كتبت صحيفة “النهار” تقول: شكلت الردود اللبنانية الرسمية والسياسية والدينية الواسعة الرافضة لـ”صفقة القرن” غداة اعلانها على لسان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ظاهرة لافتة وسط الظروف المعقدة والصعبة التي يجتازها لبنان. فمع ان رفض الصفقة لا يعتبر تطوراً مفاجئاً بل هو أمر طبيعي نظراً الى التداعيات السلبية للصفقة في حال تمريرها على المنطقة وكذلك على لبنان لجهة فرض توطين الفلسطينيين المقيمين على أرضه، فان العنصر اللافت في موجة الرفض الواسعة تمثل في ان لبنان كاد يكون بين الدول العربية القليلة التي برز فيها رفض واسع بهذا الحجم للصفقة. وتعتقد أوساط ديبلوماسية وسياسية معنية أن لبنان يظهر تناقضات لافتة في واقعه السياسي والرسمي على الاقل حين تبرز فيه ملامح بلورة موقف شبه جماعي من قضية عربية أو اقليمية أو دولية مثل “صفقة القرن” ولو كان معنيا بها فيما تعجز قياداته وزعاماته ومؤسساته عن اجتراح موقف مماثل من كارثة تضربه وتهدده بالانهيار على غرار ما يجري منذ أشهر. وتشير هذه الاوساط الى ان الموقف الرسمي والسياسي الرافض للصفقة يمكن ان يشكل تطوراً ايجابياً من حيث تحصين لبنان عن التداعيات السلبية التي ستنشأ عن المناخات التي اثارها اعلان “الصفقة”، خصوصاً ان لبنان في غنى عن أي مسبب اضافي لتوترات داخلية فيه وسط الازمات الكبيرة التي تحاصره، ولكن ثمة ما يرتبه هذا الامر على المسؤولين والقيادات السياسية خارجياً من حيث التساؤلات التي يثيرها حول عجز هؤلاء عن تحمل مسؤوليتهم حيال الازمة المصيرية التي يواجهها لبنان ومتى يمكن ان تتبلور ارادة داخلية لايجاد الحلول الجذرية التي يطالب بها اللبنانيون من خلال انتفاضتهم المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
ويشار في هذا السياق الى ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصل أمس بنظيره الفلسطيني محمود عباس، معربا عن “تضامن لبنان رئيساً وشعباً مع الفلسطينيين في مواجهة التطورات التي نشأت عما بات يعرف “بصفقة القرن”، وأكد له أن “لبنان متمسك بالمبادرة العربية للسلام التي أقرت في قمة بيروت عام 2002، خصوصا لجهة حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس”.
واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري “أن “صفقة القرن تجهض آخر ما تبقى من الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي رشوة لبيع الحقوق والسيادة والكرامة والأرض العربية الفلسطينية بمال عربي”. أما رئيس الوزراء حسان دياب، فقال: “ستبقى القدس هي البوصلة وستبقى فلسطين هي القضية”.
أما على الصعيد الداخلي، فيبدو واضحاً ان الحكومة الجديدة تتبع خطوات بالغة الحذر في وضع البيان الوزاري تحسباً لاشتداد الحملات عليها بدليل ان اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان وانجازه قد استهلكت حتى الان وقتاً أطول مما كان متوقعاً ولو ان مهلة الشهر المحددة للحكومة لانجاز البيان لا تزال تتيح التريث في مهمتها. لكن الواقع المالي والاقتصادي الآخذ في الضغط بقوة على مجمل الوضع الداخلي يملي الاستعجال في انجاز البيان تمهيداً لمثول الحكومة أمام مجلس النواب في جلسات مناقشة البيان الوزاري وطرح الثقة بها. واذا كانت المعلومات المتوافرة تشير الى ان اواخر الاسبوع الجاري قد تكون موعداً لانهاء وضع نص البيان الوزاري، فان الرئيس دياب بدأ التمهيد لذلك بدعوته الوزراء المعنيين والمراجع المالية المسؤولة الى وضع خطة للانقاذ الاقتصادي والمالي يرجح انه سيضمنها البيان الوزاري.
