كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: في ما يشبه “أمر عمليات” لم يُعرف مَن أصدره، شهدت جبهة الحراك الشعبي أمس هدوءاً ملحوظاً في بيروت ومختلف المناطق، ما أتاح للقوى العسكرية والامنية اتخاذ مزيد من الاجراءات لضبط الامن والحفاظ على سلمية اي تحركات احتجاجية جديدة ومنع إقفال أي طرق. وقد مَكّن هذا الهدوء رئيس الحكومة حسان دياب من البدء في ثبر أغوار المواقف الدولية من حكومته عشيّة البدء في صَوغ بيانها الوزاري اليوم، وأخذ هذه المواقف في الاعتبار سعياً لاستعادة الثقة الخارجية بلبنان بما يساعده على معالجة الازمة المالية الاقتصادية المستفحلة. وقد تلقى دياب الجواب على ما يبدو من “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان” التي حَضّت في بيان أصدرته مساء أمس الحكومة على “اعتماد بيان وزاري مع مجموعة التدابير والإصلاحات الجذرية وذات الصدقية والشاملة القادرة على تلبية طلبات الشعب اللبناني”.
يترأس رئيس الحكومة حسان دياب قبل ظهر اليوم الاجتماع الاول للجنة الوزارية المكلفة صوغ البيان الوزاري. وقال أحد اعضاء اللجنة لـ”الجمهورية” انّ دياب أعدّ مسودة بيان تسهّل البحث في العناوين الأساسية الإقتصادية والنقدية الى جانب العناوين الأخرى التقليدية، متوقعاً البَت بالبيان في وقت قياسي لتتفرّغ الحكومة للملفات الداخلية وملف ترميم العلاقات مع الدول العربية والغربية الصديقة.
وأكد الوزير نفسه انّ العناوين الاساسية للبيان الوزاري متفق عليها تقريباً، ولن يكون صعباً إعداد الصيغ الخاصة ببعض العناوين الخلافية، فما اعتمد سابقاً ما زال صالحاً، وخصوصاً ما يتصل بالمخرج المعتمد في شأن ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”.
مجموعة الدعم
وعشيّة البدء بإعداد البيان الوزاري للحكومة حَضّت “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان”، في بيان أصدرته مساء أمس، “الحكومة الجديدة على الإسراع في اعتماد بيان وزاري مع مجموعة التدابير والإصلاحات الجذرية وذات الصدقية والشاملة، القادرة على تلبية طلبات الشعب اللبناني. وسيكون التطبيق السريع والحاسم أمراً أساسياً لوقف عدد من الأزمات المتفاقمة التي يواجهها البلد وأبناؤه”. وشجعت الحكومة على “المضي قدماً في هذه الإصلاحات اللازمة لوقف تدهور الوضع الاقتصادي، واستعادة التوازن النقدي والاستقرار المالي، ومعالجة أوجه القصور الهيكلية الراسخة في الاقتصاد اللبناني”. وحذّرت من انه “في ظل غياب الاصلاح، سيظل اقتصاد لبنان وسكانه يعتمدون على التمويل الخارجي، ممّا يجعلهم عرضة لمصاعب متزايدة”. ودعت الى “التبنّي الفوري لموازنة فعالة لعام 2020، وتنفيذ خطة إصلاح الكهرباء، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، وإقرار وتطبيق قوانين فعّالة للمشتريات الحكومية”.
ودعت المجموعة “جميع الأطراف اللبنانية إلى تطبيق سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن النزاعات الخارجية، كأولوية مهمة”، مُذكّرة بـ”أنّ القوات المسلحة اللبنانية هي القوات المسلحة الشرعية الوحيدة للبنان، بناءً على ما تضمنه الدستور اللبناني واتفاق الطائف”. وكررت تأكيد “استعدادها لدعم لبنان الملتزم بالإصلاحات عبر تنفيذ مجموعة شاملة من الإجراءات. إذ بمجرد تطبيق الإجراءات المذكورة أعلاه ستبدأ عملية استعادة الثقة بالاقتصاد لدى اللبنانيين والمجتمع الدولي، ما سيسهّل استدامة الدعم الدولي”.
