق الإنسان”، معتبرا “ان أي لبناني لا ولن يقبل بأن تقف القوى الأمنية مكتوفة الأيدي عند التعدي عليها وعلى القوانين واستباحة الأملاك العامة والخاصة”.
وفي السياق نفسه، أعلن المكتب الإعلامي لوزيرة العدل ماري كلود نجم انها اجرت إتصالا بالمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وإطلعت منه على أحداث وسط بيروت ومسار التحقيقات في شأنها، وطلبت منه المثابرة عليها لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المعتدين.
وكان الحريري قد اكد أن “استباحة بيروت وأسواقها ومؤسساتها عمل مرفوض ومدان ومشبوه كائنا من كان يقوم به أو يغطيه ويحرض عليه…. وقال عبر “تويتر” “عندما تتضافر الجهود لحماية بيروت من الفوضى واعمال العنف نقطع الطريق على أي مخطط يريد استخدام غضب الناس جسرا تعبر فوقه الفتنة. ..اما ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبتش، فاعتبر عبر “تويتر” أن “العنف والنهب في بيروت يبدو كمناورة سياسية لتقويض السلم الأهلي للبنان”.
اين اصبح البيان الوزاري؟
وفي هذا السياق، لن تستغرق كتابة البيان الوزراي وقتا طويلا، ووفقا لمصادر مطلعة فان الخطوط العامة للبيان باتت شبه منجزة وستضعه اللجنة في سرعة قياسية، سيما وان فريق رئيس الحكومة حدد تصوّرا أوليا له، ولن يكون امام اللجنة الا الاطلاع عليه وادخال بعض “الروتشات” عليه، ويبدو ان البيان سيكون مقتضبا، وسيركز على كيفية معالجة الازمة الاقتصادية – المالية التي تمر بها البلاد، مع استعادة المخارج المعتمدة في بيانات الوزارات السابقة، لمقاربة فقرات المقاومة وحق لبنان في الدفاع عن نفسه وثرواته، والحياد والنأي بالنفس، وعلاقات لبنان مع المجتمع الدولي ومحيطه العربي والخليجي.
خطة طوارىء لحماية النواب
ووفقا لمصادر امنية، فان الترتيبات قد بدأت عمليا في ساحة النجمة من خلال وضع “بلوكات” اسمنتية في محيط مجلس النواب لمنع المواجهات وتأمين جلستي التشريع ونيل الثقة للحكومة..
وعلم في هذا السياق، ان خطة طوارىء امنية وضعت لمنع تكرار “قطع الطريق” على النواب للوصول الى البرلمان بعد انطلاق حملة لمنع الحكومة من نيل الثقة عبر قطع طريق النواب الى المجلس، في تكرار لسيناريو 19 تشرين الثاني الماضي، لكن هذه المرة، لن يسمح بتكرار هذا السيناريو، وقد بدأ رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب سلسلة اتصالات مع المرجعيات الامنية والعسكرية المختصة لتأمين انعقاد الجلسة التي يكفي قانونيا لانعقادها حضور النصف زائدا واحدا أي 65 نائبا في وقت تشير التقديرات الاولية الى ان الحكومة ستنال ثقة 67 صوتا مؤيدا مقابل57 معارضاً.