كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: المنظومة هي هي، وكل التصريحات والمؤشرات حتى الساعة لا تبشّر بأي تغيير في ذهنية السلطة الحاكمة وعقمها في إنتاج الحلول الجذرية، إنما على العكس من ذلك لا تزال استراتيجية “الشحاذة” وامتهان التسوّل والتوسّل على أبواب عواصم العالم هي المستحكمة بمفاصل الحكم هرباً من أي حلّ بديل يتطلب إصلاحاً أو تغييراً أو مسّاً بالقطاعات العامة التي تبيض بفسادها ذهباً للمسؤولين وتشكل لأزلامهم “بقرة حلوبا” يترعرع في مراعيها مئات آلاف المحاسيب على حساب خزينة الدولة. وبالأمس، استحقت حكومة حسان دياب بجدارة لقب حكومة الـ”Loan” الواحد، تحت وطأة مجاهرة وزير ماليتها بالاستمرار في سياسة الاقتراض بدل الانكباب على وضع الخطط الناجعة لتجفيف منابع الفساد وسد مزاريب الهدر في القطاعات والإدارات المتآكلة، والشروع فوراً في الإقلاع عن لعبة المكابرة ووضع الإصبع على الجرح لوقف النزيف الاقتصادي والمالي.
وبعد إعلان وزير المال غازي وزني السعي لتأمين قروض من المانحين الدوليين تتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار مخصصة لتمويل مشتريات القمح والوقود والأدوية لمدة عام واحد… يتجدد السؤال الذي لا مفرّ لوزني وحكومته من الإجابة عليه بكل جرأة ومن دون لفّ ودوران… هل ستحسم الحكومة أمرها وتذهب إلى صندوق النقد الدولي، نعم أم لا؟ وإذا كانت لا تنوي الذهاب فما هو خيارها؛ إن كان هناك من خيار بديل؟
فالخيارات البديلة التي كانت متوافرة تساقطت جميعها وانكشف المستور بعدما وقعت البلاد في هاوية الإنهيار وأثبت نظام المحاصصة عجزه عن المضي قدماً نحو تنفيذ الإصلاحات ليفوّت أركانه الفرصة تلو الفرصة، وآخرها “سيدر”، ويتحمّلون تالياً المسؤولية التاريخية عن وضع اللبنانيين أمام الخيار المر: صندوق النقد أو الانتحار.
لكن رغم كل المطالبات الداخلية والدولية بضرورة ترشيد الإنفاق وإصلاح القطاع العام وتعيين الهيئات الناظمة وإيجاد حل للكهرباء وإقرار الشراكة مع القطاع الخاص ووقف خط التهريب عبر المرافق الشرعية وغير الشرعية… لم تعر السلطة أي أهمية لتلك النداءات ولم تجنّب لبنان الخوض في معمودية النار. واليوم، لم يعد سراً أنّ الخروج من الأزمة بات يتطلب مقاربة متماسكة تستند إلى فريق عمل متخصص يوحي بالثقة ويبرهن فعلاً أنه يتمتع بالإستقلالية، وقبل ذلك ومعه وبعده، لا بد من وضع خطة جدية واضحة المعالم تلتزم بها الحكومة الجديدة وتشكل القاعدة الصلبة للانطلاق نحو إعادة إصلاح المالية العامة والقطاع المصرفي وإنعاش الاقتصاد الذي لا قيامة له بعد اليوم من دون ضخّ كمية من السيولة في خزينة الدولة لا تقل عن 15 مليار دولار، وهو مبلغ مصدره معروف وعنوانه معروف: صندوق النقد الذي يتهرب منه أهل الحكم ليس لشيء إنما لأنّ لديه شروطاً ولا يقدّم أمواله إلا بعد أن يتأكد من أنّ الجهة التي ستصب في حساباتها قد قامت فعلاً بالإصلاحات اللازمة لكي تستعيد عافيتها الإقتصادية وتصبح قادرة على الإيفاء بالتزاماتها.