خطة “استعادة الثقة”
وفي هذا السياق، رأس دياب اجتماعاً مالياً – اقتصادياً في السرايا حضره وزراء المال غازي وزني، التنمية الإدارية والبيئة دميانوس قطار، الاقتصاد والتجارة راوول نعمة والصناعة عماد حب الله، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير، رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر والأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكيّة. وأكد دياب خلاله “ان الوضع لا يحتمل نظريات وتجارب، لذلك يجب ان تكون لدينا رؤية علمية وواقعية”، داعياً الى “إعداد خطة، بالتعاون بين الحكومة والبنك المركزي وجمعية المصارف، بهدف استعادة الحد الأدنى من الثقة التي هي حجر الزاوية في معالجة الأزمة، خصوصاً أن الأرقام التي اطلعت عليها هي أرقام أستطيع القول إنها تسمح بهامش واسع من المعالجات الجدية التي تساعد على تبريد حرارة الأزمة، تمهيداً لإطفائها”، معتبراً أن “الصورة السوداوية التي نسمعها غير صحيحة أو غير دقيقة”. وقال: “إن الانطباعات الأولى التي سمعتها من مختلف الأطراف، من حاكم البنك المركزي ومن رئيس جمعية المصارف وغيرهما، توحي بأن الأفق غير مقفل على المخارج. فالصورة السوداوية التي نسمعها، وطبعاً التي يسمعها الناس، غير صحيحة، أو غير دقيقة. هذا لا يعني ان الحلول سهلة، لكن الانطباعات الموجودة في البلد أدّت إلى فقدان الثقة بالدولة ومصرف لبنان وكل القطاع المصرفي”.
وقدّم حاكم مصرف لبنان عرضاً للواقع المالي في البلاد، مشيراً إلى أن “الوضع ليس سوداوياً بل هناك بعض الإيجابيات”. في حين تحدث رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، عن “اتفاق المجتمعين على وضع تسهيلات مصرفية كبيرة للحصول على الدولار الأميركي كما على الليرة اللبنانية”. وقال: “توافقنا على تسهيل التحويلات إلى الخارج، لا نقول بطريقة مفتوحة إنما بارتياح. فهدفنا الذهاب أبعد في اتجاه تخفيف حدّة الخوف والأزمة لدى الناس”. وأعلن حصول اللجنة على كامل المعلومات عن الأموال المُحوَّلة من لبنان إلى الخارج.
وتوقف المراقبون عند التناقض الذي برز بين موقف دياب الذي حاول تخفيف وطأة القلق من الازمة وموقف الرئيس عون لدى استقباله وفد الرابطة المارونية اذ عبر عن انطباعات متشائمة وقال “ان الازمة الاقتصادية المالية تبقى الاخطر حيث لا الانتاج ولا المال متوافران بعد اعتماد لبنان لسنوات خلت على الاقتصاد الريعي. لذلك، نحن اليوم في صدد معالجة هذين الوضعين الصعبين، والاجراءات التي ستتخذ ستكون قاسية وربما موجعة ما يتطلب تفهم المواطنين لهذا الامر، وكذلك لواقع ان الحكومة الجديدة والوزراء الجدد ليسوا بمسؤولين عن الخراب الذي حل بنا”.
فضيحة سد المسيلحة
وسط هذه الاجواء، برزت ملامح فضيحة جديدة تتصل بواقع سد المسيلحة، اذ اثارت “حملة الحفاظ على مرج بسري والحركة البيئية اللبنانية” فشل السد في تجميع المياه بعدما ادعت وزارة الطاقة ان اعمال التجارب في السد والبحيرة مستمرة. ولفتت الى ان “وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني زارت في السادس من كانون الثاني الحالي موقع السد واحتفلت بامتلاء ثلث الخزان في استعراض اعلامي وقد فاتها ان معيار نجاح السد لا يقاس بامتلائه في كانون الثاني… وان تمديد فترة الاعمال جاء نتيجة ظهور عيوب كبيرة في الخزان جعلته لا يمتلئ باكثر من الثلث”. وطالبت الحملة القضاء بوضع يده على ملف سد المسيلحة.