كتبت صحيفة “اللواء ” تقول : أبعد من التباين الحاصل على جبهة اعداد البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب، أو حتى الورشة الاقتصادية الحكومية، لتلمس طريق معالجة الأوضاع الاقتصادية، والمالية الخطيرة، فرضت “حقيقة القرن” التي كشف عنها الرئيس دونالد ترامب نفسها “ضيفاً ثقيلاً” على الأوساط اللبنانية على اختلاف مواقعها، من زاوية النتائج التي يُمكن ان تنعكس سلباً على لبنان سواء المتعلقة بإسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو المتعلق بالانتشار الإسرائيلي على مختلف المنافذ المحيطة بفلسطين، فضلا عن السيادة على الجولان وغور الأردن وسائر المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
اللجنة
وفي السياق، كشفت مصادر وزارية ان النقاش داخل اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان الوزاري للحكومة الجديدة، مايزال يتمحور حول العناوين الرئيسية للسياسة الاقتصادية ورؤيتها لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان في ظل تباين واضح بين اعضاءاللجنةحول هذه المشكلة وكيفية معالجتها.
وقالت المصادر أن من بين أسباب هذا التباين موضوع الموازنة العامة للدولة التي تبناها رئيس الحكومة الاثنين الماضي واقرها المجلس النيابي باعتبارها تلزم الحكومة بالتصرف على اساسها في ممارسة السلطة والصرف في حدودها، في حين أن هناك فارقا ملحوظا بين تاريخ وضعها من قبل الحكومة السابقة والمستجدات والأوضاع الاقتصادية والمالية التي اصبحت عليه بتاريخ اقرارها،وهذا واقع كان يجب اخذه بعين الاعتبار لتفادي الالتزام بوعود لايمكن تحقيقها في ظل التراجع الكبير للواردات المقدرة بعد توقف الاستيراد اوانحساره الى الحدود الدنيا وانخفاض نسبة تسديد الضرائب والرسوم ،ما يؤدي تلقائيا الى زيادة نسبة العجز بشكل كبير خلافا لما هو وارد في الموازنة. واشارت المصادر الى انه كان من ضمن بعض آراء أعضاء اللجنة عدم التزام الحكومة الحالية بتبني الموازنة وضرورة اعادة النظر فيها قياسا على الاوضاع السائدة حاليا، ولكن ما حصل قد اوجب تضمين البيان الوزاري صيغة ضمن حدود الموازنة بالرغم من صعوبة تحقيقها.
خلية طوارئ اقتصادية
وفي أجندة السراي الحكومي اليوم، ورشة عمل اقتصادية مالية واسعة طيلة النهار يُشارك فيها الوزراء المعنيون بالاقتصاد والمال والانتاج، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية ومنظمات دولية منها البنك الدولي، لوضع دراسات ومقترحات عن كيفية معالجة الازمة الاقتصادية-النقدية والاجراءات المطلوبة من كل القطاعات. وقد تم تشكيل لجنة طوارئ اقتصادية في نهاية هذه الورشة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
وبحسب المعلومات، إن هذه الورشة يفترض ان تتمخض عن ورقة مالية- اقتصادية، ستكون بمثابة خارطة طريق للحكومة الجديدة، وفي الوقت عينه ارضية أساسية للشق المالي والاقتصادي للبيان الوزاري التي تعكف لجنة الصياغة الوزارية على اعداده.
وأفادت المعلومات “ان الاجتماعات ستُكثف طيلة باقي ايام الاسبوع حتى يوم السبت، الذي قد يشهد جلسة مطوّلة، وفي حال عدم انجاز البيان قد تعقد اللجنة اجتماعاً يوم الاحد وربما يكون الأخير. ورجحت المعلومات ان تنتهي اللجنة من صياغة البيان نهار الثلاثاء او الاربعاء على ابعد تقدير في صياغته النهائية لعرضة فورا على رئيس الجمهورية في جلسة لمجلس الوزراء لإقراره قبل احالته الى المجلس النيابي.
وكان الرئيس حسان دياب قد استبق الاجتماع الخامس للجنة، والذي استمر قرابة العاشرة ليلا، أي زهاء خمس ساعات، بلقاءات مع أكثرية الوزراء الأعضاء وغير الأعضاء في اللجنة، كل على حدة، بهدف مناقشة تقارير وزاراتهم وخطط عملهم لا سيما الاقتصادية والمالية والانتاجية، لتضمين هذه الخطط في البيان الوزاري، من ضمن برنامج اصلاحي ستقدمه الحكومة في بيانها الوزاري او ربما بشكل مستقل وبما يراعي مطالب الحراك الشعبي ايضاً.
