كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: “الآتي أعظم”… خلاصة مؤلمة تختزن حقيقة جارحة، كل المسؤولين يتجنّبون الاعتراف بها ويعملون على طمسها والتمويه عنها بمفردات من العيار “الخلّبي” كالتي حرصت السلطة برئاساتها الثلاث أمس على ضخّها في العروق المعنوية للمواطنين على شاكلة “إبرة بنج” يراد منها التخفيف من أعراض أزمتهم الموجعة بانتظار الفرج المأمول من الخارج. فالمواطن الذي لا يستطيع إلى أمواله سبيلاً في المصارف وذاك الذي بات يقتات على “نصف راتب” والآخر الذي فقد قوت يومه جراء طرده من العمل، والموظف الذي خسر 40% من قيمة ليرته، والشركات والمؤسسات والمصانع والمعامل التي أقفلت أو على شفير الإقفال، والمستشفيات التي عمدت إلى تحجيم مستوى خدماتها نتيجة فقدان المستلزمات الطبية، والغلاء الفاحش في سوق المواد الاستهلاكية، و… و… و… كل ذلك جزء من الصورة التي رأى رئيس الحكومة حسان دياب أنها “ليست سوداوية كما يقول البعض”، لينطلق بذلك من مربع قاتل للآمال والحلول إذا ما استمر بمقاربته للانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل في البلد من زوايا تبسيطية تسخيفية تتنكّر لحقيقة كالحة السواد في المشهد اللبناني.
وإذا كان الكلام الديبلوماسي للسفير البريطاني كريس رامبلينغ أمس عن تفاؤله بالحكومة الجديدة دغدغ شعور رعاتها ببوادر دعم غربي يلوح في الأفق لانتشال أهل الحكم من التفليسة التي ورّطوا بها اللبنانيين، فإنّ التقارير الواردة من العواصم الغربية والعربية لا تبشّر بالخير بل هي تؤشر إلى مرحلة من الآفاق المسدودة التي تخيّم فوق مستقبل البلد، ولعلّ في إشارة رامبلينغ نفسه عن الظروف المحيطة بهذه الحكومة جراء “ضغوطات المجتمع الدولي ووضع “حزب الله” تجاه الخارج” كلام يضع الإصبع على الجرح والنقاط على الحروف إزاء حقيقة الموقف الغربي تجاه لبنان، باستثناء الموقف الفرنسي الذي لا يزال يصارع في سبيل استنهاض الوضع اللبناني. إذ كشفت مصادر مطلعة في واشنطن لـ”نداء الوطن” عن معلومات موثوقة تفيد بوضع الإدارة الأميركية “فيتو” على مساعدة حكومة حسان دياب باعتبارها تشكل امتداداً لسلطة “حزب الله”، موضحةً أنّ إدارة ترامب عازمة على تفعيل كل قنوات المواجهة مع إيران على امتداد ساحات نفوذها في المنطقة، ومن هذا المنطلق هي ستتعامل مع لبنان على أنه بات ساحة من ساحات هذه المواجهة لا سيما بعدما أصبح “ساقطاً رسمياً برئاساته وسلطتيه التنفيذية والتشريعية” في قبضة الأكثرية الحاكمة بقيادة “حزب الله”.
أما عربياً، فالشهية أيضاً ليست مفتوحة على مدّ يد العون والمساعدة المالية إلى الحكومة اللبنانية ربطاً بكونها “حكومة الثامن من آذار بلباس تكنوقراطي” حسبما ينقل مصدر ديبلوماسي عربي لـ”نداء الوطن” مشيراً إلى أنّ “الأكيد أنّ كل الدول لا تريد سقوط لبنان ولكن في الوقت عينه لا تريد أن تدعم حكومة مربوط حبلها السرّي بـ”حزب الله” الذي أمّن لها أكثرية التكليف والتأليف وسيؤمن لها الثقة في البرلمان”، ويسأل المصدر: “هل يمكن لأحد أن يعاتب الدول العربية التي ذاقت الأمرين من ارتكابات “حزب الله” في دولها؟ وهل من أحد يمكنه تجاهل حقيقة أنّ الغلبة في الحكومة الحالية هي لـ”حزب الله” وتيار رئيس الجمهورية ووزير الخارجية السابق جبران باسيل المعروف بأنه ينفّذ سياسة “حزب الله”؟، الأمور واضحة وحتى رئيس الحكومة نفسه وعد بتشكيلة من الاختصاصيين لكنه لم يفِ بوعده وخرج بتشكيلة تحاصصية بين أفرقاء 8 آذار”.
وبينما رئيس الحكومة يستعجل إنجاز بيانها الوزاري ويعتزم دعوة مجلس الوزراء لإقراره الأسبوع المقبل تمهيداً لتحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة مناقشة البيان ونيل الحكومة الثقة على أساسه، يبدي المصدر الديبلوماسي استغرابه للكلام المتواتر عن تحضير دياب للقيام بجولة عربية فور نيل الثقة “خصوصاً وأنّ أي موعد لم يحدد له بعد في أي من العواصم العربية، وحتى أنه لم يتلقّ أي مباركة عربية رسمية بتشكيل الحكومة ولا حتى زاره سفراء الدول العربية للقائه أو ليباركوا له، وهذه بحد ذاتها رسالة واضحة تجسد حقيقة الموقف العربي من حكومة دياب بغض النظر عن مسألة استعداده لجولة عربية من عدمها”، ليختم المصدر بعبارة بالغة الدلالة: “مؤسف سقوط لبنان ومؤسف أنّ بعض اللبنانيين لم يستمعوا للتحذيرات والنصائح التي كانت تصل إليهم”.
إذاً، لم يعد أمام أهل السلطة سوى الاتكال على ما جنته أيديهم في مواجهة رياح الأزمة والإقلاع عن إدمانهم المساعدات من الخارج… في وقت تتكشف تباعاً معطيات حول التقرير الذي أعدته هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في مصرف لبنان والذي تستعد لرفعه نهاية الشهر إلى النائب العام التمييزي غسان عويدات، أنّ التحويلات التي حصلت إلى الخارج من حسابات مصرفية في لبنان في الفترة الممتدة بين 17 تشرين الأول و31 كانون الأول 2019 بلغت حوالى “ملياري دولار” حسبما نقلت مصادر مالية لـ”نداء الوطن”، مشيرةً إلى أنّ التقرير لا يتضمّن كما أشيع أسماء المودعين السياسيين الذين عمدوا إلى إجراء تحويلات خارجية خلال هذه الفترة “باعتبار أنّ كتاب طلب التحقيق لم ينصّ على طلب تحديد الأسماء إنما فقط “تحديد المبالغ والمعطيات حولها في حال تبيّن وجود أي شبهة على أي من تلك الحسابات”