يوم دبلوماسي
الى ذلك قالت أوساط قريبة من دياب لـ”الجمهورية” انّ الاجتماعات التي عقدها أمس مع عدد من السفراء الاوروبيين تبعث على الارتياح من حيث المبدأ. وأوضحت “انّ السفراء هم الذين طلبوا الاجتماع مع رئيس الحكومة، وهذه اشارة ايجابية، أقلّه في الشكل”، لافتة الى “انّ الانطباع الاولي يفيد بوجود استعداد مبدئي لدى الاوروبيين للتعاون مع الحكومة ومساعدة لبنان إذا باشَرنا تطبيق الاصلاحات الضرورية وأظهرنا الجدية المطلوبة على هذا الصعيد، لنستعيد ثقة الخارج والداخل على حدّ سواء في الدولة اللبنانية”.
وأكدت الاوساط نفسها “انّ تصريحات السفراء تتطابَق مع ما أدلوا به خلال اللقاءات مع دياب”، مشددة على “انّ التحدي الأهم الذي يواجه الحكومة الجديدة هو إثبات صدقيتها في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة وتوجيه رسائل ايجابية في هذا الصدد الى الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، لأنّ هذا هو المدخل الاساسي الى تحقيق الانقاذ والحصول على الدعم الذي تحتاج إليه الدولة”. وختمت الاوساط: “الناس تريد منّا الانجازات امس قبل اليوم، ولذلك لا وقت نضيعه”.
مع السفراء
وكان دياب قد خصّص اليوم الاول له في السراي الحكومي للقاء مجموعة من السفراء الغربيين، فالتقى على التوالي كلّاً من سفراء فرنسا برونو فوشيه، وسويسرا مونيكا شموتز كيرغوز، وبريطانيا كريس رامبلينغ، ورئيس بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف.
وتقاطعت أوساط دبلوماسية وحكومية على التأكيد لـ”الجمهورية” انّ دياب قَصد من خلال هذه اللقاءات توجيه اهتمام الدبلوماسيين الأوروبيين الى أهمية ان يكونوا في الصورة الحقيقية لبرامج الحكومة ومواقفها من كل التطورات على الساحتين اللبنانية والاقليمية، مشدداً على انّ حكومته ستعزّز التوجّه الى “النأي بالنفس” فعلاً لا قولاً، وستترجمه في سياستها الخارجية بغية توفير الدعم الخارجي للبنان في مواجهة الأزمة النقدية والمالية التي انعكست على مختلف وجوه الحياة في لبنان، وأنه لن يتراجع عن هذا التوجّه قبل أن يتعافى لبنان من أزماته المتشابكة بين ما هو داخلي وخارجي.
الموقف الفرنسي
وفي الوقت الذي التزم السفير الفرنسي الصمت بعد اللقاء مع دياب، حَضّت فرنسا دياب على اتخاذ “إجراءات عاجلة لإعادة الثقة” بلبنان.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول، في بيان، إنّ “الوضع الصعب الذي يشهده لبنان يتطلّب أن تكون أولوية الحكومة الجديدة اتخاذ الاجراءات العاجلة لإعادة الثقة”. وأضافت: “لقد آن الأوان لكل المسؤولين اللبنانيين أن يتحركوا جماعياً لِما فيه المصلحة المشتركة لجميع اللبنانيين”. وذكرت بأنه “كما أكّد شركاء لبنان خلال مؤتمر مجموعة الدعم الدولية في باريس في 11 كانون الاول 2019، فإنّ إصلاحات عميقة وطموحة ستكون ضرورية، خصوصاً في مجال شفافية الاقتصاد والاستدامة الاقتصادية والمالية ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء”.