أما عن فترة السماح التي تطالب بها الحكومة على لسان أحد وزرائها، فهل من حاجة إلى التذكير بأنّ ما تمر به البلاد من أزمات لم يعد يحتمل ترف “السماح” ليس لأشهر فقط إنما لأسابيع وأيام. وهل من عاقل ممكن أن يتصور أين ستكون البلاد وقطاعات الانتاج بعد ثلاثة أشهر، وهي الفترة المُطالب بها؛ وكم سيصبح عدد العاطلين عن العمل حينها؟ وإلى أي حد سوف تنحسر القدرة الشرائية للمواطنين وقتها؟ وإلى أي مستوى ممكن أن يصل إليه سعر صرف الدولار عندها؟ باختصار… لم يعد هناك من خشبة خلاص إلا بالإصلاح ولا شيء إلا الإصلاح من ضمن خطة إنقاذية متكاملة لا مناورة فيها ولا مكابرة، بينما تتعاظم الهواجس في ظل باكورة تعليقات الوزراء الجدد من أن تعمد حكومة دياب إلى حصر جهودها بطلب المساعدات الآنية، في إطار خطة “هروب إلى الأمام” نحو “الشحاذة والاقتراض” هرباً من صندوق النقد والإصلاحات التي تطالب بها الدول المانحة.
وفي المشهد السياسي، لا تزال الأسطوانة نفسها تستنسخ نغمة وجوب الاستماع إلى متطلبات الناس وحماية ثورة 17 تشرين من الدخلاء عليها والمخربين والمشاغبين من دون أي خطوة عملية حتى الساعة في هذا الاتجاه، وسط معطيات تتكشف يوماً بعد آخر عن تناغم مريب بين أهل السلطة والعاملين ميدانياً على قمع الانتفاضة الشعبية وتدمير خيمها، كما حصل سابقاً في أكثر من منطقة، وإحراق مجسّم قبضة الثورة كما حصل ليلاً في البقاع الغربي. في حين استرعى الانتباه مساءً ما كشفته وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن عبر شاشة “أم تي في” عن اتصالها ليلة “غزوة الحمرا” على مصرف لبنان المركزي بقائد الجيش طالبةً مؤازرة عسكرية لقوى الأمن الداخلي في سبيل وقف أعمال الشغب والحرق والتكسير غير أنّ العماد جوزيف عون أجابها: “مش قادر”. كما أعربت رداً على سؤال آخر عن عدم تحمّل وزارة الداخلية أي مسؤولية عن تبعات ارتكابات شرطة مجلس النواب باعتبارها لا تتبع للوزارة إنما لرئاسة المجلس النيابي، مؤكدةً في هذا السياق أنّ “العناصر التي رمت المتظاهرين بالحجارة في ساحة النجمة هي تابعة لشرطة المجلس”.
أما حكومياً، فكشفت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” أنّ البيان الوزاري “أصبح جاهزاً” وسيصار إلى توزيع مسودته على الوزراء للإطلاع عليها تمهيداً لمناقشتها وإقرارها على طاولة اللجنة الوزارية التي تشكلت لإعداد البيان، مشيرةً إلى أنّ “مجلس الوزراء فور نيله الثقة البرلمانية سوف يعقد جلستين أسبوعياً، جلسة مخصصة لدرس وإقرار جدول الأعمال وأخرى للبتّ بحاجات الناس الملحة”.
وفي الغضون، كشف مصدر مطلع على الاتصالات الجارية تحضيراً لجلستي إقرار مشروع الموازنة العامة أنه “تم توزيع نسخ من الموازنة إلى وزراء الحكومة الجديدة ليتمكنوا من الاطلاع عليها قبل انعقاد الهيئة العامة”، وأكد المصدر لـ”نداء الوطن” أنّ “وزير المال تبنى الموازنة التي أعدها سلفه الوزير علي حسن خليل والتي كانت الحكومة السابقة قد أحالتها إلى مجلس النواب”، لافتاً الانتباه إلى أنه “بمجرد أن يتبناها وزير المال الجديد فهذا بمثابة إقرار بتبنيها من قبل الحكومة الجديدة لكي تستطيع أن تمثل أمام المجلس النيابي خلال جلستي مناقشتها وإقرارها الاثنين والثلثاء المقبلين، خصوصاً وأنّ جميع الأطراف اتفقوا على عملية تسهيل إقرار الموازنة والحؤول دون أن يعمد رئيس الحكومة الجديدة إلى خطوة طلب سحب مشروع الموازنة من المجلس النيابي باعتباره كان مقدماً من الحكومة السابقة”.