وقالت مصادر وزارية في اللجنة، ان البيان سوف لن يعتمد على أي مسودة سابقة، والاولوية فيه للشق المالي والاقتصادي، على ان يترك الشق السياسي فيه الي نهاية النقاشات، الا انه لن يتبنّى أي صيغة سابقة، سواء في ما يتعلق بالعلاقة مع المقاومة، أو بالنسبة إلى مسألة النأي بالنفس، لكنه سيتضمن حكماً الالتزام بميثاق الجامعة العربية ولا سيما المادة الثامنة منه، والقرارات الدولية، وخصوصا القرار 1701. ورفض التوطين وحق الشعب الفلسطيني العودة وكذلك العودة الكريمة والآمنة للنازحين السوريين.
بيان جديد
وأوضحت المصادر ان البيان سيكون جديدا بالكامل من اوله إلى آخره، ولهذا فإن اللجنة ما زالت بحاجة إلى عقد سلسلة اجتماعات مكثفة هذا الأسبوع، لإنجاز البيان والذي لن يتم الانتهاء منه قبل نهاية هذا الأسبوع.
ومن جهتها، اشارت مصادر سياسية مطلعة لـ “اللواء” الى انه اذا تم التوصل الى صيغة نهائية للبيان الوزاري هذا الأسبوع فإن جلسة متوقعة لمجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل من اجل اقرار هذا البيان واحالته الى مجلس النواب لنيل الثقة على اساسه. ولفتت المصادر الى انه حتى الساعة الصيغ غير نهائية وان ثمة رغبة بأن يكون الشق السياسي فيه مستوحى من روحية البيان الوزاري للحكومة السابقة، مع امكانية اضافة افكار جديدة او عبارات، في حين ان الرئيس دياب يرغب ببيان لا يشبه البيان السابق، لا سيما ان الحكومة ستفرد حيزا للملف الاقتصادي، على ان اعتماد بعض ما جاء في الورقة الاقتصادية الاصلاحية للحكومة السابقة امر يعود الى الحكومة لجهة العودة اليها او حتى اضافة تعديل عليها ومعرفة ما هو ممكن منها وما هو غير ممكن، مع العلم ان هذه الحكومة ستركز على الشق الاقتصادي، وتستعد لاتخاذ اجراءات حكومية سريعة لمعالجة الوضع وقد طلب من الوزراء تحضير مقاربتهم في هذا المجال في ورقة من 12 سطرا.
وقالت المصادر انه حتى الآن لم يصل لبنان الى مرحلة طلب تدخل صندوق النقد الدولي للمساعدة باعتبار ان ذلك قد يؤدي الى خيارات تتصل بفرض الصندوق شروط قاسية.
وعُلم ان وزير المال غازي وزني وضع الرئيس ميشال عون في اجواء مناقشة البيان الوزاري وزيارة وفد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي ابدى استعداداً لمساعدة الحكومة في برنامج الأسر الأكثر فقراً باعتباره مشروعاً انسانياً.
وعلمت “اللواء” ان جميع الوزراء ابدوا رغبة في التعاون والعمل، على ان اختبار هذا الامر يتم عند انطلاقة الحكومة بعد نيلها الثقة في مجلس النواب.
خرق عربي للصمت
ودعت المصادر إلى رصد ردود الفعل الدولية المتفاوتة من الحكومة، حيث ان بعضها جيد والبعض الاخر مشروط والاخر رسم خارطة طريق، فيما ردود الفعل العربية لا تزال غائبة، باستثناء الخرق الذي سجلته برقية التهنئة من امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الذي تمنى فيها للرئيس دياب التوفيق والسداد لتحقيق تطلعات وآمال الشعب اللبناني، فيما اقتصرت زيارة السفير المصري ياسر علوي للسراي على عرض الاوضاع في لبنان والعلاقات الثنائية، في حين اعتبر السفير الروسي الكسندر زاسبيكين ان تشكيل الحكومة خطوة ايجابية في سبيل اتخاذ الاجراءات العاجلة لتحسين الاوضاع المعيشية ووقف الانهيار واجراء الاصلاحات لمصلحة الشعب اللبناني.
أما في قصر بسترس، فقد شهد بعد 24 ساعة على عملية التسليم والتسلم زحمة دبلوماسية لسفراء أجانب من دون عرب، كان ابرزهم منسق الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي اعاد إلى الأذهان تصريح الامين العام للامم المتحدة بعد تشكيل الحكومة والذي شدد فيه على اهمية الاستماع إلى مطالب الشعب، وان تعمل الحكومة الجديدة على تجسيد هذه المطالب، وان تلتزم بتنفيذ القرارات الدولية والاستمرار في سياسة النأي بالنفس.