امّا سفيرة سويسرا مونيكا شموتز كيرغوز، فقد أكدت “انّ مطلبها كان تشكيل حكومة فعّالة وشفافة وسريعة، والتمنّي للبنان ولحكومته النجاح في تنفيذ الاصلاحات، حيث أنّ المواطنين اللبنانيين يتطلّعون إليها والبلد بأمسّ الحاجة لها”. وانه “لم يعد في الامكان تجاهل مطالب الاعداد الكبيرة من اللبنانيين، إذا كانوا من الذين يشاركون في الاحتجاجات أو كانوا يتمنّون تغييراً عميقاً وهادئاً”. وأكدت “استعداد سويسرا للتعاون بناء على طلب الحكومة اللبنانية الجديدة لإلقاء الضوء حول الاشاعات التي انتشرت عن هروب رؤوس أموال إليها”.
وبدوره، قال سفير الإتحاد الأوروبي رالف طراف، بعد لقائه دياب: “مستعدّون للإلتزام إيجاباً بمساعدة الحكومة إذا نفّذت الإصلاحات البنّاءة، والتي يمكن أن تحسّن من أداء الحكومة”. وشدّد على “مبدأ النأي بالنفس والابتعاد عن مشكلات المنطقة، وسنراقب تموضع الحكومة السياسي”.
وتزامناً مع تأكيد وزير الخارجية البريطانية “انّ دعم الحكومة اللبنانية رهن التزامها بالإصلاح”، قال السفير البريطاني رامبلينغ بعد لقائه دياب: “إنّ تأليف حكومة جديدة هو خطوة مهمة بالنسبة إلى لبنان، وبريطانيا كانت ثابتة في دعوتها إلى تأليف سريع لحكومة فعّالة وشفافة تعكس تطلعات الشعب اللبناني”. وتظهر “التزامها بالاصلاحات التي يحتاجها لبنان بشدة”.
الحريري
وفي المواقف أمس، قال الرئيس سعد الحريري في تغريدات عبر “تويتر”، وحول الحكومة إنه “من السابق لأوانه إطلاق الأحكام بشأنها، مع ملاحظة أنّ تشكيلها كان خطوة مطلوبة لضرورات دستورية وعملية”. وأضاف: “سنراقب عمل الحكومة ونتابع توجهاتها آخذين في الاعتبار حاجة البلاد إلى فرصة لالتقاط الأنفاس”، لكنه شدّد في المقابل على أنّ “مقاربة الوضع الحكومي لن تصحّ بمعزل عن الشعور السائد بأنّ الحكومة لا تشبه مطالب الناس”. وأكد أنّ “استباحة بيروت عمل مُدان ومشبوه، كائناً من كان يقوم به أو يغطّيه ويحرّض عليه”. وقال: “إنّ أعظم ما أنتجته الساحات الشعبية في المناطق كان خروج شبّان لبنان وشابّاته من عباءة الولاء للطوائف وتكريس معادلة الولاء للبنان”.
الحراك
على صعيد الحراك الشعبي، وبعد نهار تميّز بالهدوء عَكّره إقفال بعض الطرق صباحاً في بيروت والمناطق، تجمّع ليلاً عدد من المحتجين أمام مدخل مجلس النواب لجهة بلدية بيروت، بعدما رفعت القوى الأمنية جدراناً إسمنتية عالية لحماية المداخل المؤدية الى ساحة النجمة.
وقد جلس بعض المتظاهرين على الارض لمنع عمليات بناء الجدار، معتبرين انه “جدار فصل يحوّل العاصمة سجناً”. وأغلقت القوى الامنية المدخل الرئيسي المؤدي الى ساحة النجمة كلياً بجدار إسمنتي ضخم، كذلك أقفلت كل المداخل المؤدية الى المجلس النيابي بالألواح الحديدية المصفّحة والعوائق الاسمنتية.
كوبيش
وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، تعليقاً على الشغب الذي حصل ليل الاربعاء ـ الخميس في وسط بيروت: “انّ العنف الذي أبداه بعض المحتجّين في بيروت كانت وراءه أغراض سياسية فيما يبدو لتقويض الأمن والاستقرار”، وأضاف: “يبدو هذا أشبه بمناورة سياسية لاستفزاز قوات الأمن وتقويض السلم الأهلي وإذكاء الفتنة الطائفية”.
