كتبت صحيفة “النهار” تقول: فيما تترقب الاوساط السياسية والديبلوماسية والاقتصادية انتهاء اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان الوزاري للحكومة في نهاية الاسبوع الجاري مبدئياً لتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في ما يتعلق بالحكم على الخطوط العريضة للالتزامات الحكومية الصعبة في هذه الظروف الشاقة التي يجتازها لبنان برزت في الساعات الاخيرة فورة معطيات تتصل بالواقع المالي والمصرفي اتسم بعضها بانطباعات مرنة مفاجئة.
ومع ان اللمسات الايجابية ولو المحدودة التي طغت على سطح التوقعات القريبة المدى حيال تسهيل الاجراءات المصرفية القاسية المتخذة في المعاملات المصرفية للمواطنين والمودعين بدت كأنها “افتعلت” وسط اقتراب العد العكسي لانجاز البيان الوزاري والاستعداد لعقد جلسة الثقة بما يخفف وطأة المناخ المنتفض والثائر في البلاد، فان الجهات الجادة المعنية بالملفات المالية والاقتصادية لا تزال تتريث في الحكم على أي خطوات مفاجئة وتلتزم حيالها التحفظ الشديد من منطلق الحذر حيال محاولات “لتنعيم” القيود واسترضاء الشارع بجرعات وهمية تكتسب في ظاهرها طابعاً متفائلاً، فيما قد تنطوي واقعيا على وعود مضخمة. وتقول هذه الجهات إنه لا بد من انتظار السياسة العامة الشاملة التي ستطرحها الحكومة كاستراتيجية انقاذية للبلاد تجنبا لبلوغ الازمة حدود الانهيار ولا يمكن قبل اعلان هذه الاستراتيجية الحكم بالمفرق على خطوات مجتزأة حتى لو صح نشوء مناخ ايجابيات نسبية حيال بعض المؤشرات المالية.
وفي هذا السياق برزت الاجراءات التي تم التفاهم عليها بين جمعية مصارف لبنانوحاكم مصرف لبنان وصدرت في تعميم على المصارف أمس، وفيه طلب اصدار تعميم موقت ينظم الاجراءات التي اتخذتها المصارف، بعدما طالبت الجمعية ان تصدر الاجراءات إما بتعميم أو بقانون او بمرسوم من أجل تغطيتها، وعدم تعريض المصارف للملاحقات القانونية، وتخفيف الضغط على سحب النقد الورقي بالليرة أو بالعملات.
وقد أعلم الحاكم الجمعية انه سيصدر التعميم المطلوب بحكم صلاحية المصرف المركزي وبعد التوافق مع السلطات على التدابير والتي تتضمن أولاً حرية الاموال الجديدة الواردة من الخارج بعد تاريخ 17 تشرين الاول الماضي. وان يقتصر التحويل الى الخارج، خارج الاموال الجديدة، من جهة لتغطية النفقات الشخصية الملحة ضمن سقف 50 الف دولار سنوياً، ومن جهة اخرى لتمويل استيراد المواد الاولية للزراعة والصناعة ايضا ضمن سقف نصف في المئة من الودائع سنوياً، على ان تبقى العمليات بالعملات الاجنبية داخل لبنان بما فيها التحويلات او الشيكات او البطاقات، غير خاضعة لأي قيود. ويتحدد السحب النقدي بالليرة بسقف شهري قدره 25 مليون ليرة للمودع الواحد مع تطبيق اجراءات مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، ويخضع استعمال البطاقات خارج لبنان للحدود المفروضة عليها، كما تدفع الشيكات بالليرة او بالدولار بالحساب وليس نقدا على شبابيك المصارف. وجرى التوافق على ضرورة التطبيق الجدي لموضوع الاموال الجديدة كمدخل لاستعادة الثقة مع الزبائن وتفادياً لتحويلها مباشرة الى الصرافين، علما ان تحويلات اللبنانيين لا تزال مرتفعة وتفوق أربعة مليارات دولار. ولمح الحاكم الى ان الاتصالات جارية مع المؤسسات الدولية التي أبدت استعداداً للتعاون مع المصارف الراغبة لتوفير تمويل الاقتصاد من خلال تعاون ثلاثي، المصرف والمؤسسة الدولية والقطاع الخاص.
وتزامن ذلك مع ما أوردته وكالة “رويترز” أمس من لندن من ان السندات الدولارية السيادية للبنان قفزت أمس وسجّل بعضها أكبر زيادة ليوم واحد منذ أوائل كانون الأول وسط آمال متزايدة بين المستثمرين في خطة لمكافحة أسوأ أزمة اقتصادية تعانيها البلاد في عقود.