وتبلغ الوزير ناصيف حتي استعداد بريطانيا لمساعدة لبنان للخروج من ازمته الاقتصادية، خلال اتصال تلقاه من الوزير البريطاني للشرق الاوسط اندرو موريسون الذي هنأه على توليه منصبه الجديد.
أسباب تبني الموازنة
من ناحية ثانية، أكدت مصادر اقتصادية رفيعة المستوى لـ”اللواء” انه لا يُمكن لأي حكومة جديدة مباشرة عملها في ظل عدم وجود موازنة، وذكّرت المصادر بما عانته الحكومة السابقة من خلال سعيها لوضع موازنة وإقرارها رغم الخلافات التي كانت تتخبط بها الاطراف السياسية آنذاك، فتم انجاز الموازنة بصعوبة كبيرة وتم اقرارها بشكل سريع جداً بهدف انجاز هذا الاستحقاق.
من هنا لاحظت المصادر أن “الرئيس دياب كان على يقين عندما حضر جلسة الموازنة أمس الاول انه لن يستطيع العمل دون موازنة، لهذا استجاب لطلب كتلة “المستقبل النيابية” ووافق على تبني الموازنة، خصوصا ان هناك خوفا حقيقيا بانه في حال لم يتم اقرارها في الوقت المحدد، فإن المجلس النيابي قد لا يتمكن من اقرارها لاحقا، وقد يشكل هذا الامر فشلا للحكومة بالقيام بعملها، وعندها قد تكون هي من تتحمل مسؤولية عدم وجود موازنة”.
ومن جهتها، أوضحت مصادر مقربة من تيّار “المستقبل” ردا على التساؤلات حول الجدوى السياسية من تأمين النصاب لجلسة الموازنة، بأن “الكتلة” شاركت في جلسة مجلس النواب للحصول على موقف من الرئيس دياب بشأن الموازنة.
قد ألحت رئيسة “الكتلة” النائب بهية الحريري على جواب واضح من دياب، فتبنى مشروع الموازنة، لكنه لم يطلب استردادها باسم الحكومة، الأمر الذي راهنت عليه كتلة “المستقبل”، وتصرفت على أساس فرضية ان تبني المشروع سيقود تلقائياً إلى استرداده وبالتالي إلى تعليق جلسة المناقشة. لكن الفرضية لم تكتمل، وسار رئيس الحكومة بالتبني الىالنهاية وانتهت المناقشة بتصويت كتلة “المستقبل” على رفض الموازنة، نتيجة قناعتها بأنها لم تعد كافية، وتحتاج إلى تعديل.
فتح ساحة الشهداء
ميدانياً، وفي تطور بارز منذ انطلاقة انتفاضة 17 تشرين، عمدت القوى الامنية إلى فتح الطريق من مبنى جريدة ”النهار” في اتجاه مسجد محمد الأمين في ساحة الشهداء، بعد إزالة العوائق الحديدية من وسط الطريق، مما خلق انطباعاً بأن هناك قراراً سياسياً بإعادة فتح الساحة مع اتجاه لإزالة الخيم المنصوبة، وكأن الانتفاضة لم تكن.
ونتيجة لذلك، توافد عدد من المحتجين إلى ساحة الشهداء لمساندة رفاقهم الذين كانوا يحاولون منع القوى الأمنية من فتح الطريق، وعمد المحتجون إلى وضع العوائق الحديدية وركنوا سيارة في منتصف الطريق، قرب مدخل فندق ”لوغراي” وافترش بعضهم الارض رافضين فتح الطريق المؤدي باتجاه مسجد محمد الأمين، ورفعوا الأعلام اللبنانية وشعارات الثورة، ثم عمدوا إلى ازالة بلوكات الباطون في محيط “النهار”، بعدما استعانوا بالحبال لسحبها واغلاق مدخل الساحة، كما اعادوا قطع الطريق إلى مبنى البلدية، في ظل غياب تام للقوى الأمنية، تنفيذاً لتعليمات وزير الداخلية العميد محمد فهمي الذي نفى وجود اتجاه للتعرض للانتفاضة او للمتظاهرين، لافتاً الى ان رفع الحواجز الحديد كان من اجل تسهيل مرور المواطنين، وليس التعرض للمتظاهرين.
وأفادت معلومات ان المشهد نفسه كاد يتكرر في ساحة النور في طرابلس، حيث وردت معلومات بأن الجيش يعمل على فتح الساحة، وسارع المحتجون إلى التجمع ونصبوا خيماً فيها للتأكيد على ان التحركات مستمرة.