ونشرت قوى الأمن الداخلي أمس، عبر صفحتها على “تويتر”، صوراً لبعض العبوات المصنّعة يدويّاً التي استخدمها مثيرو الشغب في بيروت ضد عناصر قوى الأمن. وقالت انّ “مثيري الشغب استخدموا هذه العبوات، التي ضَمّت طلقات نارية، وقنابل مولوتوف، ومفرقعات شديدة القوة، من أجل إحداث أكبر ضرر لعناصر قوى الأمن، ولاسيما في الفترة الأخيرة”. وأضافت أنه “تمّ استخدام طلقات بندقية عيار 12 ملم محشوّة بمادة البارود، وبقايا حشوات قنابل مسيلة للدموع عَملَ مثيرو الشغب على جمعها وحَشوها بمادة البارود، وقنابل مولوتوف، ومفرقعات نارية قوية ملصقة بعبوات قابلة للإشتعال”.
خطة للانقاذ الاقتصادي
على الصعيد الاقتصادي، وفيما يركّز الوزراء الجدد في خلال تسلّم وزاراتهم، على أولوية وضع خطة لإنقاذ لبنان من الأزمة المالية والاقتصادية القائمة، كشفَ كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس إيراديان لـ”الجمهورية” عن تقرير أعدّه بعنوان “أمام لبنان فرصة لاستعادة الاستقرار”، ضَمّنه الخطوات التي ينبغي اتّباعها لمعالجة المشكلة.
وأورد في تقريره 10 مقترحات جاءت عناوينها على الشكل التالي:
1- خفض أسعار الفوائد.
2- استعادة عافية النظام المصرفي.
3- الاستمرار في التعديل المالي لمعالجة العجز.
4- إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان.
5- السعي للحصول على برنامج من صندوق النقد الدولي.
6- إعادة جدولة الديون.
7- توحيد أسعار الصرف في ظل ظروف مستقرة.
8- خصخصة شركتي الخلوي ومؤسسات عامة أخرى.
9- الحدّ من الفساد.
10- إنشاء صندوق الحماية الاجتماعية.
وفي ختام التقرير، رأى ايراديان انّ المخاطر تبقى قائمة، حيث قد يستقيل مجلس الوزراء أو يتعرّض لضغط شديد من قِبل مجموعات المصالح الخاصة، والتي قد تعيق حدوث الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة. كما يمكن أن يكون حجم تأثير الأزمة المالية على العائلات والشركات وقطاعات الخدمات الرئيسية في الاقتصاد أكبر ممّا كان متوقعا.
في السياق، أعلنت شركة “نوفاتك” الروسية للغاز أمس أنها ستشارك في إطار تحالف في مناقصة خلال شهر نيسان المقبل لتطوير حقول بحرية للنفط والغاز في لبنان.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة الروسية، ليونيد ميكلسون، على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إنّ “نوفاتك” مهتمة بالمشاركة في مشاريع في بلدان أخرى، من دون أن يقدّم مزيداً من التفاصيل عن مشاركة شركته في مناقصة لبنان.
وكان لبنان قد مدّد في وقت سابق، مدة المرحلة الثانية لتقديم عروض للمشاركة في تطوير حقول بحرية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان في البحر الأبيض المتوسط حتى نهاية نيسان المقبل. وفازت “نوفاتك”، في إطار تحالف يضمّ الشركتين الفرنسية “توتال” والإيطالية “إيني”، في المرحلة الأولى من المناقصة لتطوير حقول بحرية في لبنان. وتقدّر احتياطيات النفط والغاز في الحوض اللبناني (شرق المتوسط) بنحو 3 تريليونات متر مكعب من الغاز و850 مليون برميل من النفط الخام. وإذا فاز هذا التحالف بالمناقصة نهائياً، سيكون لـ”نوفاتك” وشركائها الحق في الاستكشاف الجيولوجي عن موارد الطاقة في المياه اللبنانية لمدة تمتد بين 5 و10 سنوات، وعند التأكد من وجود احتياطيات تجارية، سَيتعيّن على أعضاء الكونسورتيوم تقديم خطة لتطويرها للحكومة اللبنانية، وبعد الحصول على موافقتها سيحقّ للتحالف استخراج النفط والغاز لمدة 25 عاماً.