وقال كبير الخبراء الاقتصاديين ومحلل الأسواق الناشئة في “أوكسفورد ايكونوميكس” إن معنويات السوق تلقت دفعاً بعد اجتماعات يوم الأربعاء بين وزراء ومسؤولين مصرفيين لمناقشة كيفية تخفيف الأزمة. وأضاف في تعقيب بالبريد الالكتروني: “المناخ العام مطمئن الى ان الجميع يحاولون ارسال اشارات ايجابية توحي باننا لسنا بعد على حافة الازمة وانه ما زال لدينا وقت. اظن ان الاسواق تعتبر ان ذلك يعني ان الاصدار المستحق في اذار سيسدد”.
وينتظر المستثمرون قراراً من الحكومة عن طريقة تعاملها مع عبء للديون يثقل كاهلها، بما في ذلك سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار يحين موعد استحقاقها في آذار.
لا افلاسات
وفي وقت لاحق شدد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أن “سعر صرف الليرة الرسمي سيبقى كما هو لمصلحة لبنان واللبنانيين”.
واستغرب في حديث الى محطة “فرانس 24” “الكلام السلبي اليومي لتخويف الناس وبالأخص تصاعد وتيرة الكلام في عطلة نهاية الأسبوع، وكأنَّ هناك منهجًا متَّبعًا خلفه أهدافٌ سياسيةٌ محليةٌ أو اقليميةٌ وأشخاصٌ يعتقدونَ أّنهم يريدونَ نظامًا مختلفًا”. ولفت الى أن “مصرف لبنان أعلن بعدما فتحت المصارف بعد 17 تشرين الأول، أنَّ أي مصرف لن يُفلس لذلك فإن المودع لن يخسر ودائعه وهي تستخدم بالعملة التي يريدها الزبون، لكن التحويلات أصبحت صعبة على الأفراد والمؤسسات. لكننا برهنا جدية سياستنا بعدم إفلاس أي مصرف”.
وعن إختلاف سعر صرف الليرة في سوق الصيارفة، قال سلامة إن “السعر إختلف لأن المصارف أمام ضغط السحوبات النقدية لم تعد لديها قدرة على تلبية الطلب التجاري في البلد، لذلك ارتدوا الى الصيارفة وهذا السوق ليس منظماً من مصرف لبنان”. وشدد على أن “الفروقات التي حصلت نعتبرها مؤقتة الى أن تصبح الأجواء أفضل ويعود سوق الصيارفة يندرج تدريجاً ليصبح قريباً من سعر الصرف الرسمي”. وجزم بانه لن تكون هناك عملية “هيركات” لا الان ولا لاحقاً”.
وعن طريقة حلّ الأزمة، قال: “نحن اليوم في منطقة أوضاعها صعبة، نهاية هذه الأزمة لها جانب سياسي لا علاقة لي به، وجانب دعم من المجتمع الدولي لإدخال سيولة الى البلد مما يعطي ثقة والسيولة الموجودة في المنازل والمتاجر تعود الى المصارف وبالتالي لبنان سيبدأ بالتحرك كما بدأ تاريخيا بممارسة عملية الصيرفة بكل حرية”.
على الصعيد السياسي، استوقف المراقبين تحذير رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس من “فتنة” عقب اعلان “صفقة القرن”. وقال في رسالة وجهها الى “حركة أمل”: “لأن الوطن الذي بذلتم من أجله أغلى ما تملكون شهداء وجرحى وما بدلتم تبديلاً، تدبر له فتنة عمياء، أنتم الأجدر والأولى مع جميع اللبنانيين المخلصين، بالعمل على وأدها في مهدها. وفي إنتظار اللحظة التي باتت قريبة لكشف مدبريها، أدعوكم إلى الهدوء وكظم الغيظ والصبر على الأذى. أدعوكم إلى ترك الشارع لمن اختاره سبيلاً للتعبير عن رأيه، أو للمطالبة بحقوقه المشروعة، أو حتى ويا للأسف لمن تسلل إلى الشارع مستخدماً إياه منصة للإفتراء والتجني. اتركوه لهم، وابقوا في أمكنتكم التي تشمخ بحضوركم فيها.. كونوا حيث أرادكم الإمام الصدر”.
الراعي
وبرز أمس موقف بكركي الرافض لـ”صفقة القرن” اذ قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: “نحن نأسف على ما يسمى صفقة القرن، التي هي علامة حرب وحقد ودمار وبغض وقهر اضافي للناس، وهذا ما لن نقبله ونتحمله. لا يمكننا التسليم بمشيئة انسان قرر أن يضع جانباً كل التاريخ، وحقيقة وجود المسيحيين والمسلمين واليهود، وقد عاشوا معاً على أرض مقدسة واحدة كما أراد الله، وهذه الأرض لا يمكن ان تحمل هذا القرار السياسي الذي أتخذته الادارة الأميركية أو الرئيس الأميركي”. وأضاف: “نصلي اليوم كي يجنبنا الله مزيداً من الشرور بسبب هذا المشروع وهذا القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي، ومن أجل الشعوب المتألمة والمعذبة. فلا سلام إذا لم يُحترم الانسان بحقوقه وبكرامته، ولا سلام بالظلم والقوة”.