كتبت صحيفة “الشرق ” تقول : قررت السلطة السياسية تحدّي الشارع. أدركت انه يرفض اقرار موازنة وضعتها حكومة أسقطها في 17 تشرين، وانه سيتحرك على الارض لمنع النواب من الوصول الى البرلمان لمناقشة مشروعها، فاستعدّت للمواجهة جيدا، ليس فقط بالتحصّن خلف أسوار عالية رفعتها حول نفسها، بل باستخدام الآلة العسكرية الامنية لصدّ المنتفضين وقمعهم، فكانت الاخيرة امس في المرصاد للثوار الذين توافدوا الى مداخل العاصمة وقد استفزّتهم مكابرة التحالف الحاكم وصمّ آذانه عن مطالبهم.
المواجهات بينهم وبين القوى الامنية تكررت في “نموذج” عمّا سيرافق على الارجح، جلسة منح الثقة لحكومة حسان دياب. لكن الفوضى التي شهدتها شوارع العاصمة قبل الظهر، أين منها الفوضى “الدستورية” التي عرفتها القاعة العامة لمجلس النواب! ففي البرلمان، دارت مسرحية هزلية ذات إخراج هابط، تمثّلت في مناقشة “نظرية” ”شكليّة” لموازنة 2020، اذ لا وزراء لمناقشتهم او مساءلتهم في شأن بنودها ومضمونها.
وفي حين حضر دياب وحيدا وغاب وزراؤه جميعهم، أعلن الاخير انه لا يمكن للحكومة استرداد الموازنة أو ان تعرقل موازنة أعدتها الحكومة السابقة، لافتا الى أنها تترك الامر للمجلس النيابي. وبعدما اصر عدد من نواب تيار المستقبل على معرفة موقف دياب الصريح من الموازنة، قال “لو كنت لا اتبنى الموازنة لما كنت هنا اليوم”.
وللمفارقة، فإن وزير المال غازي وزني اكد منذ ساعات قليلة ان هذه الموازنة هي موازنة الامر الواقع وان الحكومة الجديدة لا تتبناها. فهل أُحرج دياب ليقدّم هذا الجواب؟ أم أنه فعلا يتبناها؟ “أوّل دخولها” ازدواجية وضياع وتخبّط “طولها”، على ما يبدو.. لكن ازالة هذا الالتباس، ضرورية. فالمجتمع الدولي الذي تعوّل الحكومة على دعمه، للخروج من المأزق المالي – الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، يتطلع بطبيعة الحال، الى التعاطي مع حكومة منسجمة، هذا أوّلا. وثانيا، من البديهي ان يبني موقفه من الحكومة والمساعدات التي سيمدّها – أو لا – بها، على أساس الموازنة وأرقامها. فهل تتنصّل منها الوزارةُ الوليدة وتحيل الداعمين المفترضين، الى بيانها الوزاري؟ أم تحتضنها وفق ما اعلن دياب اليوم من المجلس، علما انها تفتقد الى اي رؤية اوخطة اقتصادية؟
على وقع حركة احتجاجية واشتباكات في محيط ساحة النجمة، أوقعت نحو 30 اصابة، التأم مجلس النواب لدرس الموازنة في جلسة غاب عنها نواب وكتل ابرزها القوات والكتائب، لفقدانها الشرعية الدستورية في ظل حكومة لم تنل الثقة بعد. غير ان ضغط الشارع فعل فعله، فضغط رئيس مجلس النواب نبيه بري على النواب لخفض عدد طالبي الكلام، الذي تراجع فعلا من23 الى 6 نواب، وقد توجّه اليهم قائلا “سيصعب على نائب إن خرج أن يعود”، مضيفا “عملنا السبعة وذمّتها اليوم، ودخّلنا الجيش لقدرنا نعمل الجلسة”.
وأصر بري على انهاء عملية التصويت على البنود امس، بعدما كانت الجلسة مقررة على يومين . فهكذا كان، وتحولت موازنة 2020 أمرا واقعا، أو “هُرّبت” في سرعة “قياسية” في مجلس النواب، بغالبية 49 نائبا ومعارضة 13 وامتناع 8 نواب. والنواب المؤيدون هم من “لبنان القوي”، “الوفاء للمقاومة”، “التنمية والتحرير”، الحزب “السوري القومي الاجتماعي”، اضافة الى النائبين نقولا نحاس وعدنان طرابلسي. وامتنع نواب “اللقاء الديموقراطي”. اما نواب “المستقبل” فانقسموا بين الامتناع والمعارضة. كما عارض النائب فريد الخازن.
وكان عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر اعتبر في مستهل الجلسة ان مناقشة الموازنة في المجلس النيابي غير دستورية، طالبا من دياب تحديد موقفه من الموازنة، قائلا: نريد أن نعرف ما إذا كان يتبنى الموازنة أم لا. ورد بري على الجسر مؤكدا على حق التشريع المطلق لمجلس النواب مشيرا الى أن الظرف استثنائي والحكومة أمامها 3 أو 4 أشهر لتثبت أنها ستقدم جديدا وتكتسب ثقة الناس. وبعدما كررت النائبة بهية الحريري السؤال لدياب بشأن الموازنة، قال الاخير: لو كنت لا اتبنى الموازنة لما كنت هنا اليوم.
وبعد اقرار الموازنة، أوضح مصدر قيادي في “تيار المستقبل” ان الكتلة تصرفت على جري عادتها في مقاربة الاستحقاقات الوطنية، وقررت المشاركة في الجلسة لعرض موقفها كما عبّر عنه النائب سمير الجسر اثناء السجال الدستوري مع الرئيس نبيه بري، وهي تلتزم في هذا الشأن المسار الذي اعتمدته على الدوام بتجنب سياسة المقاطعة وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية.” تابع “سجلت الكتلة موقفاً مبدئياً من مشروع الموازنة، ودفعت رئيس الحكومة إلى تبنيه بعد جدل طويل بين الكتلة ورئاسة المجلس وفي ظل غياب كامل لمجلس الوزراء”. ورداً على سؤال عن مبرر تصويت الكتلة ضد مشروع الموازنة وهو مشروع حولته إلى المجلس حكومة الرئيس سعد الحريري، قال “لو ان حكومة تصريف الأعمال السابقة هي التي مثلت أمام المجلس لمناقشة الموازنة لكان اول موقف يعلنه الرئيس الحريري خلال الجلسة هو استرداد مشروع الموازنة، لأن ما صح في المشروع قبل 17 تشرين لم يعد كافياً لمقاربة المتغيرات التي استجدت بعد 17 تشرين”.